"الفجر" تقتحم عالم صناعة "الياميش المضروب"

العدد الأسبوعي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


مع حلول شهر رمضان المبارك من كل عام، يتسابق المصريون فى مختلف المحافظات للتسوق وشراء مستلزمات الإفطار والسحور، استعدادا للشهر الكريم، وعلى رأس تلك المستلزمات، يأتى «الياميش»، الذى لا تخلو الموائد منه لمدة 30 يوما كاملة.

وأكبر دليل على ذلك، هو أن حجم شراء المصريين لـ«الياميش»، بلغ خلال الموسم الرمضانى الماضى، مليار جنيه تقريبا، وهو الأمر، الذى يسمح بوجود مستوردين جدد، باعتمادات مالية كبيرة كل عام، علاوة على اعتباره عامل جذب للآخرين، وخاصة أولئك الذين يفكرون فى ضرب المنتج للحصول على مبالغ خرافية.

وطوال الفترات السابقة، لاحقت قوات مباحث التموين تجار «الياميش المضروب»، وصادرت العديد منه بعد انتشاره فى الأسواق، فى مختلف المحافظات، وكانت آخر الضبطيات بمحافظة بورسعيد منذ أيام، حيث تمكنت «الداخلية» من ضبط ٢ طن ياميش غير صالح للاستهلاك الآدمى، وكانت النسبة الأكبر من المضبوطات لـ«قمر الدين» و«التين المجفف»، إلى جانب عدد كبير من أكياس المشروبات الرمضانية المضروبة، مثل التمر هندى والسوبيا.

من هنا، قررت «الفجر» البحث وراء الأمر، لمعرفة كواليس العملية برمتها، علاوة على تحديد مصدر تلك المضبوطات. وكشف لنا أحمد شيحة، رئيس شعبة الاستيراد فى الغرفة التجارية طرف الخيط، عندما قال: يتبقى لدينا فائض كبير من الياميش المستورد كل عام بعد انتهاء الموسم الرمضانى، ما يفتح الباب أمام عمليات تدوير وتخزين الفائض المذكور لبيعه فى موسم آخر.

على الفور، بدأنا رحلة بحثنا من أكبر تجمعات تجار الياميش فى مصر، وتحديدا من منطقة الساحل فى شبرا، وهناك قابلنا الحاج محمد مصيلحى «تاجر» أكد أن كل البضاعة الموجودة فى سوق الساحل استيراد العام الحالى، ومضمونة ١٠٠%، كما توجد رقابة يومية على السوق هنا.

ولم ينف التاجر وجود ياميش مضروب، مؤكدا أن البضاعة المضروبة لها أسواق أخرى، ترتكز فى المحافظات والمناطق العشوائية، ولا توجد فى الأسواق الرئيسية، ومن السهل على المواطن معرفة السليم من غيره بسهولة، فالياميش المضروب ستجد له عروضًا بأسعار مخفضة للغاية.

ومن داخل السوق حصلنا على مصدر سرى، كشف لنا الكثير من المعلومات حول ما نبحث عنه، قائلا إنه عمل لسنوات فى مجال ضرب الياميش، لكنه تركه لأن «فلوسه حلوة وكتير ياباشا، بس استحرمتها بعد ما تعب ابني»، إذ كان يعمل فى أحد المصانع وموزع لبضاعتها.

وأشار المصدر إلى أن مصانع إعادة التدوير تكون عبارة عن شقق سكنية، تتركز فى مناطق داخل القاهرة، وتتعامل على كميات قليلة من الياميش، أما المتعاملون بالأطنان فيلجأون لمصانع فى أكتوبر والجيزة، وتم ضبط أحدهم العام الماضى، إذ يقوم أصحابها بشراء كميات كبيرة من الياميش الفاسد، بسبب سوء التخزين، ويقوم بمعالجته داخل أحواض بمواد كيميائية ومياه، قبل إضافة صبغات له.

