"عاملات جر رجل الزبون".. نساء يواجهن الخطر لجلب لقمة العيش

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


على بعد عشرات الأميال من محافظة كفر الشيخ وتحديداً بالقرب من طريق "كفر الشيخ - دسوق"، تجدهن واقفات في منتصف الطريق السريع، البعض منهن يرتدي ثوباً أسود وحجاباً تغطي به رأسها، والبعض منهن يرتدي" جيبة وقميص"، جميعهن يشتركن في صفة الجمال والأنوثة والغواية والألوان وكل ما يخطر من محاسن النساء.

بإبتسامة راضية تعلو وجوههن تختبئ خلفها آلام العوزوالحاجة والفقر، يسرن وسط السيارات يعرضن خدماتهن لتقديم الشاي والقهوة والسندوتشات، ويرشدن السائقين لأماكن الكافتريات التي تنتشر على جانبي الطرق السريعة، مقابل الحصول على بضع الجنيهات، البعض قد يسئ الظن فيهن، فعدد منهن يقف في منتصف الليل، ما يعرضه أن يكون فريسة سهلة لصاحبي المزاج والأنس.

تقضي النهار برفقة أطفالها، تلبي احتياجاتهم من تحضير الفطار وتنهي عملها المنزلي، ومع دقات الساعة الخامسة ترتدي ثيابها المكونة من"جيبة وقميص"، تغلق باب المنزل جيداً على صغارها خوفاً عليهم، وتذهب كالفراشة إلى عملها الثاني في الكافتيريا.

عندما تشير عقارب الساعة إلى السادسة تماماً، تتسلم السيدة ورديتها على الطريق من زميلاتها، ترسم البسمة على شفاها، وتتمنى من الله أن تنقضي تلك الساعات سريعاً حتى تعود إلى منزلها مرة أخرى.

"حنان" إمرأة في بداية العقد الثالث من عمرها، اعتاد سائقو السيارات على مشاهدتها برفقة زميلاتها، يقفن في المكان ذاته كل ليلة وسط السيارات على الطريق السريع، فهي تعمل في إحدى الكافتيريات الواقعة على الطريق.

لا تتردد ثلاثينية العمر في القدوم إلى عملها بشكل يومي حتى في أيام البرد الشديد، منذ الساعة الـ6 مساءاً، حتى مطلع الشمس مع اليوم الجديد.

"إحنا بنشتغل ورديتين بنتين بيقفوا على الطريق من 7 الصبح لـحد 6 المغرب، وبنتين تانين من الساعة 6 لحد 7 الصبح، وظيفتنا نوقف العربيات على الطريق، نجيب ليهم شاي أو حاجة ساقعة من الكافتيريا".

هكذا بدأت ثلاثينية العمر حديثها لـ"الفجر"، موضحة أنها بدأت العمل على الطريق منذ شهر، عندما حصلت على ورقة طلاقها من زوجها، وأصبحت عائل لأسرتها المكونة من طفلين، تركهم الزوج لها، ليتزوج من أخرى، فهي واحدة من بين 12 مليون امرأة معيلة لأسرتها في مصر، ما بين أرملة ومطلقة وزوجة لمريض بمرض مستعصٍ، وزوجة لعاجز، وزوجة لسجين، وزوجة مهجورة العائل.

لم تجد حنان مصدردخل لإعالة أسرتها شهرياً نظراً لأن أغلب الوظائف في المحافظة تطلب فتيات متعلمات وفي سن صغير "أنا ست مش متعلمة، وهنا في البلد مفيش وظايف لينا، فهنشتغل في إيه يعني".

"جر رجل الزبون" هكذا وصفت حنان وظيفتها، فأصحاب الكافتيريات يوظفن الفتيات على الطريق السريع، من أجل جذب سائقو السيارات كي يبعوا لهم منتجات المحال" الحريم بره على الطريق علشان هما اللي بلفتوا الانتباه"، بينما يعمل الرجال في الداخل"الرجالة لو بره مفيش راجل هيقف ليهم".

تعتمد "عاملات لفت الانتباه" في مصدر الدخل الرئيسي لهن على إكراميات السائقين لهن "أي حد لما يشوف ست واقفة بليل أو الصبح وسط الطريق الخطر ده، بيدفع زيادة" فيومية السيدة الواحدة تبدأ من 100 جنية لتصل إلى 200جنية يومياً  "يعنى لو كوباية الشاي بـ5 جنية هو يدفعلنا الضعف".

تحمل تلك المهنة الكثير من المخاطر بالنسبة لصاحبتها" بنتعرض لكل حاجة..محاولات تحرش، واعتداءات، لكن بنتعامل معاها علشان لقمة عيشنا".

لا تكمن المخاطر في الاعتداءات الجنسية فقط، بل يشكل الطريق خطورة كذلك على حياتهن، فالكثير منهن يتعرض للحوادث دون غطاء تأميني" من أسبوع زميلة لينا خبطتها عربية وتوفقت وكان معاها طفل سنة ونص، بس صاحب الكافتيريا تكفل بمصاريف عيلتها"، فلا توجد مظلة قانونية تحميهن.

هؤلاء العاملات يحلمن بمصدر دخل ثابت يكفي لإعالة أسرهن شهرياً، دون التعرض لمضايقات، البعض منهن لجأ إلى التقديم في برنامج تكافل وكرامة، حيث بلغ عدد المستفيدين منه 75 ألف حالة في كفر الشيخ، ولكن المبلغ لا يكفيهن شهرياً.

والبعض منهن مازال على قوائم انتظار البرنامج التي تصل لـ 200 ألف حالة، بخلاف معاش التضامن الاجتماعى للأرامل والمطلقات والذي يصل لـ 80 ألف حالة.