عادل حمودة يكتب: كأس نبيذ فى صحة عزل الرئيس ترامب

مقالات الرأي



"نانسي بيلوسى" تمتلك مزرعتين للنبيذ فى كاليفورنيا ودافعت عن حقوق المثليين ومرضى الإيدز

رفضت موافقة الكونجرس على تمويل الجدار الحدودي بين أمريكا والمكسيك

المرأة التى هزت عرش ترامب هى أول رئيسة لمجلس النواب فى 2006

رفعت الحد الأدنى للأجور وأنهت الإعانة الضريبية لشركات النفط

عارضت حرب جورج بوش على العراق.. ورفضت خصخصة الضمان الاجتماعى.. ونجحت فى تمرير قانون حماية المستهلك

قالت: يجب محاسبة ترامب على خيانة قسم اليمين وخيانة أمننا القومي


لا تشرب القهوة.. تفضل تناول الماء الساخن مع الليمون.. تحل الكلمات المتقاطعة يوميا فى صحيفة نيويورك تايمز قبل أن تقرأ أخبارها.. وغالبا ما تلتهم طبقا من مثلجات الشيكولاتة على الإفطار.. لكنها.. تعانى من أرق دائم يجعل النوم زائرا عزيزا عليها.

على أن ذلك لم يضعف من صلابة نانسى بيلوسى.. أول امرأة منتخبة فى تاريخ الولايات المتحدة لمنصب تشريعى.. وأول امرأة ترأس مجلس النواب الأمريكى.. وبانتمائها للحزب الجمهورى عارضت حرب جورج بوش على العراق.. ورفضت خصخصة الضمان الاجتماعى.. ونجحت فى تمرير قانون حماية المستهلك.. وزادت من نسب الإعفاء الضريبى مما ضاعف من حوافز الاستثمار للتخلص من الركود الذى تعانى منه الأسواق.

لكن.. الأهم.. أنها قررت محاكمة الرئيس دونالد ترامب وعزله بعد أن اتهمته بالخيانة وازدراء النزاهة والحنث فى اليمين.. إنها حرب جديدة من حروبها وهى على أبواب الثمانين.

ولدت بيلوسى فى عائلة سياسية.. والدها داليساندرو جونيو كان عضوا فى الكونجرس عن الحزب الديمقراطى فى ماريلاند وأصبح عمدة بالتيمور بعد سبع سنوات.. وورث المنصب شقيقها توماس.. أما أمها فكانت الأكثر شهرة فى تنظيم مؤتمر النساء لدعم المساواة مع الرجال فى الأجر وحضانة الأطفال والتحول الجنسى.

فى وقت مبكر شاركت بيلوسى فى السياسة بمساعدة والدها فى حملاته الانتخابية ودعمت خبرتها العملية بالدراسة الأكاديمية وحصلت على بكالوريوس العلوم السياسية من كلية ترينيتى التى يفوز خريجوها بمناصب الإدارة العليا فى واشنطن.

التقت بزوجها بول وهما فى الجامعة وأنجبت منه خمسة أطفال تفرغت لتربيتهم بينما عمل زوجها فى بنك استثمارى بأجر سخى ولكن سرعان ما حنت للسياسة فعملت من وراء الكواليس على جمع الأموال لمرشحى الحزب الديمقراطى فى الانتخابات المختلفة التى يخوضها.

عندما وصلت إلى سن السابعة والأربعين غادر أصعر أبنائها البيت للدراسة الجامعية وشجعتها عضوة الكونجرس التى كانت تحتضر على الترشح لمقعدها فى سان فرانسسكو وقبلت بيلوسى العرض وأقامت 100 حفل فى منزلها ووظفت 4000 متطوع وجمعت مليون دولار فى 7 أسابيع وفازت فى أكثر المقاعد الديمقراطية صلابة فى يونيو 1987.

تمتلك بيلوسى مزرعتين للنبيذ فى كاليفورنيا تديرهما شركة جى جالو وينرى أند آى المؤثرة فى إنتاج النبيذ الأمريكى وتقف الشركة على رأس الداعمين الماليين لها.

ورغم أن الدفاع عن حقوق المثليين ومرضى الإيدز ليس مستحبًا شعبيا فإن بيلوسى لم تتردد فى القيام به.

فى عام 2006 فاز الديمقراطيون بأغلبية مقاعد مجلس النواب والشيوخ وأصبحت بيلوسى أول رئيسة لمجلس النواب وفى أول 100 ساعة رفعت الحد الأدنى للأجور وأنهت الإعانات الضريبة لشركات النفط ووضعت قواعد جديدة لعمل جماعات الضغط.

وتكرر جلوسها على مقعد رئيس مجلس النواب وبقوة المنصب وعناد صاحبته بدأ صراعها مع ترامب منذ اليوم الأول لوصوله البيت الأبيض.

رفضت موافقة الكونجرس على تمويل الجدار الحدودى بين الولايات المتحدة والمكسيك.. وساندت وزارة العدل فى معركتها للإفراج عن التقرير الكامل للمحقق الخاص روبرت موللر بخصوص التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة ودعت إلى نشر التقرير على العالم كله.

