"حياة لم تعد على الحافة".. رحلة العشوائيات من التداعي إلى قرى متكاملة الخدمات

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


أحاديث كثيرة تُثار حول تطوير العشوائيات، تقابلها خطط أكثر لمحاولة حل تلك الأزمة التي تشكل دائمًا عبئًا على الأنظمة التي تتابعت على حكم مصر، لذا نحاول التعرض للأسباب التي أدت إلى ظهور تلك المشكلة، وتصاعد وتيرة الأزمة بين الحين والآخر، وكيف استطاعت الدولة بقدر ما أسعفها الجهد للتصدي لها.

 

كيف ظهرت الأزمة؟

 

من أسباب ظهور المناطق العشوائية هي زيادة الأجور التي يحددها المالك إلى السكان، حيث يؤدي ذلك إلى انتقال السكان إلى طبقه أقل في المستوى، كذلك ارتفاع أسعار الشقق السكنية، وعدم قدرة بعض الناس على المعيشة في مستوى متوسط، الأمر الذي يضطرهم إلى المناطق العشوائية، كذلك التضخم الاقتصادي الهائل مع زيادة معدلات الإنجاب.

 

ولم تكن العشوائيات وليدة عصر مبارك، إلا أنها زادت وتضاعفت بصورة كبيرة إبان حكمه، فبحسب دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة والمرصد القومى لحقوق الطفل فى عام 2010، حيث أوضحت استمرار التوسع فى المناطق العشوائية، التي ظهرت بداية الستينيات من القرن الماضى، عبر العقود التالية وحتى اليوم على نحو مستدام، وقد قدّر التعداد العام للسكان عام 2006 أن 60% من سكان المناطق الحضرية في مصر، يعيشون في مناطق عشوائية.

 

وبحسب الدراسة فالتطور الحضرى فى العقود الأخيرة كان عشوائيًا على نطاق واسع، وتسبب ذلك فى نمو المناطق العشوائية غير الآمنة، وبرغم وضوح الدليل على أن الفقر يتركز في المناطق غير الآمنة متزايدة النمو، لكن لا توجد بيانات محددة عن نطاق هذا النمو أو ظروف القاطنين بتلك المناطق.

 

ولم يُحرم أهالي العشوائيات من أبسط حقوقهم فى سكن مناسب فقط، بل تسبب سوء التغذية فى ازدياد معدلات قصر القامة والهزال ونقصان الوزن بين عامى 2000 و2008، كما لم يسلم أطفال العشوائيات من المعاناة هم الآخرون، حيث عاش 15% منهم فى ظروف سكن غير مناسبة فى عام 2008، فضلا عن تزايد النسبة المئوية للأطفال الذين يتعرضون لفقر الدخل في الفترة نفسها، وتسجيل زيادة كبيرة فى مستويات سوء التغذية.

 

تفاقم الأزمة

 

كانت كارثة انهيار صخرة الدويقة في سبتمبر 2008، والتى تسببت فى وفاة أكثر من 119 شخصًا، سببا مباشرا فى التفات نظام مبارك لأهمية إنشاء صندوق تطوير المناطق العشوائية، وهو الأمر الذى كان الفنان محمد صبحى قد أشار له فى مارس من العام الماضى، بقوله "حاولت مساعدة النظام البائد فى القضاء على العشوائيات إلا أننى اكتشفت أن هذا النظام كان حريصًا على بقائها خاصة، وأنها تمثل له صمام الأمان فى تجاوز الانتخابات البرلمانية عن طريق تجنيد سكانها لصالحهم وشراء أصواتهم".

 

وفى تصريحات للدكتورة ليلى إسكندر، وزيرة التطوير الحضرى والعشوائيات، قالت إن السياسات الخاطئة للحكومة خلال الـ30 عامًا من حكم حسنى مبارك، كانت كارثية تجاه قاطنى المناطق العشوائية، حيث كان يتم حرمانهم من ترميم منازلهم المهددة، حتى تتهدم مع الزمن وتعود الحكومة لأخذها مجددًا بعد طرد الأهالى منها، وهو الأمر الذى لا يزال تأثيره مستمرًا على الأهالى حتى الآن، ويدفعهم لرفض مساعدة الحكومة لهم تخوفًا من أن تقوم الحكومة بطردهم.

