عادل حمودة يكتب: شهدت بنفسي تورط جورباتشوف فى عملية نصب بمليار دولار

مقالات الرأي



جمعية لبنانية تكونت للدفاع عن أصغر بنات قيصر روسيا للحصول على مخزون من سبائك الذهب فى بنك إنجلترا

كل ما يهم جورباتشوف المكافأة السخية التى حصل عليها والإقامة المترفة التى نالها ونهر الخمر الذى ابتلعه فى جوفه والراقصة الشرقية التى قضت السهرة معه


لم أصدق أن الزعيم السوفيتى ميخائيل جورباتوشف الذى دمر الإمبراطورية الشيوعية وغير خرائط الجغرافيا السياسية يمكن أن يكون خفيفا منفلتا وضعيفا لا يقدر على مقاومة كأس من «الفودكا» أو امرأة عابرة ولو كانت متواضعة الأنوثة.

قضيت معه ثلاثة أيام فى بيروت بدعوة من جمعية تكونت فى بيروت للدفاع عن ميراث الأميرة «أنستازيا رومانوف» صغرى بنات آخر قياصرة روسيا نيكولاى الكسندروفيتش رومانوف الثانى.

حسب ما عرفت فإن عائلة رومانوف تحتفظ بسبائك من الذهب فى «بنك إنجلترا» لم تحصل عليها بعد منذ المذبحة التى نالت كل أفرادها فى عام 1918 ما عدا أنستازيا الوريث الوحيد لتلك الثروة التى قدرت بمئات الملايين من الدولارات.

دعت الجمعية جورباتشوف ليلقى محاضرة عامة ويلتقى برموز الدولة اللبنانية ومنحتنى فرصة إجراء حوار معه لتستفيد من الدعاية الهائلة التى ستجدها فى الميديا متعددة الجنسيات تغطية للزيارة وتحقيقا لهدف أهم والحصول على سبائك الذهب.

وفى المقابل حصل جورباتشوف على مبلغ من المال بالدولار لم أعرف مقداره وإن كان لا يقل عن عشرين ألف دولار وفتح له الجناح الرئاسى فى فندق فنيسيا الأكثر شهرة فى بيروت بجانب غرف لحراسته المرافقة وسيارات فارهة لا يركبها كبار المسئولين هناك وجاء الصحفى المصرى المقيم فى موسكو سامى عمارة ليقوم بالترجمة بين الروسية والعربية.

إن الرؤساء السابقين فى العالم يكسبون وهم خارج السلطة أكثر من مكاسبهم وهم يتربعون عليها.. يتقاضون مبالغ مغرية لنشر مذكراتهم أو لإلقاء محاضرات أو للحوارات التليفزيونية.. بل إن جورباتشوف وافق على نشر صورته فى إعلان عن «لوى فيتون» الفرنسية.. أشهر شركة حقائب شخصية فى العالم.

ولا شك أن لكل رئيس سابق تسعيرة يحددها ثقلة السياسى والدور الذى لعبه فى بلاده وعلى مستوى العالم ولا شك أن تلك التسعيرة تنخفض مع مرور الوقت وخفوت النجومية وتراجع اهتمام الناس به.

ولا شك أن جورباتشوف من الشخصيات الحاكمة التى نالت اهتماما غير مسبوق بعد أن أدت سياسته إلى تفكك الاتحاد السوفيتى وسقوط حائط برلين وانتهاء الشيوعية وسيادة الرأسمالية ووصف الولايات المتحدة بالقوى الوحيدة.

رافقت جورباتشوف فى زيارته للرئيس اللبنانى وكان وقتها العماد إميل لحود واتجهت السيارة إلى قصر بعبدا المطل على بيروت من تل تكسوه الخضرة، وفى اليوم نفسه زرنا رئيس الحكومة وقتها سليم الحص فى «السراى الكبير» وزرنا رئيس مجلس النواب نبيه برى فى مكتبه وفى اليوم التالى كنا فى ضيعة «المختارة» نحظى بضيافة وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمى الاشتراكى الذى أسسه والده كمال جنبلاط، وكان على علاقة أيديولوجية بالسوفيت حتى أنه حصل على وسام لينين بجانب تذكارات أخرى يحتفظ بها ابنه فى غرفة خاصة.

كان الكبار يسألون جورباتشوف عما فعل حتى أن هناك من اتهمه بأنه كان عميلا نائما للمخابرات الأمريكية جندته رئيسة الحكومة البريطانية وقتها مارجريت تاتشر ولكنه لم يكن يرد على ما يسمع وكثيرا ما حول القضايا الجادة إلى سخرية حادة.

لكن لا بد من الاعتراف بأنه شخصية بسيطة متواضعة تستطيع بسهولة جذب الناس إليها.

