تبرع لبنائها أهالي النوبة ومنحها الملك فؤاد الأول أسمه.. حكاية مدرسة"النهضة النوبية" في الإسكندرية

محافظات

مدرسة فؤاد الأول
مدرسة فؤاد الأول


حكايات شوارع وأزقة محافظة الإسكندرية لا تنتهي من القصص التاريخية والمباني التراثية، والتي تعبر عن معنى واحد أنها أرض الجنسيات وتعدد الثقافات، التي استطاعت الجاليات أن تتعايش داخل تلك المجتمع وتترك أثاره الثقافية والمعمارية بداخلها، ولكنها ليست أرض للجاليات الأجنبية فقط، إنما احتوت أهالي النوبة عقب نزوحهم إليها في أوائل عشرينات القرن الماضي، لبناء خزان أسوان.


حتى خلف أهالي نوبة قصص تراثية تحكي عن مدى ترابطهم وقوة رابطتهم عقب انتقالهم إلى المحافظة الساحلية، لتجسد بناء مدرسة"فؤاد الأول" ذلك الترابط، والتي جاء بنائها بمباركة ودعم من الأسرة الملكية حتى بسطاء قرى النوبة في إسوان والسودان.


قصة البناء


بدأت قصة بناء مدرسة فؤاد الأول التي تكمن في شارع شجرة الدر في منطقة غربال في منطقة محرم بك بوسط الإسكندرية، عندما شرعت جمعية النهضة النوبية الخيرية الإسلامية المختصة بالعلوم والمعارف في بناء مشروع مدرسة تنقل إليه مدارس الجمعية بأقسامها، وتكون مقر دائم للنوبيين في الإسكندرية، وذلك وفق بحث الدكتور أحمد منصور المنشور في مجلة ذاكرة مصر المعاصرة التابعة لمكتبة الإسكندرية في عددها الخاص عن الإسكندرية.


وقد بدأت المراسلات بين جمعية النهضة النوبية وقلم الأملاك الأميرية بالإسكندرية ووزارة المعارف بشأن تخصيص قطعة أرض بثمن رمزي، لصالح مشروع بناء المدرسة، لكن مصلحة الأملاك الأميرية قد بادرت بالرفض، وأصرت على بيع قطعة الأرض بثمنها الأصلي"160قرشًا" للمتر الواحد، حتى استطاعت الجمعية أن تحصل على دعم القصر الملكي في 22 يناير 1934 بإيجار قدره واحد جنيه سنويًا، لبناء مدرسة خيرية لمدة 50 عامًا.


عقب الإذن الملكي.. أطلاق اسم الملك "فؤاد الأول"


في يوليو من ذات العام تسلمت الجمعية قطعة الأرض بمساحة 4 آلاف و12 مترًا في قسم كرموز، وقد تقدمت الجمعية بطلب إلى الديوان الملكي بأن يطلق اسم الملك فؤاد على المدرسة، ومن ثم يقام حجر الأساس تحت الرعاية السامية، حتى جاء الرد بالموافقة بتسمية المدرسة باسم "فؤاد الأول".


كما تبرع الملك بمبلغ مئة جنيه للمساعدة في بناء المدرسة، وفي فبراير عام 1935 احتفلت الجمعية بوضع حجر الأساس، وتم دعوة كبار رجال الدولة وأوفد الملك فؤاد وكيل محافظة الإسكندرية نائبًا عنه لحضور الحفل، الأمير عمر طوسون أحد أمراء الأسرة المالكة.


بماء الذهب.. نقش أسماء المتبرعين


اعتبرت الجمعية أن بناء مدرسة فؤاد الأول الخيرية لا يقتصر فقط على أعضاء الجمعية، أنما يشمل كل أبناء القرى النوبية في إسوان والإسكندرية، وقد فتحت باب للتبرعات من بسطاء القرى، للمساعدة في إقامة هذا الصرح العلمي، وللتشجيع على زيادة قيمة التبرعات، قررت نقش أسماء المتبرعين بمبلغ عشرة جنيهات وما فوق، على لوحة رخامية بماء الذهب.


وقد وضعت اللوحة الرخامية أول الأسماء وهي منحة جلالة مولانا الملك "100" جنيه، ثم يليه حضرة الحسيب النسيب السر السيد علي المرغني 30 جنيه، حتى انتهت إلى التبرع بقيمة 1 جنيه،، وقد افتتحت المدرسة في عهد الملك فاروق عام 1939 بحضور مندوب القصر الملكي، ومحافظ الإسكندرية.


طراز إسلامي تراثي


تندرج المدرسة اليوم في قائمة المباني التراثية والتي يحميها القانون رقم 144 لسنة 2006، لأنها ذات طابع معماري مميز، حيث تتميز بالمزيج بين الطراز الإسلامي والأوربي السائد في تلك الفترة، وقد اُستخدم في واجهة المدرسة قوالب الطوب الأحمر والألوان المختلفة مثل الأحمر والأصفر والذي يعبر عن العصر المملوكي، وهو كان الطراز السائد في عشرينات القرن الماضي.


وقد شكلت نوافذ المدرسة بأشكال مستطيلة، وقد زُخرفت من الزخارف النباتية، وشملت السلم المزدوج في واجتها، ويعلو مدخل المدرسة اللوحة التأسيسة للمدرسة باسم "جمعية النهضة النوبية الخيرية الإسلامية مدرسة فؤاد الأول".


المدرسة


وقد نشر تقرير مجلس إدارة جمعية النهضة النوبية لعام 1934- 1935 بأن تصميمها مكونًا من دور أرضي وثلاثة أدوار علوية، تحتوي على 22 فصل دراسي، وشكلت على ثلاثة أضلاع متصلة حرف"u"، ويقابها فناء مدرسي كبير، لممارسة التمرينات الرياضية، نافورتان لشرب التلاميذ المياه، حديقة للتعرف على أنواع النباتات وتعلم فنون الزراعة.


زيارات هامة


تلك المدرسة أصبحت محط اهتمام من الشخصيات العامة والبارزة، وقد زارها رئيس الوزراء علي باشا ماهر، وزير المعارف علي زكي العرابي، البرلمان المصري.


ويشير الباحث أحمد منصور أن بناء المدرسة دليل على قوة رابطة أبناء النوبة عقب انتقالهم إلى مدينة الإسكندرية، لبناء خزان أسوان، وقوة المجتمع المصري، لترابطه لبناء مدرسة خيرية، وتميز المعمار في ذلك الوقت الذي جعلها ضمن قائمة المباني التراثية.