د. بهاء حلمي يكتب: حقوق الإنسان بين التكامل والنسبية

مقالات الرأي

د. بهاء حلمي
د. بهاء حلمي


تتميز حقوق الإنسان بعدة خصائص أهمها أنها حقوق متأصلة فى البشر جميعا ولصيقة بالإنسان يكتسبها بمجرد مولده باعتبار صفته الإنسانية ولا تورث، ولا يمكن انتزاعها من أى إنسان كما أنها غير قابلة للتجزئة، وبالتالى فلا يمكن اختزال حقوق الإنسان فى حق واحد بعينه بمعزل عن باقى الحقوق.

إن مؤشرات قياس أو تقييم مستوى التمتع بالحقوق والحريات فى مجتمع معين يكون من خلال النظر إلى خصائص وأنواع حقوق الإنسان كحزمة أو جملة واحدة مع مراعاة تأثرها بخاصتى النسبية تبعا للمصلحة العامة، والثقافة المجتمعية.

فجملة حقوق الإنسان تشمل الحقوق اللازمة لحياة الإنسان والثابتة لكل شخص بمجرد وجوده لكونه إنسانا، وتتسم بصفة القواعد الآمرة التى لا يجوز انتهاكها أو مخالفتها والتى يعد تحقيقها وتعزيزها شرطا سابقا أو جوهريا للتمتع بكافة حقوق الإنسان الأخرى، كحق الحياة، والحرية والأمان الشخصى، كما تشمل الحقوق غير الأساسية وهى بقية الحقوق المتعلقة باستكمال حياة ورفاهية الإنسان وسعادته والتى تحقق له قدرا كافيا من الكرامة والعيش الرغيد وغيرها.

بيد أن تكامل حقوق الإنسان يعنى شمولها على أولا: الحقوق المدنية والسياسية مثل حق التمتع بالأمن والأمان واحترام الإنسان ككائن قائم بذاته حرا بلا تقييد أو إهدار لكرامته وحق التنقل وعدم انتهاك حرمة المنزل أو المراسلة.. وهذه الحقوق مرتبطة بالحريات، أما الحقوق السياسية فيكتنف مفهومها الغموض لاختلاف فقهاء السياسة فى تعريفاتهم لهذا الحق فيرى بعضهم بأنه هو «الحكومة الحرة أى البلد الذى تحكمه حكومة منتخبه ديمقراطيا فالشعب هو الذى يقرر من يريد». بينما يرى بعضهم الآخر بأنه «شعور المواطن بالطمأنينة والأمن فى المجتمع وهذا الشعور يعنى انعدام كل حكم تعسفى» وهذه الحقوق مثل حق الحياة وحق الحرية وحق عدم التعرض للتعذيب وحق التحرر من العبودية وحق المشاركة السياسية وحق الرأى والتعبير والتفكير والدين وحرية إنشاء الجمعيات والاشتراك فيها.

وثانيها: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ويقصد بها كل الحقوق التى تدخل فى نظامها كل النشاطات ذات الصفة الجماعية أى تلك التى لا تخص الفرد لوحده وإنما تشمل مجموعة من الأشخاص وهذه الحقوق مرتبطة بالأمن وتشمل حق العمل وحق التعليم وحق المأكل والمشرب والرعاية الصحية والعلاج، وثالثها: هى الحقوق البيئية والثقافية والتنموية.

وبالتالى فإن حرية الرأى والتعبير ليس المؤشر الأوحد لقياس مستوى التمتع بحقوق الإنسان فى دولة ما فى كل الأوقات والأزمنة والظروف. وعلى الرغم من تأكيدنا على أهمية الالتزام بحق التعبير عن الرأى فى أى مجتمع ديمقراطى إلا أنه يحق لأى دولة تنظيم ذلك الحق بما يحقق التوازن بين حماية ممارسة حق التعبير عن الرأى والمصلحة العامة بغرض ضمان حفظ الأمن العام واستقرار المجتمع .

ولا يقلل هذا من إعلاء شأن وقيمة حقوق الإنسان الأخرى التى تحظى باهتمام الدولة مثل العناية بالصحة والعلاج وتوفير سكن ملائم بفكر استراتيجى يهدف إلى القضاء على العشوائيات الخطرة فى مصر والجهود المبذولة لتطوير التعليم وبناء الإنسان المصرى.

أما النسبية فتعنى أن درجة التمتع بالحقوق والحريات متغيرة ومتباينة من حيث التطبيق والتنفيذ من مجتمع لآخر.. ومن زمن لآخر.. ومن حيث مدى المواءمة مع المصلحة العامة، فهناك عوامل كثيرة تؤثر فى درجة التمتع بالحقوق والحريات مثل النظام السياسى واختيار الشعب لرئيسه، والنظام الاقتصادى ومستوى المعيشة والدخل والتنمية الاقتصادية، كما تتأثر الحقوق والحريات بالدين والعادات والتقاليد والمعرفة والثقافة السائدة، والثقافة المجتمعية لحقوق الإنسان. وهذا لا يمنع المخاطبون بحماية حقوق الإنسان سواء كانت سلطات الدولة أم المجتمع للالتزام بحماية تلك الحقوق طبقا للدستور والقانون والمعايير الدولية.

ومن ثم فالحفاظ على الصالح العام فى إطار ما تعرضت له الدولة من خطر التقسيم والتدمير الذى عصف ببعض دول المنطقة ضرورة بقدر ضرورة الالتزام بالمبادئ الدستورية وحماية حقوق الإنسان، ولا نقصد هنا التقييد أو الانتقاص أو الإهدار أو تبرير أى انتهاكات للحقوق والحريات فلا غنى لأى إنسان عن التمتع بممارسة كامل حقوقه فى دولة ديمقراطية يحكمها سيادة القانون - وغنى عن البيان بأن هذا يمثل رؤيتنا المستقلة - إلا أن هناك حقيقية غائبة عن بعض المتحدثين عن حقوق الإنسان فى مصر وهى أن الشعب المصرى ضرب أروع الأمثلة فى العصر الحديث حول كيفية التعبير عن الرأى والإرادة الشعبية لإسقاط دولة الاستبداد دون ارتداء أى أقنعة أو سترات ملونة، لقد عبر الشعب عن إرادته وخياراته وهى مستقبل مصر الحديثة ولن يتنازل عن أهدافه وخياراته حتى إتمام تحقيقها.