منال لاشين تكتب: ألغاز فى عالم الترقيات

مقالات الرأي



لابد من الإشادة بقرارات الرئيس السيسى للموظفين خاصة قرار ترقية مليون موظف فى أكبر حركة ترقيات، لأن الترقية بالنسبة للموظف ليست مجرد زيادة مالية تضاف إلى دخله أو جيبه فقط، ولكنها طموح مشروع بل يكاد أن يكون الطموح المهنى الوحيد فى العمل الحكومى، ولذلك يتطلب ملف الترقيات عدالة وشفافية والتزام بالقواعد والقانون، وذلك لضمان ألا يصاب القطاع الحكومى بالإحساس بالظلم والإحباط، وحتى لا تتحول الترقيات إلى هدايا مجانية للبعض ونقمة للبعض الآخر.

ولذلك أتمنى من جميع المسئولين فى الحكومة، فى كل وزارة.. فى أى موقع أن يطبق القانون وأن يلتزم بالعدالة وألا يتعامل مع الترقيات وكأنها ميراث أو ملكية خاصة يرفع من يشاء ويظلم من شاء بغير قانون.

وسوف أعرض لكم حالتين تمثلان نماذج من ألغاز عالم الترقيات.. الحالة الأولى حصلت على الترقية بالمخالفة للقانون ولم تجد من يعترض على هذه المخالفة، أما الحالة الثانية فقد تعرض للحرمان من حقه فى الترقية دون أن يجد سوى القضاء ليحصل على حقوقه من بيت عموم الموظفين.. المكان الذى ينصف وينظم أحوال 6 ملايين موظف.

اهتمامى بالحالتين يتعدى الشخوص أو أبطال هذه الحالات، اهتمامى ينصب على قانون يجب أن يحترمه الجميع الوزير قبل الغفير، لا أدعى أننى أعرف كفاءة أى من البطلين ولا أدعى القدرة على الحكم على كفاءة هذه أو فشل هذا، مرة أخرى أنا أتحدث وبالمستندات والقانون عن ألغاز فى عالم الترقيات، ولكننى أحلم وأتمنى وأطالب بعالم ترقيات منضبط بدون ظلم أو اختراق للقانون واللوائح.. قانون لا يعرف زينب أو رشا أو حازم، فهل ما أطلبه حلمًا أو ضربًا من المستحيل؟..


1- ملكة البترول

النائبة رشا رمضان كلفها وزير البترول بمنصب مساعد رئيس شركة ميدور بالمخالفة للقانون

رشا رمضان نائبة بالبرلمان، وهى نائبة نشطة وقوية بدليل أنها حصدت منصب وكيل لجنة فى البرلمان، فهى وكيل لجنة التضامن.. لجنة الفقراء والغلابة وتحقيق أحلام البسطاء ممن انتخبوا رشا رمضان وزملاءها فى برلمان ثورة 30 يونيو، كما أنها عضو نشط فى رحلات البرلمان ووجه مقبول وشهير على شاشات الفضائيات، وبشكل خاص تهتم النائبة رشا رمضان بقضايا المرأة وذوى القدرات الخاصة، ولذلك ليس تحفظات على الدور البرلمانى الذى تلعبه النائبة رشا رمضان، ولكن ما أتناوله الآن يتناول الجانب المهنى أو عمل النائبة خارج البرلمان وإن كان لا ينفصل عن البرلمان؟

