سامي جعفر يكتب: وما أدراك ما 23 يوليو

مقالات الرأي

سامي جعفر
سامي جعفر


تحل ذكرى ثورة 23 يوليو، ويصاحبها عادة جدل عقيم حول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، دون التعمق فى أفكاره أو مدى تأثير هذا الحدث على البناء الاجتماعى لمصر وتطورها من عدمه.

ويمكن تفسير هذا التجاذب الحاد حول الحدث والرجل، بأن المصريين لا يزالون غير ناضجين فى تناول التاريخ سواء القريب أو القديم، وإلا لأصبح تبادل القصف الفكرى أكثر فائدة لجميع الأطراف مهما كانت أدواتهم فى تقييم الحدث الأبرز فى تاريخ مصر الحديث.

وتأتى أهمية تناول ناصر ويوليو بالنقد والتحليل إلى أن الرجل والفكرة لا يزالان فاعلان فى الدولة والمجتمع، إذ عادت الدولة بدرجة أكبر إلى استخدام السياسات التدخلية فى الاقتصاد والإعلام وغيرهما، رافضة فتح النقاش العام لبلورة أفكار جديدة حول الأمن القومى المصرى وضبط المجال العام، كما أن المجتمع فى حاجة إلى عدم التعلق بـ"الدعم" ووتبنى فتح المجال العام للترقى الاجتماعى من خلال تفجير الطاقات الفردية.

ويمكن طرح أفكار أخرى جزئية تخص الناصريين الذين يزعمون تمسكهم بأفكار ناصر، لكنهم ومنذ نحو 20 عاماَ يتحالفون مع خصومه التاريخيين مثل جماعة الإخوان، ويرفضون التعامل مع التنظيمات الأقرب إلى أفكار الرجل، كما أنهم لا يعترفون بتحولاتهم الفكرية المدفوعة بهذا التحالف، كما أنهم لا يجددون فى الفكر القومى أو المقولات المرتبطة بدور الدولة فى المجتمع.

وعادة ما تمر هذه المناسبات بصخب نابع من التراشق اللفظى بين المحبين لعبد الناصر و23 يوليو، والكارهين لهما، رغم أن الوطن لا يحتاج لانجرار طوائفه إلى هذه المراهقة السياسية والتوجه لطرح مبادرات فكرية قابلة للتحول إلى مبادرات سياسية مفيدة.

بالطبع هناك معلقين وكتاب يحاولون تناولون الأمور بموضوعية أكبر ولو أنهم يركزون على جزئيات لا تكون صورة أكبر عن هذه الفترة من تاريخ مصر، ولكن المثير للدهشة أن المناسبة تمر انعقاد موائد مستديرة وجلسات نقاشية وإصدار كتب واستضافة الباحثين المتخصصين فى هذه الفترة.

وتكتفى وسائل الإعلام المرئية والمقروءة باستضافة شخصيات مختلفة محبين لناصر وثورته أو كرهين لهما لتناول ذكريات تافهة عن علاقته بأولاده على سبيل المثال، أو أخر ينتقده بتناول المحبوسين من اليساريين والإخوان فى عهده دون التعمق فى الأفكار الرئيسية لهذا العصر والتى تم الإشارة لها فى البداية مثل طبيعة تحالفاته ورؤيته للبناء الاجتماعى والحريات ودور الدولة، ومجال الأمن القومى لمصر.

وهدف النقد دائماً ليس الإدانة أو الإشادة بفترة زمنية أو توجهات اجتماعية وسياسية ولكن فهمها والبحث عن الأسئلة واختبار صلاحية الفسلفة الكامنة وراء سلوك دولة ومجتمع فى مسيرته.