خطاب أردوغان الأرعن.. كيف عزل تركيا عالمياً؟

عربي ودولي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية



على مر عشرات السنوات بعد أن أسسها مصطفى كمال أتاتورك في 1923، اتخذت تركيا سياسة ضمان أمن البلاد عبر إنشاء معاهدات وتكوين صداقات والدخول في تحالفات مع كبرى الدول حول العالم، من بينها تحالف شمال الأطلسي والبرلمان الأوروبي.

من بعد سقوط بقايا الخلافة العثمانية، أو ما يعرف "الرجل المريض" مع نهاية الحرب العالمية الأولى، ابتعدت السلطات في تركيا عن الدخول في السجالات السياسية والعسكرية ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط والدول المحيطة بها.

إلا أنه مع وصول رجب طيب أردوغان إلى السلطة، عادت أن المطامع العثمانية إلى الواجهة مجدداً، ولكن عبر سياسة رعناء لا تأخذ بعين الاعتبار الاقتصاد التركي أو الاستقرار الإقليمي، بل عبر قرارات تجعل من أردوغان متحكماً برقبة تركيا ومحاولاً الإمساك بأكثر عدد من الأوراق السياسية في المنطقة لتحوله لا إلى سلطان بل إلى دكتاتور.

في منتصف التسعينات، عمدت تركيا إلى الدوران 180 درجة حول سياستها الخارجية، فالخطة التي رسمتها تركيا للابتعاد عن مشاكل المنطقة والتركيز على الوضع الداخلي لتركيا فشلت، بسبب سياسة أردوغان وزميله أحمد داوود أوغلو. 

إذ أن محاولات تركيا الجديدة للتموضع كوسيط بما يخص القضية الفلسطينية بين إسرائيل وباقي الدول العربية فشلت بشكل ذريع، وبشكل خاص مع تبني أنقرة دعم تنظيم الإخوان المسلمين والوقوف إلى جانب المتشددين داخل نظام الملالي في إيران.

كما أن محاولات للعب دور إيجابي في حل الأزمة الدبلوماسية بين أرمينيا وأذربيجان كما باقي دول البلقان تدهورت.

وكان وصول حكومة حزب العدالة والتنمية مع أردوغان إلى السلطة في 2002 بداية لتغيير واسع في الدبلوماسية وبشكل خاص مع دول الشرق الأوسط والجوار.

إذ عمدت إلى توطيد وتوسيع العلاقات التجارية مع دول الشرق الأوسط، وحاولت التوسط في ملف الأزمة النووية بين إيران والدول الغربية، توسطت في ملف الأزمة بين سوريا وإسرائيل، ودخلت على خط دعم العراق، من دون نسيان استغلال القضية الفلسطينية، مستعينة بمفهوم القوة الناعمة لبسط السيطرة وتجنيد بعض المجموعات السياسية لتكون داعمة لها داخل الدول الأجنبية، لكن كل تلك الجهود باءت بالفشل بسبب التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى كسياسة منهجية لأردوغان.

ومع اندلاع ما عرف بـ"الربيع العربي" في تونس ولاحقاً انطلاق التحركات المعارضة في سوريا عام 2011، حاول أردوغان حث الرئيس بشار الأسد للقيام بإصلاحات، ولكنه سرعان ما كشّر عن أنيابه ليكون العضو الأضعف عسكرياً في التحالف الدولي ضد داعش ويبدأ بدعم مجموعات مسلحة على حسب أخرى مثيراً المزيد من الاقتتال بين الشعب السوري، وسرعان ما كرت سبحة التدخلات وأحدثت شرخاً في العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة وبغداد وطرابلس وموسكو وعدد آخر من دول الجوار الإقليمي وتحالف شمال الأطلسي مع قضية نظام أس-400 الصاروخي.

أما على صعيد الدول المجاورة لتركيا، فإن أبلغ مثال على نهج أردوغان في استمرار افتعال المشاكل مع الحكومات القائمة هو الخصام مع اليونان.

إذ شهدت العلاقات التركية - اليونانية، المتأزمة أصلاً بسبب النزاع على الحدود في بحر إيجه وقبرص، توتراً إضافياً بعد الانقلاب الفاشل المزعوم في أنقرة في 15 يوليو (تموز) 2016، ومطالبة الأخيرة أثينا بتسليم مطلوبين قيل إنه من داعمي المعارض فتح الله غولن، في حين تبدو ملامح صراع اقتصادي جديد في الأفق مع اكتشاف الغاز في المجال البحري لجزيرة قبرص.

ومع توالي الأخطاء الدبلوماسية الواحدة تلو الاخرى، تدهوت صورة أردوغان التي حاول أن يضعها تحت إطار "التطوير والتغيير نحو الأفضل" بجانب الدول الكبرى في المنطقة مثل السعودية ومصر وغيرها، وجعل نهجه السياسي مرادفاً للبطش السياسي.

خلال أولى سنوات الألفية الثالثة، كانت تركيا تعيش انتعاشاً الاقتصاديا وتعتبر من الدول التي ينمو الاقتصاد فيها بشكل مطرد، ووصل طموح أنقرة كي تصبح من ضمن أكبر عشر أسواق في العالم باقتصاد 2 تريليون دولار.

وفي السنوات اللاحقة، تحولت النشوة الاقتصادية إلى ركود وآلام، إذ أغرق أردوغان البلاد في مستنقع وحل من الاضطراب الاقتصادي، حيث فقدت الليرة التركية - ولا تزال - قيمتها أمام الدولار الأمريكي.