عادل حمودة يكتب: تجار الشعير والبلح والخردة والمخدرات يعلنون الحرب على التابلت

مقالات الرأي



مواقع أولياء الأمور على الفيسبوك تعارض التعليم بتكنولوجيا المعلومات وتدعم مافيا الدروس الخصوصية والكتب الخارجية

الآباء والأجداد يعانون من الأمية الإلكترونية فلم يستوعبوا خطة تطوير التعليم بالفهم لا بالصم

تطوير مراحل التعليم من الابتدائى إلى الثانوى سيرد للجامعات المصرية اعتبارها بعد أن تجمدت فى مكانها

طارق شوقى يمتلك خبرة تنفيذ خطط التطوير لو تحمل مقاومة أصحاب المصلحة فى بقاء التعليم متخلفا


أسوأ ما فى الجهل أنه ينتقد العلم.

وأسوأ ما فى العلم أن يتوقف عن التطور.

إن الفرق بين رأس الإنسان وجذع الشجرة أن رأس الإنسان رحم لا تعرف ماذا يتكون فيه ولا ما سيخرج منه أما جذع الشجرة فيولد ويكبر ويموت فى مكانه.

وبكلمة قاطعة على الإنسان أن يحترم ملكاته ويحترم قدرات الآخرين وألا يكون جذع شجرة.

ولأنى لست جذع شجرة تعجبت من إطلاق النار على التابلت ذلك الجهاز النحيف الذى وضعته التكنولوجيا بين أيدينا بعد قرون طويلة من الاختراعات.

لعلع الرصاص ــ وكأننا فى فرح العمدة ــ مستهدفا التابلت بمجرد فشل امتحان تجريبى واحد لطلاب أولى ثانوى.

فوجئت بطلقات ثقيلة من الشماتة تحاول تدمير هذا الجهاز النحيف المتطور الذى ينقل التعليم فى بلادنا من عصر الصم إلى عصر الفهم.

خرجت كل ما فى الجعبة الشعبية من أمثلة سلبية مستنكرة الاقتراب من التكنولوجيا الحديثة وكأنها رجس من عمل الشيطان علينا اجتنابه.

هناك من طالب بأن نعيش عيشة أهلنا ويتعلم الأبناء ــ بسبورة وطباشير ــ كما تعلم الأجداد وكأن الدنيا ستقبل بتخلفنا.. وهناك من دافع عن مافيا الكتب الخارجية بالسخرية من التغيير واصفا ما حدث بخيبة أمل راكبة جمل .. وهناك من حاول إقناعنا بأننا لو جرينا جرى الوحوش فإننا غير رزقنا لن نحوش ولم يكن من الصعب إدراك أنه ينتصر لعصابات الدروس الخصوصية.

ولكن ما أزعجنى أكثر مواقع أولياء الأمور على الفيسبوك التى هللت لفشل التجربة كاشفة عن خوفنا من التغيير والإبقاء على ما نحن عليه بدعوى أن ما نعرفه أفضل من ما لا نعرفه وأن المركب اللى تودى أفضل من المركب اللى تجيب .

لم استوعب الحماس الواضح لنظام تعليم منقرض تشكو منه الأسر المصرية ويكلفها مليارات سنوياً تخصمها من قوتها المحدود لتدفعها لمافيا الكتب الخارجية والدروس الخصوصية ليخرج أبناؤها من باب دوار كما دخلوا بالكاد يفكون الخط ولا يصلحون لمهن تعتمد على فك شفرة التكنولوجيا وملاحقة سيطرتها على كافة مجالات الحياة.

نظام تعليم فاشل نشكو منه يعتمد على حفظ ما سبق من معرفة وتجميدها وتعليبها مثل الأسماك بحالتها الأولى فى الذاكرة فى وقت لا تتوقف فيه المعرفة عن التغيير وكأنها بحر يثور على وضعه فى كل لحظة ويناقض نفسه فى كل لحظة ويثور على ذاكرته فى كل لحظة.

بدأت ظاهرة الكتاب الخارجى فى عام 1962 بدعوى تسهيل الكتاب الحكومى وتبسيطه وتلخيصه وبوفرة المكاسب أصبح كل كتاب حكومى يقابله عشرة كتب خارجية على الأقل تضاعف عددها فى مناهج الشهادات العامة حتى ألغت الكتب الرسمية تماما رغم المليارات التى تنفقها الحكومة على طباعتها والتزمت بتوزيعه مجانا.

