يتجرع الذل.. كيف يعيش فلسطيني أول رمضان بالغربة داخل مسلخ خنازير في اليونان؟

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


تصدح مآذن المساجد حول العالم بالتواشيح الدينية، إيذانًا بقرب رفع أذان المغرب، بينما يترصَّد نور عواد الوقت كي يكسر صيامه؛ لعدم وجود مكبرات صوت في جوامع اليونان، وتوفير أهمّ وسائل الاتصالات "التلفاز"، داخل مسكنه بـ "كامب" كان مخصص لذبح الخنازير سابقًا وغير صالح للمعيشة، بجزيرة رودس، عقب فراره من بطَش قوات الاحتلال الإسرائيلي بمخيم جباليا في قطاع غزة، ليستقبل أول رمضان يقضيه بعيدًا عن انفجارات الصواريخ ورائحة البارود، مواجهًا غربته التي يتجرع فيها مرارة القهر والذل، لاسيما مع وقت تجهيز الفطور، وانتظار دوره  لطهي الطعام والتي تستمر أحيانًا لساعات طويلة، وانتظار صديقه، الذي يعمل في إحدى المطاعم بعض الأيام "بيجمع النا الاكل الزايد من الزباين ويطعمنا ايها".






طمِع صاحب الـ (27عامًا)، أن يقضي الشهر الكريم في كنف والدته، التي تتفقده طيلة الوقت، خاصة مع بدء أيام رمضان "حد ناقص على السفرة ما قادرة أكل شىء وأنت مو هون..افتح تمك اطعميك"، محاولة تمرير المكالمة الصوتية-عبر تطبيق فيس بوك مسنجر-، دون أن تصاحبها الدموع، لكنه لم يتمالك وتحدر دمعُه عنوة، متذكرًا مائدة الإفطار عندما كانوا يتجمعون حولها وقت الفطور، رائحة طهو أمه، البيت المرحب دائمًا بالأهل والأصدقاء رغم صغره، صلاة التراويح بالمسجد، والذي حرم منها. فأرمضه الحزن للفارق الشاسع في طقوسه الرمضانية بوطنه وبلد اللجوء، برغم أنه عاهد نفسه إنه لم يدخل غزة إلا "ملفوف في كفن ومنقول على الشيالة في حد بيهرب من قبر بيحاول يرجع إله".






لا تقتصر معاناة الشاب الفلسطيني- الذي وصل لليونان علي يخت سياحي، بعدما مر برحلة تهريب شاقة اعتقل خلالها مرتين من قبل الأمن التركي وسط عرض البحر، قبل هجرته من أنقرة برًا للأراضي اليونانية بطريقة غير شرعية كلفته 1400 يورو-، على افتقاد الأجواء الروحانية وما يتميز به الشهر الكريم من طقوس وعادات، بل أثر على سير الحياة العملية لديه، إذ توقف عمله بالزراعة، لعدم وجود وقت كافي لتناول وجبة الإفطار ومشاقة العمل، فيبدأ دوامه من الساعة السادسة صباحًا حتى العاشرة ليلاً، معتمدًا على الـ(50 يورو) التي تمنحهم له الدولة، لذا يتقاسم هو وأصدقائه الفطور والسحور "نجمع من بعض كل واحد 2 يورو في اليوم لعمل الفطار.. واللي يزيد من الفطور نتسحر فيه ونشرب ميه وننوي صيامنا".






ترازحت حالة المشارك في 22 مسيرة من العودة الكبرى بغرض التخلص من حياته بطلقات جنود الاحتلال، في الشهر الفضيل، داخل "مسلخ الخنازير"، حتى تشابهت فصول الغربة بالمخيم، فالمكان مكتاظ بالحشرات والأتربة التي تنهال عليه من سقف الكامب كل دقيقة تفصلها عنه "بطانية" ثقيلة "الحياة والحرية تمنها غالي"، يقولها بنبرة مرتجفة مكررًا نفس الكلمات. يحدوه الأمل كلما رأى أصدقائة من الجنسيات العربية يلتفون حوله، خاصة وقت الفطور، وتبادل الأحاديث حول مؤونة رمضان "نحاول نطبطب على انفسنا بتذكر الحاجة الحلوة اللي تجمعنا بأهالينا" حتى أماط عنه إحساسه بالوحدة.






أحلام وأمنيات عدة، لا زالت نصب عين نور بعد خروجه من غزة منذ خمسة أشهر، سواء لمستقبله بعد عدم حصوله على شهادة جامعية، بسبب الحياه الصعبة الذي يعيشها القطاع، أو لمستقبل أسرته، لذا يتحمل أعباء الغربة في شهر الصوم، "نحاول نحافظ على صيامنا.. فبضلك حابس حالك لأن كل من حولك مفطرين .. وقبل الفطور بثلاث ساعات نستنى معاناة الدور على الغاز.. مرة نلحق المغرب ومرة نفطر بعده.. رغم الطبخة تكون بسيطة أغلبها تكون شوربة عدس أو رز وبعض الخبز"، إلا أنهم شِباع، مكتفين بحريتهم والعيش بأمان وسلام.






ما برِح تفاصيل أخر رمضان، محفورًا في ذهنه "كنا نقعد نتجمع بعد الفطار نحضر مسلسلات وطعمينا أمي القطايف والكنافة والبافريا"، وحرص الأهالي على مظاهر الحياة والاحتفال بهذا الزائر العظيم، واقامة موائد الرحمن، من بعض المقتدرين ماديًا، والذي حرم منها في اليونان "مابيعرفوا رمضان.. لذلك مافي رحمته هون"، مقارنة بغزة يتم توزيع الوجبات على بيوت البسطاء، أو يرسل صاحب المائدة كروت دعوه  مدون فيها "اتفضل على مائدة رحمن بالنوادي أو أماكن مغلقة"، بالإضافة إلى منح الفقيرة كارت خاص بالأسواق الشهيرة أو الحوانيت بقيمة (300 شيكل)، للحصول على طرد غذائي رمضاني من وجه الله تعالى.