كانت رشا رمضان تعمل فى إحدى شركات البترول التابعة لوزارة البترول وتحديدًا لشركة الحفر المصرية، وقد قضت رشا سنوات طويلة فى الشركة وأكتسبت بالتأكيد خبرة فى عملها، وبحسب قانون مجلس النواب كان يمكن أن تحصل على تفرغ من وظيفتها، وتحتفظ النائبة بكل حقوقها المالية والمهنية والترقيات، ولكن بدلاً من أن تلجأ النائبة رشا للتفرغ، نقلت إلى شركة ميدور، وميدور لمن لا يعلم هى درة شركات البترول والبطة الذهبية التى تبيض كل أنواع الهنا والسرور، أعلى مرتبات، أعلى أرباح وأفضل مزايا عينية، وقد نقلت رشا إلى ميدور وكتبت عن الواقعة فى حينها، وبالمثل كتبنا عن بعض النواب الآخرين الذين انتقلوا إلى شركة ميدور، وكأن هناك زواجًا بين عضوية البرلمان وشركة ميدور، أو كأن الانتقال لشركة ميدور (أوبشن) يضاف لبعض النواب بمجرد حصولهم على عضوية البرلمان.

والحقيقة أن انتقال رشا رمضان وزملائها من النواب من شركات بترول تابعة للهيئة العامة للبترول إلى شركة ميدور يشوبه شبهات حول مخالفة قانون مجلس النواب واللائحة الداخلية، فميدور شركة مؤسسة بنظام القطاع الخاص ولكنها فى النهاية مال عام وتسيطر عليها الدولة ويتولى رئيس الوزراء ووزير البترول شئونها ومراقبتها، ولذلك فإن انتقال رشا رمضان وزملائها من شركة بترول إلى ميدور يعد ميزة أو معاملة خاصة فى وظيفة وعمل النواب، وذلك بالمخالفة لنص المادة 31 من قانون 46 لسنة 2014، حيث تحظر هذه المادة بشكل صريح ومباشر فى الفقرة الأخيرة أن تقرر للنائب أى معاملة أو ميزة خاصة، خلال سنوات عضويته بمجلس النواب، ولكن البعض تحجج أن انتقال النائبة رشا وزملائها إلى شركة ميدور كان انتقالاً لشركة قطاع خاص، ويرد على هذه الحجة أو هذا الرأى بالمادة 254 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب والتى تفسر كلمة العاملين بالدولة وتدخل الشركات التى يكون للدولة حق إدارتها، وميدور شركة تديرها الدولة وتعين الحكومة رئيس مجلس إدارتها ويعين وزير البترول المناصب القيادية الأخرى بشركة ميدور.

وتجرنا الجملة الأخيرة إلى تجاوز آخر من وزير البترول المهندس طارق الملا ومخالفة قانونية جديدة بطلتها النائبة رشا رمضان، ففى الأسبوع الماضى قام وزير البترول وهو بالطبع عضو بالحكومة باختيار أربعة من العاملين بشركة ميدور وتكليفهم بمهام ومنصب مساعد رئيس الشركة، وكان اسم النائبة رشا رمضان ضمن الفائزين أو المكلفين بمنصب مساعد رئيس الشركة.

وبالعودة لقانون مجلس النواب التى أعدته الحكومة التى ينتمى إليها طارق الملا، ووافقت علية النائبة رشا رمضان نكتشف ثمة مخالفة وتجاوزًا قانونيًا آخر وجديدًا فى اختيار النائبة رشا لمنصب مساعد رئيس الشركة، فالمادة 32 من قانون مجلس النواب تحفظ للنائب ترقياته بالأقدمية فقط، ومنصب مساعد رئيس الشركة من الوظائف فوق الممتازة، ولا تخضع للأقدميات ولذلك ينطبق عليها الحظر الوارد فى المادة 31 من قانون مجلس النواب.. فهى معاملة خاصة وميزة خاصة.

وقد تكون رشا رمضان تحمل من القدرات والخبرات والكفاءة ما يؤهلها بالفعل للمنصب الخطير، فمرة أخرى أنا لا أملك لا القدرة ولا المعلومات لمعرفة قدرات النائبة رشا رمضان لتحصد فى أقل من ثلاث سنوات جائزتين، الأولى الانتقال إلى شركة ميدور والأخرى حصد منصب مساعد رئيس الشركة، وذلك على الرغم من قصر المدة التى قضتها النائبة رشا رمضان فى شركة ميدور، وبالمثل على الرغم من وجود عشرات من أبناء شركة ميدور يحلمون بهذا المنصب، رغم هذا وذاك فقد حصلت رشا رمضان على هذا المنصب، وبقرار من وزير البترول أو أحد قيادتها أو حتى رئيس الشركة بالمخالفة للقانون الذى شاركت النائبة فى مناقشته وتمريره ويحكم هذا القانون كل إجراءات وتصرفات مجلس النواب والأعضاء من رئيس المجلس الدكتور على عبد العال إلى أصغر النواب سنا تحت القبة.

