أحمد الشيخ يكتب: حرب الحديد.. حماية أم احتكار؟!

مقالات الرأي

أحمد الشيخ
أحمد الشيخ


 

 

شهد سوق الحديد في الفترة الأخيرة حرباً طاحنة دارت رحاها بين منتجي البليت (خام الحديد) بالسوق المحلي من جهة ومصنعي الحديد من جهة أخرى، بعد مطالبة منتجي الخام بفرض رسوم حمائية على البليت المستورد بنسبة تصل إلى 15%.

 

وخام البليت هو المادة الخام التي يصنع منها الحديد بعد صهرها في أفران عالية الحرارة واستخلاص الحديد منها ويطلق عليه ايضاً تراب الحديد.

 

وكانت وزارة التجارة والصناعة، أبلغت منظمة التجارة العالمية، في خطاب رسمى، بقرارها فرض رسوم حماية لمدة 180 يوما،على واردات مصر من حديد التسليح بواقع 25%، وأيضا فرض رسوم على واردات خامات البليت المستخدم فى تصنيع حديد التسليح بواقع 15%، وذلك لحين انتهاء التحقيقات التي يجريها جهاز مكافحة الدعم والإغراق حول الشكاوى المقدمة من مصانع الحديد المنتجة للبليت.

 

 وهو ما لاقى اعتراض كبير من مصانع الدرفلة والتي تعتمد على البليت المستورد في الصناعة وهدد فعلياً بإغلاق 22 مصنعاً وجهوا استغاثات فعلية للوزير.

 

يأتي هذا في الوقت الذي انقسمت فيه غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات حول مصالح الكبار وإنقاذ الصغار حيث رفض رئيسها جمال الجارحي صاحب مصانع الجارحي للصلب وهو من أكبر منتجي الحديد في مصر (غير منتج لـ البليت) القرار مؤكداً أنه سيضر بالمصانع الصغيرة ويرفع أسعار الحديد المسلح بالسوق المحلي، في حين رأى نائب رئيس الغرفة حسن المراكبي ورئيس مجلس إدارة المراكبي للصلب وهو أحد منتجي خام الحديد (البليت) بالسوق المصري أن فرض رسوم حمائية على الخام يصب في مصلحة الصناعة (الكبار بالتأكيد) حتي وإن خسر صغار المصنعين 75% من أرباحهم فهذا سيناسب حجم استثماراتهم على حد قوله في تصريح خاص لجريدة الفجر.

 

ولكن يبدو أن الحكومة رأت السير مع الاتجاه العالمي الذي بدأته أمريكا بفرض رسوم حمائية على واردات الصلب، وهو ما توافق مع مصلحة الكبار حيث أصدرت وزارة الصناعة قراراً بفرض رسوم حمائية تصل إلى 15% على خام البليت المستورد و25% على الحديد المستورد تام الصنع لمدة 6 أشهر، على أن يبدأ التطبيق اليوم الأثنين، وذلك حماية للصناعة الوطنية على حد وصف البيان.

 

ولكن القرار بجانب أنه يحمي الصناعة الوطنية ظاهرياً ولكنه يكرس لاحتكار عدد من كبار الشركات لسوق الحديد بمصر في ظل انعدام الرقابة الحكومية على الأسعار وضعف جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، في ظل سعي تلك الشركات لتحقيق مكاسب خلال الفترة المقبلة على حساب صغار المصنعيين والمستهلك النهائي.

 

ووفقاً لإحصاءات غير مدققة يوجد في مصر 9 منتجون لخام البليت و حديد التسليح في نفس الوقت وهم (عز الدخيلة، والمراكبي للصلب، السويس للصلب، والحديد والصلب المصرية، وحديد المصريين، المصرية الأمريكية  للصلب والعربية للصلب المخصوص بالسادات و الدلتا للصلب و مجموعة قوطة للصلب)

 

ويبلغ إنتاج مصر الفعلي من البليت بين 3 و4 ملايين طن سنويا، واستوردت مصر في 2017 نحو 1.7 مليون طن بليت، وفي 2018 قفز الرقم لنحو ثلاثة ملايين طن، وهو ما يعني أن الانتاج المحلي يمثل 50% من احتياجات المصانع الفعلية وهو ما ينذر بارتفاع كبير في سعر البليت المحلي بنسبة لن تقل عن 50%، والاستمرار في الاستيراد بأسعار أعلى بعد اضافة الرسوم 15% وبالتالي زيادة مؤكدة في أسعار حديد التسليح على المستهلك النهائي.

 

وبلغت فاتورة  واردات البليت في العشرة أشهر الأولى من 2018 نحو 1.4 مليار دولار مقارنة مع نحو 804 ملايين دولار قبل عام.

 

ووفقاً لتقرير الاتحاد الدولي للصلب، يبلغ إجمالي إنتاج مصر من حديد التسليح حوالي 3.7 مليون طن، بنسبة نمو سنوى 13.1%، هي تتصدر الدول العربية من حيث معدلات الانتاج والنمو حيث وصل إنتاج السعودية 2.5 مليون طن، والإمارات 1.5 مليون، وقطر 1.3 مليون، وليبيا 184 ألف طن بنسبة انخفاض 12.4%، وسجلت نسبة النمو فى إنتاج مصر من الصلب 3 أضعاف المعدل العالمى.

 

رغم ذلك يبقى المستهلك دائماً هو الخاسر الأكبر نتيجة لأى زيادة في تكاليف انتاج أى سلعة حيث دأب التجار على التحويل الزيادة تلقائياً للمستهلك متمثلة في زيادة سعر المنتج النهائي، وهو ما ينذر بزيادة مرتقبة في سعر حديد التسليح بنسبة 20% وفق توقعات المصنعيين وهو ما سيؤدي بالتباعية إلى زيادة في أسعار العقارات بشكل غير متوقع وفي توقيت غير مناسب، حيث من المرتقب رفع أسعار الوقود خلال منتصف يونيو المقبل وهو ما سيترتب عليه موجة جديدة من التضخم تتمثل في زيادات جديدة بأسعار السلع والخدمات وسيزيد هذا القرار من معدلات التضخم المرتقب بشكل أكبر.

 

ناهيك عن خسائر المصانع الصغيرة، في وقت تحاول فيه الدولة تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وليس رفع التكلفة والأعباء عليها بما ينذر بإغلاق 22 مصنع بها عدد ليس قليل من العمالة المدربة، وهو ما يدعوا الحكومة لإعادة دراسة القرار من جديد، مع ضرورة أن يكون هناك سبب واضح لاتخاذ القرار يضع حد فاصل بين الحماية والاحتكار.