مافيا تبوير الأراضي الزراعية تستولى على 246 فدانا بحجة إقامة 612 مشروعا للمنفعة العامة

العدد الأسبوعي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


رغم محاربة الحكومات المتتالية للمتعدين على الأراضى الزراعية، لا يتوقف الراغبون فى البناء عليها وتحقيق أرباح بالملايين عن اكتشاف ثغرات قانونية جديدة تتيح لهم ذلك.

ومن خلال تلك الثغرات تحول نحو ٩٠ ألف فدان من الأراضى الطينية السوداء منذ عام 2011 إلى مناطق سكنية ومنشآت أسمنتية.

وتعتمد الحيلة الجديدة التى اكتشفتها مافيا التبوير منذ 3 سنوات على قانون المنفعة العامة، الذى يجيز تخصيص قطعة أرض زراعية بعد موافقة وزارة الزراعة والجهات المعنية للمنفعة العامة، مثل بناء مدرسة أو مستشفى، وتمكنت المافيا من خلق مليارديرات جدد على حساب الرقعة الزراعية الطينية.

وصف حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، ما يقوم به هؤلاء بالجريمة الكاملة، والتى تتشكل عناصرها من سماسرة ورجال أعمال ومحامين.

وسعت «الفجر» بعد حصولها على مستندات تفيد قيام محافظة سوهاج بتبوير 5.6 فدان لصالح إنشاء مقلب للقمامة، للوصول لأحد سماسرة تخليص صفقات المنفعة العامة، وفى محافظة الدقهلية تم المراد.. فى البداية تحدثنا معه ويدعى «أحمد» عن أن لدينا 3 أفدنة بالقرب من مدينة أجا، ونرغب فى إدخالها إلى كردون المبانى. وجاء رده: «هتستغنى عن حتة أرض منها وتنساها، دى هتبقى السكة إنك تقدر تحول الباقى»، وأضاف: «هنزل عندك المنطقة وأعرف إيه إللى ناقص، مثلاً المنطقة محتاجة مدرسة أو مستشفى، أو جامع، بعدها هنقدم طلب من خلال الناس بتوعنا لوزارة الزراعة بتحويل قطعة من الأرض للبناء الذى تحتاجه القرية، بعدها تتكفل بمصاريف البناء وإدخال المرافق، ثم نحول باقى المساحة إلى مبان».

يقول حسين أبو صدام، إنه تم خلال الفترة من ١١ يونيو ٢٠١٨ إلى ١ يوليو ٢٠١٩ تبوير 2600 فدان، ومن خلال موافقة وزارة الزراعة على إقامة ٦١٢ مشروعاً من مشروعات المنفعة العامة، و٢٨١٥ مبنى ومشروعًا للنفع الخاص لخدمة الإنتاج الزراعى والداجنى، تم الاستيلاء على نحو 249 فداناً.

وأضاف أنه من الغريب أن نتفنن فى إهدار أغلى الثروات لدينا وهى الأراضى الزراعية الطينية، مشيراً إلى أن المعدلات الحالية للتعديات تؤكد انقراض الأراضى الطينية فى غضون ١٠٠ عام، وأوضح أنه حسب بعض التقديرات فإن مكاسب البناء على الأراضى الطينية سجلت حوالى 60 مليار جنيه العام الماضى فقط، تمثل فارق السعر بين الأراضى البناء والزراعية.

السمسار أكد أن العملية مضمونة 100%، قام بنفس الخطوات عدة مرات ونجحت، قال: الخطوات تتم تباعاً وبالترتيب، لكنها تحتاج إلى مصاريف كثيرة، وأوضح: يمكن أن نتقدم من خلال جمعية أهلية، وإذا لم يكن لديك المال اللازم لبناء مدرسة مثلاً يمكن الحصول على تمويل من أحد رجال الأعمال مقابل حصة فى الأرباح.

وأضاف: عمولتى 500 ألف جنيه، على 3 دفعات، الأولى قبل تسليم الأوراق، والثانية بعد بناء المدرسة وتوصيل المرافق، والثالثة بعد بناء أول عمارة سكنية. وأشار إلى أن الأمر قد يستغرق عاماً، وأن أقصى ضرر قد يحدث هو صدور قرار إزالة.. «بنخلصه بدفع الغرامة».