ولذلك أرجو من رئيس البرلمان وهو قانونى بارز أن يدرس حالة تكليف النائبة رشا رمضان بمنصب مساعد رئيس شركة ميدور والتى تخضع لإدارة الدولة ومال عام، وذلك خلال وجودها عضوة فى البرلمان، وبالمناسبة أطالب رئيس البرلمان أن يفتح ملف كل نوابه الذين انتقلوا من شركات بترول إلى شركات بترول أخرى وعلى رأس هذه الشركات شركة ميدور، لأن مبادرة رئيس البرلمان وهيئة مكتب المجلس بدراسة هذه الأوضاع المخالفة لقانون المجلس ولائحته الداخلية، فمن الأفضل للبرلمان أن يتولى هو زمام المبادرة فى تطبيق واحترام القوانين وعلى رأسها قانون البرلمان نفسه، مرة أخرى لا أستهدف النائبة رشا رمضان بشكل شخصى ولا أعرف إذا كانت أهلا للمنصب أو غير كفؤا له، ولكننى أتحدث عن حالة قانونية بحتة بصرف النظر عن أبطالها وأسمائهم.


2- الدكتوراة الملعونة

بطل هذه القصة أو الحالة لم يحصل على ترقية بالمخالفة للقانون ولكن على العكس حرم حازم مصطفى درويش من الترقية لدرجة أعلى، وقضيته الآن أمام القضاء، ولكن حالة حازم أو بالأحرى أزمته تعكس خللا كبيرا فى عملية الترقيات ولغزًا جديدًا ومثيرًا فى هذا الملف، والأكثر إثارة أن اللغز المثير أو الواقعة المثيرة وقعت داخل بيت الموظفين والمسئول عن كل شئونهم وأحوالهم.

يعمل حازم درويش فى منصب كبير باحثين بالجهاز المركزى للتنظيم والإدارة التابع لمجلس الوزراء، وتقدم حازم للحصول على ترقية لدرجة مدير عام بالجهاز، وتم رفضه فقام برفع شكوى للإدارة المركزية للشكاوى والتفتيش بالجهاز، ورفض أيضا التظلم، كل هذه الأحداث عادية وتقع كل يوم فى دواوين أو كواليس الحكومة ومؤسساتها، وبالتأكيد هناك موظفون غير جديرين بمنصب المدير العام بشكل خاص أو الترقى إلى درجة أعلى بشكل عام، وبالمثل هناك آخرون يقع عليهم ظلم فى هذا المجال، فقد يكون الموظف مستحقًا للترقية ولا يحصل عليها إما ظلما أو إهمالا، ولذلك لا يمكن لى أن أحدد إذا كان حازم درويش جدير بالترقية أم أنه لا يستحقها، وبالطبع لا أستطيع أن أقيد رأى قيادات حازم أو غيره من الموظفين فى تقييم الموظف عند حصوله أو بالأحرى تقدمه للحصول على ترقية، وعلى الرغم من كل ذلك فقد تحمست إلى الكتابة عن واقعة ترقية حازم، لأن فى هذه الواقعة تكشف خللاً خطيرًا فى عمليات التقييم بل والرد على الشكاوى، وزاد من شغفى أن الواقعة تخص الجهاز المنوط به حماية وتقنين أوضاع جميع موظفى الحكومة، فالغلطة فى هذا الجهاز خطيرة وذات مغزى.

