سامي جعفر يكتب مؤامرة على السعودية

مقالات الرأي



القوى الكبرى تخلت عن المملكة بعد «هجوم أرامكو».. وشماتة «أردوغان» تفضح تورطه

لن ينسى العالم 14 سبتمبر 2019، وهو اليوم الذى تعرضت فيه معامل شركة أرامكو السعودية لهجوم معقد وغامض تسبب فى انخفاض حجم إنتاج الشركة من البترول بنسبة 50 %، تساوى 35% من حجم المعروض يومياً فى السوق العالمية فى أكبر اعتداء تتعرض له المملكة فى تاريخها وأكبر ضربة لسوق النفط منذ 46 عاماً عندما خفض العرب إنتاجهم من النفط 5 % رداً على الدعم الأمريكى لإسرائيل فى حرب أكتوبر 1973.

ولغموض الضربة الجبانة التى تعرضت لها المملكة أسباب منها أن ميليشيات الحوثيين تبنت الهجوم رغم أن قدراتها لا تمكنها من الوصول إلى معامل أرامكو، ولكن التصريح الحوثى كان إشارة إلى أن الفاعل إيران التى هددت منذ أسابيع بمنع تصدير النفط من المنطقة إذا تم حرمانها من بيع بترولها، كما أن الحوثيين لا يمكن أن يتحركوا إلا بأوامر إيرانية.

مواقف القوى الكبرى فى العالم غامضة حتى الآن ولا تبشر بالخير بالنسبة للمملكة إذ تراوح الموقف الأمريكى بين التقليل من أثر الحادث على واشنطن لاحتفاظها باحتياطيات كبيرة من النفط، إلى التأكيد على أنها تبحث الرد المناسب مع المملكة، إلى تعليقات دول أخرى عن أن الهجوم يدعو للقلق ويزيد من التوتر بالمنطقة أو أن الأمر يحتاج لدراسة الرد المناسب وغيرها من التعبيرات المطاطة التى تكشف عن وجود اتفاق جبان على حساب السعودية.

ما يؤكد وجود مؤامرة على المملكة تعليق الرئيس التركى رجب طيب أردوغان على الهجوم بقوله: «لنتذكر من كان أول من قصف اليمن؟ وسنرى من أين بدأت الكارثة؟»، وفى تحميل الرياض مسئولية الهجوم الذى تعرضت له صناعتها النفطية وهى عبارات تحمل شماتة واضحة خصوصاً مع الغضب التركى من المملكة بعد زيارة وزير خارجيتها لقبرص وإعلانه دعم الرياض للأخيرة ما اعتبرته أنقرة تحدياً لها.

الحقيقة أن أردوغان، يتآمر على المملكة ودخل فى تحالف مع قطر وإيران منذ سنوات لفرض الهيمنة التركية على المنطقة على حساب السعودية ومصر والإمارات، لكنه لم يحقق أهدافه، إذ لم تصمت المدافع بعد فى سوريا وليبيا، كما أن الخبرة التركية فى استخدام الطائرات المسيرة تشير إلى وجود علاقة لأنقرة ولو غير مباشرة بالهجوم على أرامكو.

تعود أهمية السعودية فى سوق النفط إلى مساهمتها بـ70 % من المعروض يومياً والبالغ 2.4 مليون برميل، رغم أنها حسب الأرقام تأتى فى الترتيب الثالث من حيث الإنتاج بعد الولايات المتحدة وروسيا بـ12 و11 % على الترتيب، حيث تستهلك واشنطن 21 % من المعروض أى ضعف إنتاجها مع احتفاظها باحتياطات كبيرة، كما تصدر المملكة النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند وكوريا الجنوبية وأوروبا واليابان وجميعها تمثل النسبة الأكبر من القوى الصناعية فى العالم، ولذا صعدت أسعار البترول نحو 15 % عند فتح الأسواق بعد هجوم أرامكو، وقفزت العقود الآجلة لخام برنت ما يزيد على 19 % لتصل إلى 71.95 دولار للبرميل، بينما صعدت العقود الآجلة للخام الأمريكى أكثر من 15 % لتصل لـ63.34 دولار للبرميل.

الضربة منتقاة بعناية لإيلام السعودية وإجبارها على تغيير سياستها فى المنطقة باعتبارها إحدى القوى الإقليمية المؤثرة، إذ أن أرامكو هى جوهرة الاقتصاد السعودى والشركة الأكبر فى العالم وبقيمة سوقية 2 تريليون دولار، وحققت أرباحاً فى العام الماضى بلغت 111 مليار دولار، توازى ما حققته شركات أبل وجوجل وإكسون موبيل مجتمعة. هل تصمت الرياض على هذا العدوان الخسيس، الأغلب أنها تدرس الأمر بعناية شديدة خصوصاً مع تعقيدات الأوضاع فى المنطقة والعالم سواء السياسية أو الاقتصادية إذ أن العبث بسوق البترول يأتى وسط حرب اقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الصين التى تستورد كميات ضخمة من نفط السعودية، وخلافات بين واشنطن وعواصم أخرى مثل نودلهى وطوكيو تستورد معظم احتياجاتها من الطاقة من المملكة وكأن الهجوم وافق هوى أمريكى والتى تستطيع تحقيق مكاسب من الكارثة فى أى اتجاه.

ورغم المصيبة التى ضربت الرياض إلا أنها فرصة لتعرف بعض دول المنطقة وعلى وجه التحديد الرياض وأبوظبى والقاهرة أنه حان الوقت لتأسيس منظمة عربية قائمة على استراتيجية جديدة للتعامل مع الوضع العالمى المعقد الذى تؤدى عمليات تبادل المصالح فيه للإضرار بالقوى الإقليمية.