رامي المتولي يكتب: 5 أفلام فى الدورة الثالثة تحذر من المستقبل

مقالات الرأي



نقترب من إتمام العقد الثانى فى الألفية الثالثة بكل التحولات التى يشهدها العالم حاليا، الغضب والصراع يحكم، والأكثر تأثرًا هم الأطفال والمراهقون الذين وعوا وكبروا فى عالم تتصارع كياناته الاقتصادية الكبرى بعد قرن كامل كانت السيادة فيه للزعامات والفرد الذى يستطيع إشعال حرب عالمية أو يمتد تأثير قراراته لسنوات حتى بعد مماته، غابت الفردية فى القرن الجديد وأصبح الخوف من المستقبل هو السائد مع سيطرة ضعيفة وواهية للعديد من تفاصيل القرن العشرين وتحول سريع لم يستطع مواكبته الجميع خاصة من عاشوا بين القرنين، مراهقون وشباب وأطفال مطلع القرن الحادى والعشرين حسب ما تعبر عنه أفلام العالم الآن يفرض التغيير بقوة ويرفض الماضى بل يخوض حربه وفق قواعده.

على الرغم من تباعد الدول فرنسا والسودان وجواتيمالا والولايات المتحدة والمغرب إلا أن أفلامها فى الدورة الثالثة من مهرجان الجونة السينمائى تعبر عن قلق صناعها من المستقبل وتأثير كل ما يحدث على الأطفال والمراهقين والشباب الصغير، اليوم الأول من فعاليات المهرجان وفى أول عروضه الفعلية وضع مبرمجو المهرجان الفيلم الفرنسى Les Miserables أو البؤساء للمخرج لدج لى فى الصدارة والذى حصد جائزة لجنة التحكيم فى الدورة الثانية والسبعين من مهرجان كان السينمائى الدولى مناصفة مع فيلم Bacurau كما رُشح لنيل السعفة الذهبية والكاميرا الذهبية وهو الترشيح الرسمى من فرنسا لمسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبى 2020.

منذ 157 عامًا صدرت رواية الفرنسى فيكتور هوجو البؤساء، الفيلم بالطبع لا يقترب من أحداثها ولكنه بشكل ما يستلهمها، يضعنا فى نفس الحالة البؤس والضغط الذى يولد الانفجار، حالة الضغط التى تولد العنف لا الثورة، حالة الاحتقان والغضب، يبدأ المخرج فيلمه باقتباس من هوجو عن التربية والأخلاق وينهى فيلمه بموقف لا يحسد عليه كل الأبطال، والاعتماد الأساسى فى الفيلم على أحداث الشغب التى حدثت فى ضواحى باريس وعدد آخر من المدن عام 2005 واستمرت لثلاثة أسابيع، والمحركون الأساسيون فيها هم المراهقون، محور الرواية كان الطفلة كوزيت حتى وإن لم تكن عنصرا أساسيا فى البداية لكن كل الشخصيات كانت تمهد لقصة حياتها، نفس الشيء مع عيسى (عيسى بيريكا) الطفل المشاغب الذى يعانى منه والده والمجتمع حوله بسبب أفعاله التى لا تعد جرائم قدر ما هى حالة تمرد وإثبات وجود والمجتمع الآمن بالنسبة له هو أقرانه من المراهقين والأطفال الذين يعيشون على حافة العاصمة الفرنسية معظمهم أبناء مهاجرين ولاجئون قادمون من إفريقيا.