بدأت الواقعة عندما تقدم حازم درويش كما قلت للحصول على درجة مدير عام، ولكن حركة أو بالأدق كشف الترقيات خلا من اسم حازم، ولذلك كان من البديهى أن يتوجه حازم إلى جهة الشكوى فى الجهاز كخطوة أولى لاسترداد ما اعتبره حازم حقا له.

وبالفعل تلقى حازم ردا من إدارة الشكوى بجهاز التنظيم والإدارة يشرح فيه أسباب رفض قيادات الجهاز منح حازم الترقية.

وفصلت إدارة الشكوى أساليب وطرق التقييم فى حالة الحصول على ترقية حازم أو غيره من العاملين بالجهاز، فهناك شرط إجادة اللغات الإنجليزية والحاسب الآلى والمشاركة فى الأبحاث والمؤتمرات، وعلى الرغم إجادة حازم اللغة الإنجليزية والحاسب الآلى وعلى الرغم من حصول حازم على درجة الدكتوراه وهى أعلى وأرقى أنواع البحوث، رغم هذا وذلك فقد رأت إدارة الشكوى عدم أحقية حازم بالترقية، وعلقت على حكاية حصوله على درجة الدكتوراه بجملة أنقلها لكم حرفيا «أن حصوله على الدكتوراه فى العلوم السياسية (وهو ليس من الاختصاصات الرئيسية بالجهاز) لا يعد سببا يكفى حصوله على الترقية».

مرة ثانية وثالثة لا أملك قدرة أو حتى رغبة فى التدخل فى عمل لجنة الشكوى، مرة عاشرة قد تكون لجنة الشكاوى محقة فى رأيها فى ترقية الموظف حازم أو بالأحرى حرمانه من الترقية.

ولكن لفت نظرى أن اللجنة لم تقم بعملها بالدقة الواجبة فى تحديد مصير موظف، فقد قالت لجنة الشكاوى إن درجة الدكتوراه التى حصل عليها الموظف حازم ليست من الاختصاصات الرئيسية بالجهاز لأنها دكتوراه فى العلوم السياسية، ولكن الحقيقة الغائبة الطائرة عن لجنة الشكوى هى أن حازم حاصل على درجة دكتوراه موضوعها إدارة عامة وليست علومًا سياسية، الإدارة العامة فرع أو تخصص من العلوم السياسية، بل إن المفاجأة المثيرة جدا أن عنوان رسالة حازم هو (دور الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة فى تطبيق الإصلاح الإدارى فى مصر) أقول مرة أخرى وأكتب مرة ثانية حتى ترى إدارة الشكوى الخطأ أو بالأحرى الخطيئة التى وقعت فيها، كيف يمكن لدكتوراه عن دور الجهاز نفسه فى الإصلاح الإدارى خارج الاختصاصات الرئيسية لعمل الجهاز؟ كيف يمكن أن تقع لجنة الشكوى وقبلها لجنة الترقيات فى هذا الخطأ المعيب المخجل من مسئولين بجهاز مسئول عن مصير كل موظفى الحكومة ؟ كيف يمكن أن يبقي حازم أو غيره من الموظفين بالجهاز بلجنة الترقيات أو لجنة الشكاوى فى ظل هذا الخطأ أو الخطيئة الكبرى؟ كل هذه تساؤلات لا تبحث عن إجابة لأنها تساؤلات دهشة واستنكار، وهكذا فنحن أمام اختيارين لا ثالث لهما، الأول أن لجنة الترقيات ثم لجنة الشكوى لم تأخذ بالها من أن موضوع الدكتوراه وهذا تصرف خطير، أما الأخطر فهو أن تكون كل من لجنتى الترقيات والشكاوى تجاهلتا القصة عن عمد، ورفضت موظفًا تعب نفسه وحصل على الدكتوراه فى نفس تخصص هدف وعمل الجهاز الذى يعمل به ويقابل هذا المجهود من قبل المسئولين بالجهاز بالتجاهل والاستبعاد والحرمان من حقوقهم المشروعة.