وأغرت الأرباح غير المتوقعة تجار خردة فى وكالة البلح وتجار بلح وشعير فى روض الفرج بنشر الكتب الخارجية بل إن أحدهم تاب عن توزيع المخدرات لينضم إلى ناشرى الكتب الخارجية ونجا من مطاردة الشرطة وأصبح نجما من نجوم المجتمع.

والأسوأ أن مفتشين فى مناطق تعليمية مختلفة وضعوا أسماءهم على كثير من الكتب الخاصة لضمان رواجها.

ولم تتردد الحكومة فى مواجهة الظاهرة بإلغاء تراخيص نشر الكتب الخاصة ولكن وجدت الحكومة نفسها أمام القضاء متهمة بتخريب التعليم فى قضايا جندت لها مافيا الكتب الخارجية كبار المحامين وخرجت منها منتصرة.

وتكررت المواجهة أكثر من مرة ولم تمنح الحكومة فرصة فى إقناع أحد بالدمار الذى تسببه الكتب الخاصة فى التعليم حيث تجعل الهدف من التعليم النجاح فى الامتحان ولو تبخرت المعلومات فور الحصول على الشهادات.

وحسب أبحاث متعددة تشترى الأسرة لكل ابن لها ما لا يقل عن 50 كتاباً خارجياً فى مراحل التعليم ما قبل الجامعى وتنفق عليها ما لا يقل عن عشرة آلاف جنيه ويصعب عليها شراء كتب مستعملة فهناك دائما إضافة سنوية تجبرها على شراء الطبعات الأخيرة.

وتمتد المافيا من الكتب الخارجية إلى الدروس الخصوصية التى تكلف الأسرة نحو 500 جنيه شهريا لكل ابن من أبنائها ومن جانبها استسلمت الوزارة لتلك الظاهرة الشاذة بأن فتحت ما يعرف بمجموعات التقوية فى مدارسها ولم تواجه المراكز الخاصة التى فتحت فى البيوت والشقق المفروشة وعجزت عن إنقاذ التعليم من تخريب يحدث علنا أمام عينيها.

وهكذا فقدت المدرسة بضعفها رسالتها وفقد المعلم احترامه بعد أن أصبح خادما عند من يدفع إليه ثمن دروسه الخاصة بجانب قطع من الجاتو وفنجان قهوة.

وبصراحة مطلقة لم يكن من الممكن القضاء على الكتب الخارجية والدروس الخصوصية إلا إذا تغيرت أساليب التعليم ذاتها.

أن لا تعتمد نتائج الامتحانات على الحفظ وإنما على الاستيعاب.

وهكذا بدأ وزير التعليم الجرىء طارق شوقى تجربة التابلت.

والتابلت يمكن أن يكون مدرسة متنقلة يحملها التلميذ أو الطالب معه فى بيته يتلقى عليها المناهج ويختبر بها معلوماته.. مما يعنى توفير الكتب المدرسية (الحكومية والخاصة).. ومع امتحانات تصمم لقياس مدى الفهم لم يعد للدروس الخصوصية ما يبرر استمرارها.

بل يمكن القول إن التابلت يمكنه حل مشكلة التكدس فى الفصول ونقص المقاعد فيها فالتعليم المتطور يعتمد على شبكات الإنترنت التى توصل للتلميذ والطالب المعرفة التى عليه تحصيلها وهو فى حجرة نومه وسط أهله يأكل ويشرب بحرية.

سيأتى يوم قريب تتغير فيه فلسفة بناء المدارس لتصبح مجرد أماكن للتواصل الاجتماعى والنشاط الفنى والرياضى أكثر منها مراكز لتلقى العلم.

إن الأمية فى عصر التكنولوجيا لم تعد أمية القراءة والكتابة وإنما أصبحت أمية إلكترونية تعجز معها الأجيال القديمة عن التعامل مع ما فى أجهزة الكمبيوتر والتابلت والتليفون المحمول من إمكانيات معقدة للمعرفة يسهل على الأجيال الجديدة استيعابها بسهولة.

إن الأب أو الجد الحاصل على شهادات عليا تتجاوز الدكتوراه التقليدية يمكن أن يلجأ إلى ابنه أو حفيده ليحل عقدة مشكلة تكنولوجية سهلة فى تليفونه المحمول عجز عن التعامل معها وبينما نكتب نحن على الكمبيوتر بإصبع واحد حرفا حرفا تعزف أصابع أبنائنا وأحفادنا على الـ«كى بورد» بسرعة مذهلة سيمفونية رائعة من التكنولوجيا المذهلة.