الدكتور محمد القرش، المتحدث الرسمى لوزارة الزراعة، قال إن موافقات المنفعة العامة تتم بعد تشكيل لجان من الوزارة والمديريات التابعة، ويجب أن ينال الطلب قبل أن يصل وزارة الزراعة موافقة الوحدات المحلية والمحافظة، وحالة موافقة الوزارة يكون ذلك فى إطار القانون، وبما لا يضر بالرقعة الزراعية فى المنطقة، وأكد أن كل طلبات المنفعة العامة مؤخراً تخص بناء مدارس ومستوصفات طبية.

هناك حيلة أخرى تتمثل فى بناء قبور على الأراضى الزراعية وبيعها، وهو ما يسبب إحراجاً كبيراً للمحليات، كون التعدى يتعلق بحرمة الموتى، وفى الغربية بحسب مصادر لـ«الفجر» يتسابق سماسرة الأراضى والعقارات على شراء مساحات من الأراضى الزراعية لبناء مقابر وبيعها بأسعار خيالية، وبتلك الطريقة دمرت أراضى لقرى بالكامل مثل قرانشو وميت الخير بمركز بسيون.

وفى مركز العدوة بمحافظة المنيا، وتحديداً بقرية الشيخ مسعود، تقدمت إحدى الجمعيات الأهلية الشهر الماضى بطلب للمحافظ للموافقة على تخصيص ١٠ أفدنة لبناء جبانة، رغم وجود جبانة بالقرية.

يقول الحاج محمد أبو العيون، أحد سكان قرية البهنسا، إن مساحات زراعية كبيرة تحولت لمبان بسبب حيلة المنفعة العامة، وأشار إلى قيام أحد رجال الأعمال منذ فترة بشراء ٢٠ فداناً بقرى مجاورة لإقامة مجمع مدارس، ثم قام بإنشاء مجمع سكنى باع فيه المتر بـ ١٥ ألف جنيه.

وفى قرية الخياطة بدمياط، قامت إحدى العائلات الكبرى بتحويل فدان ونصف الفدان إلى جبانة، ووصل سعر المقبرة إلى٣٠ ألف جنيه، وقتها كان سعر الأرض حوالى مليون ونصف المليون، وبعد البناء ربحت العائلة حوالى ١٠٠ مليون جنيه.

يقول فتحى فودة، رئيس جمعية إنقاذ دمياط، إن أراضى المحافظة تتعرض لنهب منذ سنوات، وعلى سبيل المثال فقد أجهزت جمعيات أهلية على أراضى رأس البر، وأحدها حصل على ٢٠ ألف متر لبناء مساكن لأعضائها فى منطقة الجربى، وسيطرت شركة معروفة وإحدى العائلات بوضع اليد على منطقة شطا التى تربط المحافظة ببورسعيد.

تقدر إجمالى مساحة الأرض الزراعية فى مصر بحوالى ١٠٫٥ مليون فدان، منها ٦ ملايين فدان فقط أراض طينية قديمة، فقدت منها مصر نحو ٤٠٠ ألف فدان منذ عام ١٩٨٣، منها ٩٠ ألفاً فى الفترة التالية لثورة 25 يناير.

فى محافظة القليوبية، على طريق القناطر البطىء تمكن «آ،ع» من تحويل ٢٠٠٠ متر إلى أرض بناء، فى البداية تقدم بطلب لإنشاء مدرسة، وأثناء وضع الأساسات تم وضع أساسات بنزينة لتموين وغسل السيارات، وتعمل حالياً بعد دفع غرامة 2 مليون جنيه للدولة، نظير مخالفات البناء على أرض زراعية.

وفى أبو زعبل، آخر حدود القليوبية، طلب رجل أعمال إنشاء مدرسة على قطعة أرض زراعية، ثم قام باستغلال الأراضى المجاورة فى بناء عدد من المساكن العشوائية التى تم هدمها بعد صدور قرارات إزالة بحقها.

وفى الدقهلية يقول حسين عرمة، نقيب الفلاحين بالمحافظة، إن تلك الحيلة يتم اللجوء إليها كثيراً بمدينة بلقاس، بواسطة الجمعيات الأهلية، مشيراً إلى أن نحو 50% من أراضى المدينة أصبحت مبانى، وتم تنفيذ العديد من قرارات الإزالة مؤخراً.

وأضاف أن هناك حيلًا أخرى تستخدم بالأراضى المجاورة للطرق السريعة بالقليوبية والدقهلية، مثل التبوير لدمج الأرض ضمن مخازن السيارات المستوردة، دون البناء عليها، ومع مرور الوقت يتم التصالح واستصدار تراخيص بناء، بهذه الطريقة تم تبوير ما يقرب من ألف فدان.