يسير الفيلم هادئًا فى رسم ملامح الضباط الثلاثة بكل تفاصيلهم اليومية، ويدقق فى طريقة تعاملهم مع الجميع ويكشف ملامح المجتمع الذى يتكون من المهاجرين بكل خلفياتهم الثقافية والدينية المختلفة، لنصل إلى نقطة الذروة وهى الفعل العنيف الذى صدر بحق عيسى المراهق من قبل ضابط الشرطة جودا (جبريل زونجا) ذى الأصول الإفريقية، هذا الفعل على عفويته لكنه فجر موجة من الغضب صممها المخرج فى الثلث الأخير من الفيلم بشكل يضغط على المشاهد لينقل له الإحساس المذبذب بين كراهية الضباط وعيسى والتماس العذر لهم، الحالة الضبابية هى الهدف بغرض التركيز على نبذ العنف مدعومة بنهاية الفيلم المفتوحة، وليصل لهذه النتيجة استغل المونتاج والأداء التمثيلى اللذين تحولا تمامًا فى الثلث الأخير وبشكل تصاعدى خلافًا لحالة الهدوء الحذر التى سيطرت على شكل الفيلم فى الثلثين الأول.

قريبًا من هذه المنطقة واهتمامًا بالمراهقين فى المرحلة المتأخرة يأتى فيلم المخرج نايت باركر American Skin، الذى يعد الأفضل فى السنوات الأخيرة تعرضًا لقضية العنصرية ضد الأفرو- أمريكيين فى الولايات المتحدة، حيث يتعامل الفيلم ليس من مبدأ المظلومية أو دعم العنصرية المضادة والعنف المقابل مثل ما يفعل المخرج سبايك لى كمثال فى أفلامه، بل مناقشة عقلانية تعتمد على الحوار للابتعاد عن العنف قدر الإمكان، على الرغم من البداية التى تبدو تقليدية لحد كبير، تصور مشهد قتل شرطى لشاب صغير من أصول إفريقية أمام والده، وسير هذا الأب على الطريق القانونى كمحاولة لنيل العدالة التى يستحقها ابنه، لكن إجرائيًا لم يفعل الضابط خطأ وبالتالى تمت تبرئته وعودته للخدمة ليتحول الفيلم من عند هذه النقطة والتى يقوم مخرجه بدور الأب، بأن يقتحم قسم الشرطة مع أقربائه وينصب محاكمة للضابط ويستغل المدنيين فى القسم ليقوموا بدور المحلفين ومن خلال هذه المحاورات التى تجرى بين العرقيات الأساسية المكونة للمجتمع الأمريكى ممثلة لتنتهى هذه المحاكمة بإدانة الضابط ظاهريًا لكنها فى الحقيقة إدانة للمجتمع ومؤشر خطر يهدف لنبذ العنف والانتقام الفردى أو حتى خطابات التصعيد ضد العرقيات المختلفة.

العادات المجتمعية وتأثيرها على الأطفال كانت محور الفيلم السودانى You Will Die in Twenty والفيلم المغربى Adam الترشيح الرسمى من دولته لمسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبى 2020 ففيما يذهب الأول لتوضيح العادات المجتمعية والسلطة الدينية وتأثيرها السلبى على حياة طفل فى كل مراحل حياته والقيد الذى فرضته عليه هذه العادات وحجم التدمير الذى طال أسرته، بينما يتعرض الثانى لقضية الإنجاب خارج شكل الزواج الرسمى من خلال اثنين من الأمهات العازبات اللاتى يفرض عليهن المجتمع الشرقى أيضًا قيوده لحد من حرياتهن وما يحلمن به للحد الذى يؤثر سلبًا بدوره على الأطفال، وكلا الفيلمين يحتفى بالحرية والحياة.

فيلم The Weeping Woman من جواتيمالا يتعامل مع الماضى والسياسة وتأثيرهما على الأجيال الجديدة، ففى الوقت الذى يستعد فيه الجنرال المتقاعد لإنهاء حياته بشرف يواجه اتهاما فى قضية ضد الإنسانية حينما كان قائدًا فاعلاً يتحكم فى حياة البشر، يعتمد الفيلم على الماورائيات للتنديد بجرائم القتل ضد السكان الأصليين فى جواتيمالا وتأثير هذه الجرائم على الأجيال الجديدة من الأبناء من الطرفين للحد الذى ينتهى معه الفيلم بشكل صادم وعنيف لكنها العدالة التى ستمكن للمستقبل أن يكون أقل عنفًا وأكثر تحضرًا.