ولو كانت تجربة الامتحان بالتابلت قد فشلت فليس العيب فى التابلت وإنما العيب فى عدم تحمل موقع الامتحان الدخول كثيف الأعداد فى وقت واحد مما أسقط السيستم وعندما أعيدت التجربة مرة أخرى نجحت وهو أمر طبيعى فلم يولد اختراع واحد عرفته البشرية ولادة سهلة وإنما كانت ولادة الاختراعات دائما ولادة قيصرية.

حسب ما نشر الوزير على حسابه الشخصى فى الفيسبوك فإن هناك 750 ألف طالب شاركوا فى بروفة جديدة للامتحانات الإلكترونية بأجهزة التابلت فى أربعة أيام ليتحقق للتجربة الاستقرار وليذهب الشامتون إلى الجحيم.

واعترف الوزير أن النظام الذى يطبقه ليس جديدا فالمئات من المدارس الخاصة والدولية تطبقه فى امتحاناتها منذ سنوات بتقنيات متنوعة.

ولو كان تلاميذ وطلاب المدارس الخاصة والدولية يدفعون ما يزيد على الخمسين ألف جنيه سنويا لتعليمهم بتلك الوسائل التكنولوجية المتطورة فإن تلاميذ وطلاب المدارس الحكومية نالوا الفرصة نفسها بالحصول على أجهزة التابلت مجانا بعد أن مولتها الدولة بما يزيد على أربعة مليارات بخلاف المليارات التى دفعت فى توصيل شبكات الإنترنت إليهم مجانا أيضا.

وتحقق الامتحانات الإلكترونية بأسلوب التفكير العدالة بين التلاميذ والطلاب بمنعها لوباء الغش الجماعى الذى استشرى فى السنوات التى مضت.

ويتيح التابلت لمستخدمه الحصول على ما يريد من معرفة بدخوله على شبكات المعلومات ليتعلم أصول البحث العلمى دون أن يحبس عقله فى الكتب المقررة.

والأهم أنه يقفز بالتعليم فى بلادنا من زمن البخار والعجلة والمحراث اليدوى إلى زمن سفن الفضاء وليس فى ذلك مبالغة فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة بشرط أن تكون فى الطريق الصحيح وبشرط أن نتخلص من ثقافتنا السلبية المحافظة التى تكره التغيير وتقاوم التحديث وترفض التطور.

ولو كانت المدارس على وشك التخلص من النظام العقيم فى التعليم فإن الدور على الجامعات التى لا تزال تعتمد على كتاب أستاذ المادة فى انتظار أن يشطب نصفه على الأقل فى نهاية محاضراته ليأتى الامتحان من نصف المنهج فى حالة من العبث الأكاديمى أدى إلى تأخر جامعاتنا عما كانت عليه وقت إنشائها.

لقد كانت الجامعة الأمريكية فى يوم من الأيام الفرصة الوحيدة المتاحة أمام الفاشلين فى الالتحاق بالجامعات الحكومية بسبب ضعف درجاتهم فى الثانوية العامة ولكن الجامعة الأمريكية تطورت حتى قفزت إلى المقدمة وتراجعت الجامعات الحكومية إلى الوراء لأنها بقيت على ما هى عليه دون تطور.

ولكن تطور الجامعة بدأ بتطوير مراحل التعليم السابق عليها وهى المهمة الصعبة التى يصر عليها طارق شوقى ويتحمل فى سبيلها الكثير.

وطارق شوقى الذى كنت أول من قدمه على شاشة الفضائيات قبل خمس سنوات خبير فى مجاله سبق أن نفذ العديد من مشروعات تطبيق تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات فى التعليم والثقافة بتكليف من دول مختلفة كما قاد المشروع العالمى لوضع معايير قياسية لتدريب المعلمين على استخدام نفس التكنولوجيا فى التدريس.

ولكن الأهم أنه مؤمن بما يفعل ويصر عليه وسينجح فيه لو دعمناه وخففنا الضغوط عليه ليتعلم أبناؤنا كما يتعلم أبناء اليابان وسنغافورة وسويسرا وغيرها من الدول التى تجيد التفاهم مع العصر وتعرف كيف تفتح بسهولة أبواب المستقبل.