سألنى فاروق الفيشاوي: هل ستشفع لى أعمال الخير التى قمت بها؟.. أجبت: أفلامك ستقف بجانبك يوم القيامة

العدد الأسبوعي

الفنان الراحل فاروق
الفنان الراحل فاروق الفيشاوي


ماذا حدث بينى وبينه طوال ثلاثة أيام فى سفينة على النيل خلال معركتى معه بسبب نسب حفيدته؟

لم يعالج من السرطان بالكيماوى وإنما بدواء حديث يزيد من تكاثر خلايا الكبد السليمة


رأيت فاروق الفيشاوى آخر مرة فى حجرته وراء كواليس مسرحية الملك لير يستعد لفصل جديد يقف فيه أمام يحيى الفخرانى.

كان متفائلا بالعلاج الحديث الذى يتناول للشفاء من سرطان الكبد.. علاج ليس كيماويا وإنما منشط فعال يزيد من تكاثر ما تبقى من خلايا الكبد حتى يسترد عافيته وينجو من المرض اللعين.. وضاعف من تأثير الدواء ارتفاع حالته المعنوية التى تضاعفت بعد نجاح المسرحية.. ولكن.. فجأة ودون مقدمات متوقعة تعرض إلى أزمة صحية حادة أدت إلى غيبوبة كبدية انتهت بوفاته.

لم يكن فاروق الفيشاوى صديقا مثل أحمد زكى ولم يكن بينى وبينه تاريخ قديم مثل عادل إمام ولم يكن قريبا منى مثل يسرا وإلهام شاهين وسهير البابلى ولكن كان بيننا كثير من الود نعبر عنه كلما التقينا صدفة.

ولكن الود سرعان ما تحول إلى خلاف بسبب ما حدث بين ابنه أحمد ومصممة الملابس هند الحناوى.

يمكن القول إنهما كانًا على علاقة عرفية أدت إلى وجود جنين فى رحمها لم يشأ أحد من أسرة الفيشاوى الاعتراف بمسئوليته عنه.. لا أحمد.. ولا أمه الفنانة سمية الألفى المنفصلة عن والده بعد 16 سنة زواجًا لأسباب خاصة بها.

وتبنت صحيفة صوت الأمة وقت أن كنت رئيسا لتحريرها القضية مساندة لهند الحناوى ودعما لشجاعتها فى إصرارها على الاحتفاظ بالجنين والقتال فى المحاكم لإثبات النسب.

وغضب فاروق وسمية من موقفى وإن نشرت لهما كل ما كتباه بخلاف موقف كثير من محررى الفن الذين انحازوا لنجومية العائلة على حساب سيدة مجهولة لن تفيدهم فى شيء بل إن مقدمى البرامج التليفزيونية انحازوا إلى الجهة ذاتها.

وقبل الفصل فى القضية التى رفعتها هند الحناوى أمام محكمة الأسرة وجدت نفسى فى رحلة نيلية من أسوان إلى الأقصر وجها لوجه مع فاروق الفيشاوى لمدة ثلاثة أيام وتوقع كل ما حولى أن يتحول الخلاف بيننا إلى صدام أو سباب أو شجار أو حوار حاد بصوت مرتفع كما يحدث عادة ولكن أشهد أنه عبر عن موقفه بأدب شديد بل إنه كان صريحا عندما اعترف بمسئولية ابنه عن ما حدث ولكنه يخشى من تدمير مستقبله وهو لا يزال فى بداية مشواره.

وعندما سألته عن مستقبل هند وجنينها أجاب: إنه مستعد لدعمها ماديا كما تشاء.

واخترت الصمت حتى لا أجرحه فتدارك الخطأ واعتذر عنه.

ولفت نظرى أن أحمد الأب المنتظر كان يلعب مع الصغار فى مياه حمام السباحة على ظهر السفينة وبدا غير مستوعب ما فعل.

وما أن كسبت هند الحناوى القضية حتى حملت ابنتها لينا اسم أبيها أحمد واسم جدها محمد فاروق فهيم الفيشاوى.

وشاءت الصدفة أن التقى بفاروق يوم الحكم فى عرض خاص لفيلم سينمائى ووجدته يقول وقد شعر بالهزيمة: أنت كنت على حق.

لكنى لم أجد فيما حدث معركة حتى تنتهى بمنتصر ومهزوم ووجدتنى أخفف عنه شعوره الحزين قائلا: لو صدق المثل الشعبى: أعز الولد ولد الولد فإن الفتاة الصغيرة ستكون أحن وأمتع شىء فى حياتك.

وصدقت النبوءة باعتراف فاروق الفيشاوى نفسه فقد أصبحت لينا قرة عينه وفلذة كبده واحتلت على الأقل نصف عقله.

والحقيقة أن فاروق الفيشاوى إنسان طيب.. لا يحمل ضغينة لأحد.. يرد الإساءة بابتسامة.. ولا يدخل فى صراع مع أحد مهما نكل به.

ولو قارنا موقفه من حفيدته بموقف فنان آخر رفض الاعتراف بنسب ولديه لتأكد لنا ما يتمتع به من قدرة هائلة على التكيف مع الواقع.

ووصل ذلك التكيف إلى ذروته عندما اعترف بإدمانه الهيروين وعلاجه منه ولكن تكيفه الذى منحه تعاطفا إنسانيا هائلا كان يوم إعلانه عن مرضه وعناده فى مواجهته وهو نفس ما ذكره أحمد زكى من قبل.

يومها اتصلت به مشجعا فقال: لست شجاعًا كما بدوت.

وصمت عاجزا عن التعليق.

وراح يسألنى عن كيفية الحساب فى الآخرة كاشفا عن الكثير من أعمال الخير التى يقوم بها سرا وبعدها سألنى: هل يشفع لى ذلك؟.

وأجبت: وأقل منه.

واستطردت: ولكنك نسيت الثواب الأهم أنك أسعدت شعبا بفنك وساهمت فى تغييره بما قدمت من أعمال فنية.

وكنت بالقطع صادقا معه.