"مشروع صيد".. بيع السمك للمصيفين بالإسكندرية حيلة 3 أطفال أشقاء لشراء مستلزمات المدارس

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


مع بُزوغ أشعة الشمس الأولى، تستعد إيمان وأشقائها للذهاب إلى الصيد بأحد شواطىء بحر الإسكندرية، تتلفَّع بشالُها؛ لنزع حمْأَة الحرارة، التي تكسرها تلاطُم الأمواج من حين لأخر طيلة ساعات العمل خلال العطلة الصيفية، آملة برزق وفير من السمك؛ كي يستطيعوا توفير مستلزماتهم الدراسية، مجابهين لجَّة العالم وظروفهم المعيشية "البحر خير للكل.. كنا بنطلع نصطاد مع ناس ويدونا يومية في الأول.. وبعدين قولنا نجرب ونجيب شبك وظبطت معانا.. وحوشنا مصاريفنا".







مع إعلان وزارة التربية والتعليم نتيجة الصف الرابع الإبتدائي، طلبت إيمان من والدها الخروج للعمل مع أشقائها، لكنه رفض في البداية خوفًا عليها، ولكن بعد إلحاحٍ منها وافق، وبأول أسبوع لم تكن صاحبة العشر سنوات، راضية بأجرها، فطرأت بخاطرها فكرة العمل بمفردهم، ونالت إعجاب شقيقها الأكبر منها بعامين، وهرول لشراء شبكة خاصة بهم، برفقة والده، وبدأوا الصيد كل صباح حتى الثالثة عصرًا، بأحد شواطىء الأنفوشي. برغم زحمة المُصطافين بموسم الصيف، وكبار الصيادين وهواة الصيد، إلا أن مشروع الثلاثة أطفال حقق نجاحًا كبيرًا بالنسبة لهم.






حَدت الظروف المعيشية للأسرة المكونة من ستة أفراد، الطفلة للعمل في سن مبكر، دون أن تكترث لما يحمله لها البحر، وسوق العمل "كنت فاكرة إن الشغل سهل ولما نزلت البحر عرفت قيمته وإن إزاي إخواتي وأبويا بيتعب"، تقولها الطفلة وهي شاخصة بصرها صوب يديها التي مليئة بالجروح والندبات من ربط خيُوط الشبك، وإخراج السمك منها، أومأ إليها شقيقها الأصغر محمد، البالغ عمره تسع سنوات، بعينيه لوجود بعض الأسماك، ابتسمت ناسية كل أوجاعها "الرزق ياما النهاردة.. أحسن من امبارح".






ينادى الأخ الأكبر محمود، عليهم بصوت يجمع بين الطفولة والصرامة، لمساعدته في رمي الشبكة بالبحر، كونها ثقيلة عليه، يسرع محمد إليه "خاليكي يا إيمان"، تستجيب الطفلة، مكملة في مهامها، حتى يخرج صاحب الـ(12 عامًا) من البحر، لتستجمع كل قواها البدنية لحمل الشبكة معهم "الله أكبر"، يقاطعها صديقهما ليث، عارضًا المساعدة عليهم، لكنهم كعادتهم لم يقبلوا "هما بيحبوا يلعبوا هنا.. وأهاليهم هتزعقلهم"، معتبرين وجودهم مجرد زَخمًا، فهم أتقنوا عملهم.








نمى المشروع شيئًا فشيئًا بعد ذلك، حتى شاع صيت الأطفال في سوق السمك، الذين يبيعون فيه محصلهم اليومي، مع قرب نهاية الموسم "التجار بياخدوا منا بسعر أقل.. بس بنعرف نطلع بيومية.. وأحيانًا بنبيعوا للمصيفين ونروحوا نشووا إحنا في الفرن وبناخد مكسب أكتر من البيع للتجار.. وبنوفر منه أكل للبيت بعد الأيام". فوظيفة والدهم في إحدى الهيئات الحكومية، لا تكفي سوى احتياجات المنزل، لاسيما وأنه يعمل بها فقط، عقب أن خارت عزيمته من العمل في حرفة الحياكة بعد عمله الأساسي "جاية الوقت اللي نريحوا ولو من مصاريفنا"، يقولها الابن الأكبر بابتسامة شاحبة، وهو يرمي الشبكة في البحر "يارب".






ثلاثة أشهر عمر مشروع التلاميذ، واجهوا خلالهم بعض الصعوبات، كنقل السمك، خاصة في الأيام شديدة الحرارة "كنا نروح نبيع السمك يقولولنا مش عاوزين.. كنا نضطر ناكلوا"، وبرغم حالة الإحباط التي تنتابهم، إلا أن في اليوم التالي كان رزقهم وفير واستطاعوا تعويض ذلك "مكملين لحد بدء الدراسة.. نحاول نوفر فلوس دروسنا كمان.. لأننا ما بنحضر إلا المراجعات النهائية أو آخر شهر قبل الامتحانات.. ما عدا مادة الإنجليزي بناخد فيها دروس من أول شهر.. وعاملين حسابنا على كده"، بالإضافة إلى تجهيز كل مستلزماتنا الدراسية.