ياسر شوقي يكتب: لينين الرملي .. محنة الساخر

مقالات الرأي

ياسر شوقي
ياسر شوقي


يرقد الفنان والكاتب المسرحى النادر لينين الرملى، منذ عدة أشهر طريح الفراش، ومثل أى فنان نادر لا نتذكره إلا عندما يقدم عملاً جديداً يضحكنا أو يبكينا أو ينشط خلايا المخ بأفكاره الجديدة التى غالباً ما يلتقطها منفرداً من تفاصيلنا اليومية دون أن نلتفت إليها، لنكتشف بعين الفنان أننا سائرون نياماً، أو مغيبون، هائمون على وجوهنا تلتهمنا دون وعى صراعاتنا اليومية التى لا تستحق أغلبها - كما يسرد هذا الفنان بأفكاره - كل هذ الضجيج والصخب.. هو ببساطة يخبرنا كم نحن أغبياء عندما نتوقف عن الاستمتاع بحياتنا وتحويلها لساحة قتال، ثم لا نتوقف عن الشكوى.

لينين الرملى من هؤلاء الفنانين النادرين، الذين لا يتوقفون عن منح الفكرة والمتعة والابتسامة، وأحيانا يتلذذون بجلدنا من فرط الحب والحرص على إنسانيتنا، بإعلان حقيقتنا.

فى أحد الحوارات الصحفية سأل المحاور لينين الرملى: لماذا يهرب النجوم من العمل معك؟

■ أنا الذى أهرب من العمل معهم، لأنهم لا يقدمون تمثيلاً، ولكن عروضاً لا تمت إلى المسرح بصلة، عروض أزياء ورقص وغناء.

ثم أجاب عن أسباب إحجام الجمهور عن المسرح، بأن ما يقدم ليس مسرحاً، فالفنانون لا يقدمون مسرحيات وإنما نكات قديمة، والممثلون لا يمثلون ولكن يضحكون عبر النكات والتنكيت، وهم ليسوا مخترعين للنكات، بل يرددونها، يلتقطونها من الشارع ويعكسونها ويكررونها.

قدم لينين الرملى 35 عملاً مسرحياً، أشهرها كانت مع الفنان محمد صبحى، لكنه أجاب عن لماذا تفتقد مسرحياته التى قدمها بعد انفصالهما البريق، قائلاً: أعمالى الحديثة مهمة جداً، لكن عندما أقدم عملاً من بطولة صبحى أو الفنـان عـادل إمام يزيد حجم المشاهدة، رغم أن أعمالى التى قدمتها بعيداً عن صبحى أجمل، ومن السـهـل أن أقدم على مسرحى راقصة ومطرباً لأرفع حجم الإقبال لكننى هنا لا أقـدم مسـرحـاً، بـل كباريه.

ولد لينين الرملى، عام 1945 بالقاهرة، لأب صحفى، وكان اسمه سبباً فى عشقه للقراءة والكتابة، وشغله فى سن مبكرة قضية جلاء الإنجليز عن مصر، والأحزاب، والاشتراكية، وغيرها من قضايا الحياة السياسية فى الأربعينيات، وكان اسمه سبباً فى عشقه للقراءة والكتابة، لأنه جعله غريباً بين الناس، ما جعله دائم القلق والخوف والارتباك والخجل والانطواء، فكانت الكتابة وسيلته للتواصل مع المجتمع الذى ينظر إليه على أنه مختلف، وفى سن العاشرة نشر أول قصصه فى مجلة «صباح الخير» فى باب بريد قصة من قارئ، تحت عنوان «الحذاء الجديد». وكانت مسرحية «التخشيبة التى كتبها عام 1962، أولى مسرحياته.

كان قرار تأميم الصحافة، سبب اتجاه لينين الرملى للكتابة للمسرح، وكما أعلن: الشعر والقصة والرواية، فنون مرتبطة بالنشر، وبعد تأميم الصحافة لم يعد رؤساء التحرير يهتمون بجودة النص، وإنما بملء الصفحات بأى كلام، لكن المسرحية أو النص الدرامى يفرض نفسه على الكل.

يصر لينين الرملى على حضور بروفات مسرحياته، حتى لا ينعزل تماما عن فريق العمل، باعتباره رجل المسرح، يكتب من الكواليس وفى ذهنه التمثيل والممثلين، والإخراج والديكور، ويحرص على رؤية ما تخيله على خشبة المسرح أمام الجمهور.

وهو مثل أى مبدع لم يتوقف منذ بدأ فى عمر العاشرة، وحتى عام 2017 عندما تعاقد مع البيت الفنى للمسرح على تقديم مسرحية «اضحك لما تموت»، وخلال حكم الإخوان نال نصيبه من محاولات التشويه، عندما قام أحد المجهولين برفع دعوى قضائية ضده، وصفها بالملهاة، بتهمة ازدراء الأديان، وإهانة الدين الإسلامى فى أعمال مثل فيلم «الإرهابى»، ورغم أن الدعوى انتهت إلى لا شىء كما هى فى الحقيقة، إلا أنها كانت فرصة لفنان نادر للدفاع عن نفسه وأفكاره، وساحة لإظهار الجماعة المحظورة على حقيقتها الإرهابية.

فى أغسطس المقبل، وبعد سنوات مما اعتبره تجاهلاً لفنان بهذه الموهبة، يمنح المهرجان القومى للمسرح جائزة تحمل اسم لينين الرملى، وهى جائزة مستحدثة وافقت عليها وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم، منذ أيام.

كان من السهل وصف لينين الرملى، بالكاتب الشيوعى فى الستينيات، وواجه بالفعل مشكلات فى النشر باسمه، لكنه رفض تغييره رغم الضغوط، وعندما أعلن المخرج جلال الشرقاوى عن مسرحيته «إنهم يقتلون الحمير» باسم فتحى الرملى، وفتحى هو اسم والده، أزعجه التغيير، وطالبه بعدم تكرار ذلك، وطوال تاريخه حرص على تمجيد الحرية، وانتقاد كل ما يمت للرأى الواحد بصلة، جعل من حرية الرأى والمعتقد والفكر طريقه الوحيد، وهو طريق إجبارى لأى مبدع، أو فنان صنعته التجربة، ونحتته التفاصيل.

■ يستحق لينين الرملى ما هو أكثر من جائزة باسمه، هل تُنسى مسرحية «سك على بناتك»، «سكة السلامة»، «انتهى الدرس يا غبى»، «عفريت لكل مواطن»، «الحادثة»، «الهمجى»، «وداعاً يا بكوات»، «أهلا يا بكوات»، «بالعربى الفصيح»، «عفريت لكل مواطن»، «الكابوس»، «اعقل يا دكتور».. من ينسى «هند والدكتور نعمان»، «وحكاية ميزو»، و«مبروك جالك»، «بخيت وعديلة»، «البداية»، «النعامة والطاووس»، وآلاف المقالات الصحفية التى كان أغلبها قطعاً فنية لا تتعالى على القارئ، ولا تسهب فى إبراز ثقافة الكاتب بقدر ما كانت تشاركه حياته اليومية.