"قرود البابون" تتربص بالإنسان والبيئة في المملكة

السعودية

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية



تشكل قرود البابون خطرًا على الإنسان والبيئة في السعودية، فمع زيادة أعدادها وانتشارها في الآونة الأخيرة بشكل ملفت، ووصول قطعانها إلى الأماكن المأهولة بالسكان، بدأت المخاوف تتزايد، والمطالب والمناشدات تتعالى إزاء هذه المشكلة.

أضرار جسيمة

قال المواطن علي جبران المدري: إن الأضرار التي تأتي مع قرود البابون كثيرة، ومنها: تخريب مصادر وممرات المياه، وتنجيس الخزانات، والبرك التي يقوم عليها شرب الأهالي، كما تقوم القرود بإتلاف المحاصيل الزراعية، وإيذاء وترويع أصحاب المنازل وخاصة الأطفال، والعبث بالمدرجات الزراعية وتخريبها، ونشر الفيروسات والأمراض.

إقصاء زراعي

وتحدث الباحث الزراعي، علي أحمد العبدلي: أن قرود البابون أصبحت ومن خلال تكاثرها الملفت من أهم معوقات الزراعة في جبال فيفاء، ورغم المحاولات الجادة في استصلاح الأراضي، والنهوض بالزراعة في هذه المنطقة الخصبة والمشجعة، وفي حالة استطاع المزارع تأمين مياه كافية للزراعة، فإن كل هذه الجهود تحبطها تلك الجموع الغفيرة من هذه القرود، والتي تعبث بكل ما تطاله أيديها، وتترك المزارع خاوية، وجهود المزارعين حسرة وندامة، ورغم كثرة الشكاوي من المزارعين، ومراقبتهم لجهود وزارة البيئة والمياه والزراعة، والتي تعمل على أن تكون لجهودها في إعادة تأهيل المدرجات الزراعية، والنهوض بالزراعة في هذه الجبال واقعاً معاشاً، وفي ظل عدم حل مشكلة هذه القرود، كمن يسهم في إطعامها وتكاثرها دون أن يدري.

مطالب وأمنيات

ونقل "العبدلي" مناشدات المزارعين، وأمنياتهم أن يجدوا لصوتهم أذانًا صاغية، وأن تسهم كل من وزارة البيئة والمياه والزراعة، وهيئة حماية الحياة الفطرية، في الخروج بحلول تحد من تكاثرها، والتقليل من أخطارها، وإعطاء التوعية جهودًا أكبر؛ لحث المواطنين بعدم إطعامها، وأن من أسباب بقائها وتكاثرها الملفت، هو حصولها على معيشتها بكل يسر وسهولة، وفي مواقع عدة من أماكن تواجدها، ولو اهتمت الجهات المعنية كالبلديات وغيرها بتأمين حاويات تجمع فيها بقايا الأطعمة، ويتم تدويرها لتكون أعلافاً للحيوانات، بدل من أن تهدر، وتسهم في تفاقم هذه المشكلة، فستكون أسهمت في حل هذه المشكلة وبشكل فعال.

مشكلة مزمنة

وقال المستشار البيئي بوزارة البيئة والمياه والزراعة، أحمد إبراهيم البوق، لـ"سبق": إن مشاكل قرود البابون في المملكة تتحول مع الوقت، ومع عدم اتخاذ إجراءات حاسمة للحد من هذه الظاهرة، إلى مشكلة مزمنة، وغني عن القول أن فهم الأسباب التي أدت لنشؤ ظاهرة الإستئناس، وتفاقمها مهم جدًا كخطوة أولية في سبيل الحد منها، فإجمالاً أدى إهمال المعايير البيئية في عمليات التنمية المتسارعة في الماضي، إلى تدهور بيئاتها الطبيعية وتجزئها، ونتج عن التوسع العمراني الكبير، وزيادة أعداد السكان في مناطق انتشارها الطبيعي جنوب غرب المملكة، وتفاقم مشاكل مرامي النفايات المتخمة بالنفايات الغذائية الفائضة، والتي لعبت دورًا أساسيًا في جذب المجموعات البرية من القرود إليها، وتغيير أنماطها السلوكية، ومعدلات التكاثر، أضف إلى ذلك مشاكل قتل مفترساتها الطبيعية، كالنمور والذئاب والضباع والوشق وبعض أنواع النسور، سواء بشكل مباشر أو بالتسميم، وتدهور الغطاء النباتي نتيجة للاحتطاب والرعي الجائرين، وحرائق الغابات في جبال السروات، فضلاً عن تقديم الأغذية لها على الطرق العامة وفِي الحدائق. كل تلك الأسباب مجتمعة أدت إلى ظاهرة مشاكل القرود، وانعكاساتها البيئية والاقتصادية والصحية الخطيرة على الاقتصاد الزراعي، وعلى السلامة العامة في بعض المدن والطرق العامة وعلى الصحة العامة.