فى وقت سابق صرحت بأنها غير مهتمة بإقالة ترامب .. وأضافت: لا أعتقد أننا يجب أن نسير فى هذا المسار لأنه سيقسم البلاد .. ولكنها فى 24 سبتمبر الماضى أعلنت عن بدء التحقيقات فى مساءلة ترامب التى ربما تؤدى إلى إقالته.

قالت: تجب محاسبة الرئيس على خيانة قسم اليمين وخيانة أمننا القومى وخيانة نزاهة الانتخابات.

فى يوليو الماضى سجل ضابط فى المخابرات الوطنية مكالمة تليفونية بين ترامب والرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى.. طلب ترامب من زيلينسكى التحقيق مع نائب الرئيس السابق جو بايدن وابنه هنتر.. كان بايدن وهو نائب للرئيس قد ضغط على الحكومة الأوكرانية لإقالة نائبها العام فيكتور شوكين ليوقف تحقيقات الفساد فى شركة الغاز الطبيعى بوريسا هولدنجز التى كان هنتر بايدن عضوا فى مجلس إدارتها.

كان وراء طلب ترامب تجهيز فضيحة سياسية تؤثر على بايدن فيتراجع عن التفكير فى الترشح أمامه فى الانتخابات الرئاسية القادمة ويتخلص ترامب من منافس ديمقراطى قوى.

طالبت بيلوسى بالإفراج عن المكالمة التليفونية واعتبرت الحظر الذى فرضه مدير المخابرات الوطنية عليها انتهاكا فاضحا للقانون.

واعترض البيت الأبيض على مثول ضابط المخابرات أمام الكونجرس ثم عاد وتخلى عن اعتراضه بعد أن أعلنت بيلوسى: لا أحد فوق القانون .

ست لجان فى مجلس النواب تجمع أدلة وتقدمها إلى بيلوسى وجيرى نادلر رئيس لجنة القضاء الذى سيتخذ القرار النهائى بشأن إجراء تصويت على محاكمة الرئيس لكن بداية التحقيقات كانت فى لجنة المخابرات التى يرأسها آدم شيف.

من جانبه هاجم ترامب الديمقراطيين فى سلسلة تغريدات مباشرة كان أكثرها سخرية: مطاردة الساحرات أمر سيئ للغاية لبلدنا.

وبعد أن أنهى خطابه فى الأمم المتحدة نفى ترامب للصحفيين ربط أموال مساعدة أوكرانيا بإجراء تحقيقات فى أنشطة بايدن وهنتر هناك قائلا: لم لا أفعل ذلك؟ ولم يتردد فى وصف أعمال بايدن بأنها عار بعد أن أقر بذكره فى المكالمة.

لم تكن المرة الأولى التى يواجه فيها ترامب محاولة جادة للتخلص منه.. آخرها تقرير مولر الذى لم يصل إلى مستوى الضجيج الذى أحدثته تحقيقاته.

وقال السيناتور الجمهورى عن ولاية تكساس جون كورنين: إن ما حدث خطأ هائل وأنا مندهش من أن بيلوسى التى يمكن وصفها بالداهية سمحت لنفسها بالوصول إلى هذا الحد.

ولكن ذلك لم يثن بيلوسى عن الاستمرار فى سعيها لمساءلة الرئيس ويساندها 172 نائبا ديمقراطيا من 235 نائبا ديمقراطيا يشكلون أغلبية فى مجلس النواب ضد 198 نائبا جمهوريا هناك.

لكن قرار عزل الرئيس فى النهاية بيد مجلس الشيوخ الذى يسيطر عليه الجمهوريون ولن يفلح الديمقراطيون فى حشد ثلثى أعضائه للتصويت بالإطاحة.

لقد سبق أن تعرض للموقف ذاته ثلاثة رؤساء أمريكيين أولهم أندرو جونسون (عام 1868) الذى وجهت إليه 11 تهمة للمساءلة منها أنه كان يتحدث بصوت مرتفع بما لا يليق بالرئيس وأنه عجز عن تنفيذ كثير من وعوده كما وضع بعض أفراد عائلته فى مناصب مؤثرة.

ووجهت إلى بيل كلينتون تهمتين هما الحنث باليمين وعرقلة العدالة وحدث ذلك فى عام 1998.

ولكن مجلس الشيوخ برأهما.

أما الرئيس الثالث فكان ريتشارد نيكسون (1974) ووجهت إليه ثلاث اتهامات منها عرقلة التحقيق فى قضية ووتر جيت ولكنه استقال قبل التصويت على إدانته فى مجلس الشيوخ.

والحقيقة أن هناك الكثير من الغموض حول أنواع السلوك التى يمكن تفسيرها على أنها جرائم تستحق مساءلة الرئيس وتوصف فى كثير من الأحيان بالخيانة مما يعنى أن يراجع الرئيس نفسه قبل كل تصرف يقدم عليه أو كل كلمة ينطق بها ولكن عزل الرئيس يحدث عندما يعتقد نواب الكونجرس بأنه ارتكب جريمة غير قابلة للغفران.

ولا شك أن التربص بالرئيس (السلطة التنفيذية العليا) من السلطة التشريعية يؤكد خطورة منصبه وحساسته خاصة إذا كان يحكم الدولة الأكثر تأثيرا فى العالم.