"الكحك".. رحلة بين لهيب الفرن وفرحة الأهالي بعيد الفطر

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


"يا كحك العيد يا احنا، يا بسكويت يا احنا، يا شرباتات في كوبايات" نغمات بمجرد أن تصل إلى أذنك، تعلم حينها انسحاب روح شهر رمضان من جنبات الشوارع والبيوت، لتحل رائحة عيد الفطر ممزوجة بالسمن والسكر، متهادية مع صاجات معدنية تنضج داخل أفران المخابز، ففي مذاق الكعكة تُصنع البهجة وعلى أبواب المخبز يصل العيد مُبكرًا.

حينما تطأ قدمك بالفرن تجده"غرفتين مفتوحتين" الأولى بها فرن مصنوع من الطوب الحراري مكون طبقتين، أما الأخرى بهاعدداً من العمال على اختلاف صنعتهم، فمنهم من يقف أمام عجين الكعك، وأخرأمام ماكينة "البسكويت والبيتي فور" مروراً بالعجان، وصولاً إلى "المزين" من يضفي لمسات السكر والشربات والعسل على"المخبوزات".

"دقيق ، سمن بلدي، سكر، نشادر، مياه ولبن" مكونات بسيطة موضوعة بإحدى القدور يقوم شاب ثلاثيني بخلطها معاً حتى تلتئم ويتجانس الخليط مع بعضه، ثم يستدعي زميله ليعاونه في رفع القدر المحمل بعشرات الكيلوات من عجينة "الكحك والبسكويت"، ليضعها على منضدة التجهيز لتبدأ المرحلة الثانية.
 
المرحلة الثانية أشبه بمباراة "كرة القدم"، كل لاعب يقف في مكانه المحدد ليؤدي دوره المطلوب، وكذلك هو الحال داخل الفرن، يتجمع العمال على منضدة رخامية واحدة  ليبدأ العمل الجماعى ببهجة مصاحبة للفعل والتي تظل ذكرى تتجدد كل عام بينهم عبر الزمان.
 
"كعك العيد" هو البهجة الحقيقية لعيد الفطر، فتهلل له قلوب الصغار ويشارك في إنجازه الكبار، لهذا يحرص على العمال على صناعته بإحترافيه، فتتوزع الأدوار بينهم، واحداً يبدأ في تقطيع العجين لقطع صغيرة وينقشه بنقوش متنوعة بشكل طفولى، وأحدهم يضعه في الصاجات الكبيرة في أشكال دائرية أعدت بدقة، حتى ينتهي من صاج العجين الأول ليبدأ في التالي له.

عملية دقيقة تستغرق بضعة دقائق، تظل فيها العجلة دائرة بينهم حتى يفرغوا من الصاج الأول للعجين، ونقش  حبات الكعك بالقوالب المختلفة، فتارة تجدها على هيئة وردة وأخرى شمس وغيرها.

تتراص الصاجات والصواني المملؤة "بالكعك" فوق بعضها أمام الفرن، في ترتيب شديد، ويبدأ العمال بحمل الصاجات واحداً تلو الأخر، وبرغم زحام الفرن بالعمال الإ أنهم يعرفون كيف يوزعون أنفسهم جيداً، لحمل الصاجات للفرن، ووسط هذا وذاك لا ينسون أنفسهم من الضحك والغناء" ياليلة العيد أنستينا" فتشيع روح البهجة بالمكان.
 
وأمام "فرن الطاقة" بحرارته التي تتخطى 450 درجة وسعته التي تصل لعشرات الصاجات، يقف رجلان إحدهما في الأربعينيات والأخر في العقد الثالث من عمره، يواجهان الصهد المُرهق، يستند أحدهم على عصا خشبية  تُعينه على إدخال وإخراج الصاجات إلى الفرن، قابضًا على منشفة تقي يده حرارة الصاجات المُلتهبة.

"خمس وعشرون دقيقة" هي المدة التي يستغرقها حبات الكعك الهشة حتى تحصل على لونها الذهبي، خلالها يقوم العامل بمراقبة الصاجات عن كسب لعدم احتراق العجين.

وعندما تنتهي المدة المحددة، يتراص صغار الشباب بالفرن جنبأ بجانب بعضهم، ليتناولوا صاجات "الكعك" ذو الرائحة الذكية، ثم  يقوموا بوضعها على المنضدة بترتيب شديد و بطريقة هادئة مراعاة لسخونتها وعدم إفسادها.
 
وبينما يخرج الشباب صاجات"الكعك"يتابع أحد العمال عملية نقل قطع"الكحك" الهشة السكرية من الصاجات وإلى الصواني المخصصة لها بعد الخبز ووضعها بشكل هرمي، فيتدخل بين الحين والآخر لقلب حماسهم وسعادتهم للصبر والتهمل، كي يقي قطع الحلوى شر التكسير.

"المزين" هو كلمة السر فهو صاحب اللمسات الأخيرة، لتزيين حبات الكعك بالسكر المحلى، فأمامه تتراص الصواني في تنظيم دقيق، ليبدأ بجلب عبوات "السكر البودرة" ويضع مقدار منها في" المنخل" ثم يرش حبات الكحك بها حتى يكسوها اللون الأبيض كما تكسو الثلوج الجبال في القطب الشمالي.

وبالخروج خارج الفرن وانتهاء رحلة فن تشكيل وصناعة كحك العيد تجد عددًا من الأهالى يفترشون الرصيف في انتظار خروج الصاجات بعد إتمام عملية التسوية، وتبدأ الزباين في الإقبال على شرائها.