رامي المتولي يكتب: "الممر".. عناصر فنية جيدة وعودة قوية للأفلام الحربية

مقالات الرأي



منذ سنوات قليلة ماضية قوبل فيلم «حائط البطولات» بسخرية عند عرضه ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى نسخته الـ 36، الفيلم من إنتاج عام 1998 وظل ممنوعًا من العرض حتى عام 2014، من قبله ومرورًا بعدد من المحاولات لإنتاج فيلم حربى عن الفترة من 1967 وحتى 1973 والتى فى حقيقتها متواضعة فنيًا، أفضلها على الإطلاق هو فيلم «أغنية على الممر» والذى على الرغم من جودته لا يمكن اعتباره فيلمًا حربيًا، هو أقرب للفيلم التاريخى فالمعارك المميزة للأفلام الحربية غير موجودة. فيه، وبالتالى لا يسد هذا الفراغ، حتى موسم عيد الفطر 2019 لم يكن هناك فيلم يحقق هذه المعادلة، ليأتى «الممر» ويفعلها بالتأكيد لا يكفى وحده ليعبر عن المرحلة الزمنية لكنه بالتأكيد خطوة فى الطريق وبداية جديدة يمكن التعامل معها على اعتبار أنه وضع الخطوط العريضة للشكل الفنى الذى يجب أن تكون عليه هذه النوعية من الأفلام تمهيدًا للتطور فى صناعتها.

«الممر» كعنوان لا يقصد ما يتبادر للذهن فور رؤيته وهو خط الممرات التى وقف عندها الجيش المصرى سواء بعد النكسة أو فى حرب تحرير سيناء كنقطة ارتكاز وبالتبعية البطولات التى شهدها هذا المكان، لكن فى الحقيقة الفيلم يركز على العمليات النوعية التى تبنتها القيادة السياسية والعسكرية فى مصر بعد النكسة لرفع الروح المعنوية للعسكريين والمدنيين من جانب واستمرار الضغط على العدو المحتل لسيناء من جانب آخر، الممر المقصود فى حقيقته هو ما صنعته هذه السرية أثناء عودتها للشاطئ الغربى للقناة والذى يعد بمثابة الباب المفتوح على مصراعيه فى الاتجاهين بالنسبة للجيش المصرى خلال سنوات حرب الاستنزاف، بمعنى آخر هو تجسيد لحالة الصمود والعقيدة القتالية عند جنود وضباط سلاحى الصاعقة والمظلات تحديدًا من منفذى هذه العمليات النوعية.

على مستوى العناصر الفنية الفيلم أكثر من جيد، مخرجه شريف عرفة أدار الممثلين ليخرج الأداء العام فى الفيلم متوازنا بشكل كبير خاصة مع الفروق الواضحة بين إمكانيات أبطال العمل التمثيلية، بشكل عام وعلى سبيل المثال هناك تفاوت ضخم فى القدرات والموهبة بين الأبطال أحمد صلاح حسنى وأحمد فلوكس أدائيًا أقل بمراحل من أحمد عز وأحمد رزق ومحمد جمعة ومحمود عبد الحافظ، لكن المجموعة ككل ظهرت متجانسة، عناصر الضعف فى فريق الممثلين ظهرت بأداء جيد يغلب عليه مبالغة ومباشرة وهو شكل عام يتماشى مع طبيعة المرحلة الزمنية وطبيعة الفيلم التى تعتبر دعائية، والتعامل مع الفيلم بهذا الشكل الذى اختاره عرفة فى محله، يحاكى الحالة العامة اجتماعيًا فى مرحلة الستينيات والتى كانت لحد كبير هذه الطريقة هى الوسيلة السائدة فى التعبير.

بشكل غير مباشر وعن طريق دفع المشاهد لعقد المقارنات يمهد المخرج لأسباب الهزيمة باستخدام مشهدين، الأول قاعة الاجتماعات التى تضم القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين وهم يناقشون قرار الهجوم على مصر، والثانى بين النقيب محمود (أحمد فلوكس) والرائد نور (أحمد عز) بعد أن يسلم الأول للثانى جنودا جددا غير مدربين مدفوع بهم للجبهة ومن حوارهم يبدو واضحًا حالة التخبط ثم ينكشف حجم الكارثة مع قرار الانسحاب، المقارنة تعود مرة أخرى بين الحالة التى أدت للنكسة وما بعد ذلك مع إعادة تمركز الجيش غرب القناة بالتزامن مع التغيرات السياسية والعسكرية التى جرت فى أعقاب الهزيمة والتى اكتفى عفة بأن يعبر عنها من خلال خطاب الرئيس عبد الناصر وأكدها فى الحوار الذى دار بين الرائد نور والصحفى إحسان (أحمد رزق) والذى كشف بوضوح طبيعة التغير الذى طال الجيش ومن ثم القدرة على معاودة القتال.

لحد كبير كشف الفيلم أيضًا بشكل عابر الحالة فى الشارع المصرى بعد النكسة، مر مرور بشكل عام وبدون تركيز، فقط اختار عددا من النماذج يمثلون ضيوف الشرف أو أصحاب الظهور الخاص والذى استغلهم عرفة ليعكس المجتمع عليهم عامل التليفون (حجاج عبد العظيم)، ضابط الشرطة (شريف منير) ووالدة النقيب محمود (إنعام سالوسة) وليلى زوجة الرائد نور (هند صبري) وجودهم فى الثلث الأول من الفيلم كان ضروريًا بعض الشخصيات قدمت المطلوب منها كضابط الشرطة وعامل التليفون لكن البعض الآخر لم يتم استغلاله جيدًا على مستوى الدراما وظهورهم كان بشكل باهت كشخصية ليلى وابنها من نور  وشخصية والدة محمود، وجودهم انحسر دراميًا بسبب فرد مساحة أكبر للعملية العسكرية الأمر الذى جعل السيناريو والحوار أضعف عناصر الفيلم فى مقابل عناصره الأخرى الجيدة.