ولكن فى الوقت نفسه كان كل ما يهمه أن يعيش مترفا ويستمتع هو وحراسته باحتساء أفخر أنواع الخمور مجانا ولم يكن ليتردد أن يغازل كل امرأة أو فتاة يصادفها فى المصعد أو المطعم أو فى مكاتب الحكم بل أكثر من ذلك طلب أن يقضى السهرة فى كباريه ليستمتع بالرقص الشرقى ولكنى حذرت من الاستجابة لطلبه حتى لا تنشر الصحافة صوره وهو يترنح ممسكا بخصر الراقصة أو يحاول تقبيلها وعمل أصحاب الجمعية بالنصيحة واكتفوا بإحضار راقصة شرقية إلى جناحه فى الفندق ولم أعرف ما جرى ليلتها.

سألته : هل تثق فى أن أنستازيا لا تزال على قيد الحياة حتى تطالب جمعية باسمها بالمدخرات الذهبية لعائلتها؟

أجاب: لم أهتم بالتحقق من صحة وجود امرأة عجوز تدعى أنها أنستازيا؟.

حكم نيقولاى الثانى روسيا القيصرية من 1894 حتى قيام الثورة البلشفية فى 1917 وأنجب من زوجته الكسندرا أربع فتيات يحملن لقب دوقة (أولجا وتاتانيا وماريا وأنستازيا) وصبى وصف بولى العهد (هو الكسى نيكولاى الثالث) كان مصابا بمرض يمنع تجلط الدم مما يهدد حياته عند أقل نزيف ولو كان الجرح سطحيا.

الوحيد الذى عالج الصبى كان راسبوتين ما جعله يحظى بثقة الكسندرا ووجدت فيه شخصا مريحا ترتكن إليه واستغلت القوى الثورية المناهضة للقيصرية تلك العلاقة التى لم تكن يشوبها شىء غير أخلاقى.

كان راسبوتين ينتمى إلى طائفة تسمى الخليستيين التى كانت تدعو إلى ممارسة الجنس بإفراط قبل الدخول فى سلك الكهنوت للسمو بالدين بعيدا عن الشهوات ولكن راسبوتين لم يقهر رغباته ووقعت فى هواه كثير من نساء العائلة الحاكمة حتى قرر رجالها قتله بالسم والرصاص معا.

ما أن قامت الثورة البلشفية حتى قبض على العائلة القيصرية ونقلت من موسكو إلى مكان بعيد فى منطقة تسمى تويولسك ثم نقلت إلى مدينة بيكاتيرينبرج حيث أعدم أفرادها رميا بالرصاص فى 17 يوليو 1918.

ولكن حسب ما نشرت بلشفية فإن أنستازيا نجت من الإعدام بعد أن هربها ضابط فى كتيبة الموت وقع فى غرامها ونقلت سرا إلى إحدى المقاطعات الألمانية متخفية حتى لا تقتل ولكن ما أن سقطت الشيوعية واطمأنت على حياتها أعلنت أنها أنستازيا ولكنها تعرضت إلى حادث تصادم أدخلها فى حالة غيبوبة ونقلت إلى أحد المستشفيات.

جاء معلمها الإنجليزى ليتعرف عليها ولكنه فشل ولكن خالتها أقرت أنها أنستازيا بعد أن نجحت الفتاة فى إقناعها بصدق ما تدعى.

حدث ذلك فى عام 2003 وهو العام الذى تكونت فيه الجمعية اللبنانية لجلب ميراثها من سبائك الذهب المحفوظة فى بنك إنجلترا منذ 87 سنة.

وبعد ثلاث سنوات من التحقيقات الجنائية كاد بنك إنجلترا أن يفتح خزائنه ويخرج الذهب وينقله إلى أنستازيا التى استردت وعيها ولكن تطور فحوصات «دى إن أيه» التى قام بها علماء روسيون أكدت أن أنستازيا أعدمت مع عائلتها وأن أنستازيا الوهمية نصابة استغلتها مافيا روسيا ولقنتها بكل ما تحتاج من معلومات حتى تثبت دورها جيدا.

وراهنت الجمعية التى تكونت فى بيروت قبل كشف الحقيقة على أن الممرضة الروسية آن أندرسون هى أنستازيا واستغلت جورباتشوف فى الدعاية لها وأنفقت الكثير من المال على أمل أن تسترده مئات الضعف.

لكن كان كل ما يهم جورباتشوف المكافأة السخية التى حصل عليها والإقامة المترفة التى نالها ونهر الخمر الذى ابتلعه فى جوفه والراقصة الشرقية التى قضت السهرة معه.

تبخرت أحلام الجمعية اللبنانية التى كان من بين مؤسسيها رجل مصرى عمل لسنوات طوال فى قنوات أم بى سى.

ومؤخرا عرفت ما خفى عنى فى تلك القصة من مسلسل جذاب على النت فليكس عنوانه: «آخر القياصرة».

ولكن المعلومة الأهم: أن حجم الذهب الذى كانت ستحصل عليه الجمعية لا يقل عن مليار دولار.

وتساءلت بينى وبين نفسى: ترى هل كان جورباتشوف مشاركا فى هذه العملية الغريبة من نوعها؟.

ولم أجد إجابة قاطعة وإن جنحت نحو الشعور بأنه رجل يفعل أى شىء مهما كان مريبا أو غريبا.