رامى المتولى يكتب: «الفيل الأزرق 2».. تمثيل جيد وأداء متوازن وفيلم ناجح

مقالات الرأي



التعاون الرابع بين المخرج مروان حامد والمؤلف أحمد مراد ومدير التصوير أحمد المرسى وأيضًا الجزء الثانى من الفيلم الذى جمعهم معًا للمرة الأولى «الفيل الأزرق» 2014 والذى وصفه البعض بأنه نقلة فى طبيعة صناعة السينما المصرية خلال فترة التعافى بعد سنوات من الضعف خاصة أن صناعه وقتها تفادوا أى محاولة للمبالغة فى إظهار الجانب الغرائبى فى الفيلم وبشكل محدد ركزوا على المشاهد الفنتازية الناتجة عن تناول دكتور يحيى (كريم عبد العزيز) لمخدر الفيل الأزرق، ليخرج الفيلم متوازنا حيويا يغازل شباك التذاكر دون أن يفقد تفوق صبغته الفنية وهو الأمر الذى لا يمكن أن نصف به الجزء الثانى بشكل كامل.

بزمن يتخطى الساعتين عُرض الفيلم مع ترهل شديد فى ثلثه الأخير حيث فقد الفيلم إيقاعه السريع وحيويته بعد أن ظل بنجاح وبشكل أكثر من جيد لأكثر من ساعة ونصف الساعة، بالفعل حصل الفيلم على خاتمته ونهايته المقاربة للرواية لكن تظل المشكلة الأكبر فى أعمال هذا الثلاثى على ما حققوه من نجاح معًا وما يبشرون به فى أفلامهم القادمة والمتلخصة فى السيناريو، العامل الرئيسى فى نجاح أى عمل  ونقطة الضعف الوحيدة فى أعمالهم وإن استطاع مروان حامد تلافى مشاكل السيناريو معتمدًا على المونتاج كأداة رئيسية فى الحل إلا أن هذا الحل لا يظل ناجحًا طوال الوقت.

مراد كروائى متخصص وناجح فى شكل معين من الروايات معتمدًا على رسم صورة متكاملة بلغة سهلة فى رواياته يجعلها أقرب فى تحويلها إلى أعمال مرئية، فى المقابل قدرته على تأليف السيناريو ليست بنفس القدر أو السلاسة فى الروايات والأعمال الثلاثة السابقة (الفيل الأزرق، الأصليين 2017، تراب الماس 2018) أكبر دليل على ذلك هو احتياج مراد لوجود من يعمل إلى جواره فى السيناريو ليفتح مساحة أكبر سواء لمروان للتركيز أكثر على الإخراج بدلا من الجهد المبذول لتلافى مشاكل السيناريو قدر استطاعته.

مشاكل السيناريو فى «الفيل الأزرق  2» تركز معظمها فى الثلث الأخيرة حيث شهد المدة الأول من رحلة دكتور يحيى لكشف اللغز باستخدام مخدر الفيل الأزرق فى صراعه مع نائل ذى القدرات الخارقة والعمر الطويل، رغبة من صناع الفيلم فى زيادة جرعة الإبهار باستخدام الجو الأسطورى يلقى الحمل الأكبر على أحمد المرسى ومهندس الديكور محمد عطية ومصممة الملابس ناهد نصر الله، هذه المساحة على الرغم من جودتها شكليًا وكونها مصنوعة بدقة إلا أنها أضعفت الدراما فى الفيلم بشكل عام لأنها بشكل أو بآخر لا يمكن توصيفها الا بالحل السهل الذى يضمن ليحيى كشف تفاصيل اللغز بالشكل الذى لم يحدث بنفس المساحة فى الجزء الأول، الذى كان يحيى يتلقى إشارات مساعدة على الحل فى هلوسة المخدر ثم يكتشف هو الباقى بذكائه والدافع هو عاطفته تجاه لبنى (نيللى كريم) وإنقاذًا لصديقه شريف (خالد الصاوى).