 

 أشهر المناطق العشوائية في مصر

 

تعتبر "الدويقة" من أشهر وأكبر المناطق العشوائية في مصر، بسبب كثرة الحوادث بها والانهيارات الصخرية التي تحدث فيها باستمرار، حيث  تدمر الأماكن والمساكن، إضافه إلى انقطاع الكهرباء والنور والماء بشكل مستمر، وتكدس المساكن بجانب بعض، واغلب السكان بها يعيشون بجانب القمامة والأماكن الملوثة.

 

ويوجد أيضا منطقه تسمي "بطن البقرة " وتقع في حي مصر القديمة ويوجد بها حوالي 4 آلاف أسرة مصريه الأصل، كما يوجد بها منشئات مثل متحف الحضارة وجامع عمرو ابن العاص ومجمع الأديان، لكن أكثر المباني بها تعاني من التدهور، ولا يوجد صرف صحي بها، ولذلك يستخدد بعض الأهالي بيارات لإزالة مياه الصرف، مما يؤدي إلى تشبع الأرض بمياه الصرف ويسبب ذلك وجود الأمراض والحشرات في الحي.

 

تماثلهم في التدهور أيضًا منطقة "منشيه ناصر"، والتي يبلغ عدد الأسر بها حوالي 75 ألف نسمة، يعيشون على جمع المخلفات وإعادة تدويرها مثل الزجاج والعلب الصاج والأقمشة،وينتجون منتجات جديدة من هذه المخلفات، ومن المشاكل التي تهدد هذه المنطقة هي الصعوبة في الحصول على مياه الشرب، حيث تصل إلي 10% فقط من المباني.

 

مصر بدون عشوائيات

 

 اتبعت الحكومة في تطوير العشوائيات نظمًا معمارية وتخطيطًا متميزًا وغير مسبوق، فلم تعد تلك المشروعات مجرد عمارات مصمتة تُنفذ بأقل تكلفة لمواد البناء والتشطيبات، ولم تعد مشروعات إيواء لمن فقدوا السكن الآمن، بل أصبحت بداية حياة جديدة وحضارية من خلال تصميم واجهات معمارية متميزة، وحدائق ولاند سكيب وبرجولات، وملاعب وخدمات، تلك الخدمات ورقى التصميمات هى حق المواطن الذي عانى طويلاً، وأمل لأجيال جديدة تزرع الدولة فى قلوبهم حب الوطن والانتماء لأرضه.

 

البيانات الرسمية الصادرة عن صندوق تطوير العشوائيات توضح أهم المناطق والمشروعات التى تم تنفيذها خلال السنوات القليلة الماضية، بدءاً من 2015، والتى نقلت تلك المناطق نقلة غير مسبوقة، وأعطت لآلاف البسطاء، أهم حقوقهم فى الحياة، وهو نعمة السكن الآمن الراقى.

وبحسب الإحصائيات الصادرة عن إدارة تطوير العشوائيات، فإن عدد العشوائيات في القاهرة يقدر بـ109منطقة، ما بين مناطق غير مخططة وغير آمنة، ويتراوح عدد السكان في هذه المناطق ما بين 4 لـ5 مليون مواطن، وفي إطار سعي الدولة والحكومة للقضاء على هذه الظاهرة، تم وضع خطة طموحة، كما بلغت تكلفة تطوير العشوائيات من 2014 إلى الآن في محافظة القاهرة إلى 15 مليار جنيه، ويأملون الانتهاء من كافة المناطق الغير آمنة في القاهرة مع منتصف 2020، كذلك المناطق الغير مخططة سيتم العمل على رفع مستوى الخدمات بها، من خلال إنشاء مدارس ورفع كفاءة المياه والكهرباء وخلافه.