قراصنة الكتب يخفون الروايات العالمية بـ"غلاف المصحف»" هربًا من المصنفات

العدد الأسبوعي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


لا يملك أصحاب محال بيع الكتب، قلباً، ولكن رغبة محمومة فى الحصول على ثروات من بيع النسخ المقلدة تهرباً من سداد حقوق المؤلفين، خصوصاً مع ارتفاع أسعار الكتب والتى تؤدى إلى إقبال القراء على شراء هذه النسخ التى يصل سعرها لأقل من نصف قيمة النسخة الأصلية، ولكن غياب ضمير هؤلاء وصل إلى حد إخفاء النسخ المقلدة فى أغلفة المصاحف هرباً من شرطة المصنفات الفنية.

«الفجر» كشفت تفاصيل هذا «البيزنس» الذى يمثل جرأة على قدسية كتاب الله، بداية من حصول التجار على أغلفة المصاحف والكتب المزورة التى يبيعونها خصوصاً فى منطقة الحسين.

فى محيط المسجد الشهير، توجد مكتبات يبيع أصحابها شتى أنواع الكتب، وأمامها طاولات خشبية مستقلة تابعة لباعة جائلين تحمل مصاحف بأحجام وأشكال وألوان متنوعة، وللوهلة الأولى تعتقد أنها نسخ من القرآن الكريم، ولكن بمجرد تصفح إحداها سيكتشف المشترى أنها ليست مصحفاً، خصوصاً أن الأوراق الأولى التى تلى الغلاف مهترئة وعندما سألنا البائع عن السبب برر الأمر بأن النسخ قديمة ومستعملة.

وأثناء وقوفنا مر شاب وسأل البائع عن رواية أجنبية بعنوان «منزل التعويذة» فارتبك البائع ثم أخبره أن الكتاب غير متوفر حالياً وطلب منه العودة فى المساء، ثم سألنا عما نبحث، فرددنا عليه بأننا نرغب فى شراء مجموعة من الكتب والروايات فصمت قليلًا ثم نصحنا بالشراء من المكتبات العامة، أو منطقة سور الأزبكية.

ابتعدنا خطوات متظاهرين بتفقد الكتب فى المكتبات المجاورة له، ورغم ذلك كان البائع يتابعنا، فدخلنا إلى مكتبة مجاورة وسألنا عن أسعار عدة كتب وكانت من 45 جنيهاً وأعلى، وعندما قلنا إن هذه الأسعار مرتفعة أبدى البائع دهشته بقوله: «غريبة كنتى واقفة عند حمادة مشترتيش منه ليه، دا إحنا بنخسر بسببه؟»، فأخبرناه أنه لا يبيع سوى المصاحف القديمة، فأوضح لنا أنه يتصرف بريبة مع الزبائن الجدد حتى يتأكد من نواياهم، ولكنه يملك مجموعة كبيرة من الكتب والروايات «المضروبة» والتى يغطيها بأغلفة المصاحف هرباً من شرطة المصنفات الفنية التى تتلقى بلاغات وشكاوى عن تزوير الكتب من دور النشر الأصلية.

وقال مالك المكتبة إن أفراد الشرطة ينتشرون بكثافة فى المنطقة لأنها منطقة سياحية لذا تقل فرص بيع الكتب المزورة بخلاف الحال فى سور الأزبكية وسور أبو الريش، المتاح فيها تداول الكتب دون خوف، كما أن الباعة يستغلون منطقة الحسين لأنها تشهد زيادة فى نسبة البيع خصوصاً قبل حلول شهر رمضان بفترة قصيرة، ويُسهل عليهم إخفاء بضاعتهم بين تجار المصاحف.

يحصل تجار الكتب المزورة على أغلفة المصاحف، من خلال شاب معروف بـ«ورقة» يختفى طوال أيام الأسبوع ليجمع الأغلفة من المصاحف الموجودة بالمساجد والزوايا وأحيانًا من سور الأزبكية حيث يفصل الجزء الداخلى للمصحف عن غلافه بالمشرط، وفى نهاية الأسبوع يحضرها للتجار مقابل 100 جنيه للكيلو الواحد، حيث يعيدون إلصاق الكتب داخلها باستخدام «الغراء».

ويشترى التجار النسخ المزورة من بائع متجول يعمل كـ«مندوب»، يوفر أعدادا كبيرة من الكتب المُطروحة حديثاً فى الأسواق وبعد اطلاع التاجر على الكتاب والاتفاق على السعر، يحضر التاجر النسخ ويبيعها دون «غلاف»، وبسعر قليل ما يسبب خسارة كبيرة لبقية التجار والذين يعجزون عن مواجهة الأمر، «منقدرش نتكلم لأنهم بيهددونا».

بعد خروجنا من المكتبة، نادى حمادة علينا واقترح علينا توفير الكتب التى نحتاجها بأسعار معقولة، وعندما أبدينا دهشتنا من رد فعله، قال إنه يُعامل الزبائن الجدد بهذه الطريقة حتى لا يكتشف أى من أمناء الشرطة المنتشرين فى المنطقة أمره، خصوصاً أنه لاحظ أننا تفقدنا عدة مكتبات وكانت رغبتنا واضحة فى الحصول على كتب بأسعار مخفضة.

طلب حمادة منا تحديد الكتب التى نحتاجها ليفحص الموجود لديه، وما يستطيع توفيره فى وقت لاحق، وأخرج من جيبه دفتراً سجل فيه المطلوب ثم اتجه إلى مجموعة من المصاحف ذات اللون الأسود، فاكتشفنا أنها كتب وروايات حديثة معروفة، أما المصاحف المغلفة بلون أخضر فكانت لكتب أجنبية، والحمراء للروايات الرومانسية، وهكذا.

ولاحظنا من بين الكتب «المضروبة» التى توافرت لديه؛ روايات أجنبية مترجمة مثل «بيت الأرواح» و«الجريمة والعقاب» و«البؤساء»، كما وجدنا كتبا شهيرة مثل «قواعد العشق الأربعون»، ورواية «زقاق المدق» للكاتب نجيب محفوظ، ومعظم كتب الدكتور إبراهيم الفقى، وروايات عديدة للكاتب أحمد خالد توفيق، بجانب كتب لحسن البنا وكتاب «نحو مجتمع إسلامى» لسيد قطب، المنظر الفكرى للجماعة وغيرها من التنظيمات الإرهابية.

وذكر تامر أن أحد الكتب التى طلبناها بـ5 جنيهات وأن كتاب ثان بـ15 جنيها، موضحاً أن سعر النسخة يتحدد حسب حالتها ومتانة غلافها وعدد صفحاتها «ودا قوته هتحميلك الكتاب أكتر من أجدعها غلاف دار نشر»، أما الكتب الأجنبية فأكد أن سعر الواحد يبدأ من 25 جنيهًا، لأنها مطبوعة من ورق أجود من المستخدم فى الكتب العربية.