وتابع: الأصناف المنتجة من تلك المصانع هى التين المجفف «الأراسيا» و قمر الدين والزبيب والمشمش، ويشتريها أصحاب تلك المصانع بربع الثمن فى نهاية كل موسم لإعادة تدويرها، ويؤمنون العمالة بمبالغ مناسبة لضمان عدم الإبلاغ عنهم، لذا تبلغ يومية العامل لديهم ٢٥٠ جنيهاً.

وعن عمليات المعالجة، اعترف المصدر الذى رفض ذكر اسمه، بأنها تمر بأربع مراحل، فى التين مثلا تكون المرحلة الأولى نقع الثمار فى مياه ساخنة لمدة يومين، يتم تغييرها بصفة مستمرة، ويضاف إليها مواد مطهرة، يحتفظ صاحب المصنع باسمها ويشرف عليها شخصيا، بعدها تتم عملية تجفيف الثمار فى الشمس، قبل إعادة تصنيعه فى قوالب أراسيا، وتضاف إليها الفركتوز والسكروز ومكسبات طعم و صبغة سوداء وسكر ونشاء.

وأخيرا تأتى المرحلة الرابعة، حيث التغليف، ويتم فيها ضرب الملصقات بتواريخ إنتاج حديثة وأسماء شركات فعلية، يتم بعدها نقل الكميات فى سرية إلى مخازن كبيرة لتوزيعها على الأسواق.

أما قمر الدين فلا يستهلك سوى مرحلة واحدة، يكتفى المصنع فيها بطباعة ورقة باسم شركة مختلفة وتاريخ إنتاج جديد، ويعاد تعبئة اللفائف منتهية الصلاحية من جديد، وتصدير الورقة الجديدة بدلا من القديمة، مؤكدا أن هناك منتجات لقمر الدين بالأسواق حاليا، انتهت صلاحيتها منذ ٥ أعوام وتباع الآن بعد خضوعها لتلك العملية.

أما فيما يتعلق بالمخازن، لا يعرف مصدرنا سوى واحد منها، كان يتعامل معه بمنطقة السيدة زينب، وتم القبض على صاحبه، لكن من ضبطيات الشرطة نعرف أهم مناطق تمركز تلك المخازن، ففى العام الماضى تم ضبط مخزن بمنطقة باب الشعرية، يحوى ٤١٠٠ طن ياميش مجهول المصدر.

كما تم ضبط مخزن آخر فى المنطقة، ذاتها يخزن ٢٣ ألف طن، منها ٥.٢٠٠ طن قمر الدين مجهول المصدر، وفى ٢٠١٧ تم ضبط مخزن بالأزبكية يخزن ٣ أطنان، وكذلك مخزن فى السيدة زينب، يحوى ٢٢ طن ياميش متنوع زبيب وقمر الدين وأراسيا وتمر هندى، وكلها منتهية الصلاحية وغير صالحة للاستخدام الآدمى.

وعن أرباح مصانع الياميش المضروب، كشفها لنا أحد تجار الياميش عندما قال: «هم بيلموا كنسة السوق كل موسم، والحاجة البايظة من المخازن بأقل من ربع الثمن كمان، فمثلا إذا تحدثت عن نوع واحد كقمر الدين، فيبلغ الطن منه بالأسواق «الصالح» حوالى ٦٠ ألف جنيه، أما التالف منه فيتم شراؤه بـ ٥٠٠٠ جنيه، ويقوم بعدها التاجر الغشاش بطباعة أوراق جديدة وإعادة تغليف، لا تصل إلى ٢٠٠٠ جنيه، ومن ثم يعيد توزيعه بأسعار مخفضة عن السوق، فيبيع الطن ب٥٠ ألف جنيه مثلا.

وأوضح أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين السابق، لـ«الفجر» أن أهم الدول الموردة للياميش الموجود بالأسواق هى تركيا والمغرب، ولا يتم رصد حجم التعاملات سوى فى منتصف الموسم، لكنه يتوقع ألا تختلف كثيرا عن الموسم الماضى.