ببساطة اختزال الثلث الأخير من الفيلم والحفاظ على إيقاع الفيلم الذى بدأ به كان سيضمن له السرعة وحبس الأنفاس المطلوب لهذه النوعية من الأفلام وسيوفر التعرض لمشاكل السيناريو، لكن الإفراط سواء فى زمن الفيلم فى مقابل الدراما، والعالم الغرائبى فى مقابل اللغز على أرض الواقع انتصرا على حساب الفيلم، حتى الموسيقى التصويرية للموسيقار هشام نزيه التى اعتمدت على آلات الإيقاع ليعطى تأثير الوقت ومروره مع الوتريات ليحافظ على الحدة ويضمن أن يساهم فى شد أعصاب المشاهدين أكثر إلا أن استخدامها على شريط الفيلم كان مفرطا وعلى جودتها كان تأثيرها عكسيا بسبب كثرة استغلالها، الإفراط أيضًا فى استخدام ضيوف الشرف عودة ديجا (شيرين رضا) وشريف (خالد الصاوى) وظهور البار مان (مروان يونس) ومزودة المخدرات (تارا عماد) زائد عن الحد، وجود المخدر فى يد يحيى كاف تمامًا دون الحاجة لإشارة عن مصدره وبالتالى مشاهد البار والجراج بأكملها لا داعى لها، وبالتأكيد مشهد صحوة يحيى ليجد البار مان بجانبه يخبره أن متابعته أثناء غيابه عن الوعى لا يمكن وصفه إلا بالمقحم على الفيلم ولا مبالغة إذا وصف بالسماجة.

بالنسبة لشيرين وخالد فلم يضف مشهد كل منهما الوحيد أى شىء للدراما فى الفيلم، وكان كلاهما حمل زائد، كرر شريف الكردى نفس ما قالته فريدة (هند صبرى) ولم تضف ديجا أى جديد ليحيى يعينه على فهم طبيعة نائل، لكن ليس معنى هذا أن عنصر التمثيل فى الفيلم ضعيف على العكس كل الممثلين بلا أى استثناء حتى من ضيوف الشرف أداؤهم جيد ومتوازن لكن المشكلة قادمة من التوظيف سواء لأصحاب المشاهد القليلة المذكورين أو إياد نصار مثلا صاحب شخصية مدير قسم 8 غرب سيدات أكرم، أداء الممثل الأردنى متقن ورسمه للشخصية انفعالى يحسب له، لكن على الرغم من تقديمه بشكل جيد وتصويره كمعادل أكثر اتزانًا من يحيى فى الثلث الأول من الفيلم منح له ثقلا وتصاعد أهمية دوره فى الثلث الثانى نابع من أهميته ويمهد بالضرورة لاتساع مساحة تفاعله مع يحيى ودوره كمتزن ومراقب وخصم قوى لنائل لكن الثلث الأخير يمثل قمة الفشل فى تتابع رسم شخصية فى السيناريو حيث نفاجأ بنهاية ضبابية لا نعرف معها هل أصيب أكرم أم مات! فوجوده ملقى فى غرفة العزل التى شيدها بنفسه تدل على وفاته لكن وجهه المكشوف والمسعفين ينقلونه إلى سيارة الإسعاف يناقض ذلك وبعد هذا المشهد لا ذكر لأكرم على الرغم من أهميته خاصة بعد معرفة يحيى أنه كشف جزءا كبيرا من اللغز.

إذن لحد كبير تأثر رسم الشخصيات وتأثرت الدراما سلبيًا والسبب ضعف قادم من مراد كسيناريست، لكن التجربة ككل إيجابياتها أكثر من سلبياتها وليس معناها الاستعانة بشخص غير مراد على العكس هو الشخص الذى لا يمكن إنكار موهبته فى خلق هذا العالم، بل نحن أمام فرصة ذهبية لبلوغ طفرة أخرى فى صناعة السينما واستغلال الزخم الذى صنعه هذا الثلاثى، يمكن استخلاص شخصية يحيى بكل ثرائها وإعادة إطلاق سلسلة أفلام بطلها يحيى وأعداؤها نائل وآخرين مرضى نفسيين وكائنات خارقة للطبيعة يكون موقع مراد فيها صانعًا يضع الخطوط الرئيسية ويتولى آخرون السيناريو، نتحرر بهذا الشكل من الطريقة التقليدية فى صناعة الأفلام ونضمن تلافى المشاكل.