معالجة الأسباب

واستطرد "البوق": إن الحلول للحد منها بجب أن تتجه في مسارين، وتؤخذ كحزمة متكاملة في ذات الوقت:

المسار الأول: يتجه لمعالجة الأسباب التي أدت لنشؤ الظاهرة، وتؤدي لتفاقمها، عبر فرض المزيد من إجراءات الحماية للغطاء النباتي الطبيعي، والذي يشكل مصادرها الغذائية الطبيعية، وعبر حماية التنوع الأحيائي في مناطقها - المفترسات - الطبيعية على وجه الخصوص، وعبر فرض المعايير البيئية الصحيحة لكل برامج ومشاريع التنمية، وهو ما تسعى إليه رؤية المملكة ٢٠٣٠، وما تكفل تطبيقه الاستراتيجية الوطنية للبيئة، التي تنفذها وزارة البيئة والمياه والزراعة، إضافة إلى برامج التوعية والرقابة البيئية، للحد من تغذيتها على الطرق العامة وفِي الحدائق وحول المدن والقرى، يتبع ذلك معالجة مشاكل النفايات بشكل جذري، للحد من توليد المزيد من المجموعات المستأنسة.

حلول عملية

أما المسار الثاني فأبان"البوق": أنه يركز على الظاهرة نفسها للحد منها، ويتم خلالها تطبيق حزمة من الحلول المتزامنة وفق طبيعة المشكلة في كل منطقة، ومن تلك الحلول الحد المباشر للأعداد من خلال المصائد الجماعية، والتخدير والقتل الرحيم، ومن خلال التعقيم الكيماوي والجراحي واستخدام السياجات الكهربائية الآمنة، أو السياجات البلاستيكية بالنسبة للمواقع المتضررة المسيجة، سواء منها المدنية أو العسكرية، وتظل استمرارية برامج التوعية البيئية ووعي المواطنين والمقيمين في التجاوب، بعدم تغذيتها وعدم ترك المخلفات الغذائية في الحدائق العامة، الحل الفيصل للحد من هذه الظاهرة المقلقة.

دراسات تفصيلية

وأوضحت الهيئة السعودية للحياة الفطرية على لسان نائب رئيسها، د. هاني بن محمد تطواني، لـ"سبق" أن أعداد القرود قد زاد بشكل كبير خلال الأربعة عقود الماضية، ومنذ إنشاء الهيئة في ١٤٠٦، كان هذا الموضوع من أولوياتها؛ حيث قامت بدراسات عديدة، وتعاونت مع جامعات ومعاهد عالمية، شملت بحوث لمعرفة توزيع القرود الجغرافي، وتقدير أعدادها وسلوكياتها ونظامها الاجتماعي، وشمل ذلك ظاهرة سلوك الاستئناس، وهو دخولها للمدن والمنازل والمزارع.

نتائج الدراسات

وقال"تطواني": من نتائج هذه الدراسات أن هناك مجموعتين من القرود؛ الأولى: هي مجموعات القرود البرية، وهذه المجموعة تعتمد على البيئة البرية الطبيعية في اقتياتها، ويصعب حتى مشاهدتها، ولكن تسمع أصواتها بالبرية، حيث تهرب مبتعدة من أماكن وجود الإنسان، وتراقب من بعيد، أما المجموعة الثانية وهي المستانسة، وهي مجموعة برية اقتربت من المدن للبحث عن الغذاء، وساعد في زيادتها، تدمير بيئاتها ومصادر غذائها الطبيعي، بسبب التمدد العمراني والزراعي، وكذلك اختفاء المفترسات، بالإضافة لوفرة الغذاء من خلال مرامي النفايات، بالقرب من مناطقها الطبيعية، وهو من أهم الأسباب لزيادة الأعداد، التي أدت إلى زيادة عددها، بالإضافة إلى تغذية الناس لها، والذي ساهم بشكل كبير في زيادة هذا التحول في السلوك لدى هذه القرود، وكذلك زيادة عددها في أوقات كان من المفترض أن تقل أعدادها، خاصة في فترة الجفاف وشح الغذاء، وعليه بدأت بالدخول إلى أطراف المدن والمزارع، وهذا زاد من الشكاوي والتدمر من المتضررين وأصحاب المزارع.

أعمال مساعدة

وأضاف: قدمت الهيئة عدداً من الحلول المبنية على أسس علمية، ونتيجة لدراسات مكثفة، للتعامل مع هذه المشكلة، والحد من أضرار هذه الحيوانات، كان من أهمها منع تغذية الناس للقرود على حواف الطرق السريعة، وكذلك التعامل الصحيح مع النفايات للمدن والقرى، والتي تردم في أماكن مفتوحة، فترتادها القرود للتغذية.

استجداء عالمي

وأوضح "تطواني": من خلال الدراسات التي قامت بها الهيئة لإيجاد الحلول للتعامل مع هذه المشكلة، وبالاسترشاد بالخبرات والتجارب الدولية في هذا المجال، قامت الهيئة بتجربة عدد من الحلول منها: الحد من تناسلها ومنع زيادتها مثل خصي الذكور، كذلك اقتراح تركيب الأسلاك الكهربائية حول البيوت والمزارع، وهي ليست قاتلة، ولكنها تمنع القرود من الدخول، وهي رخيصة الثمن لا يتعدى ثمنها ٢٠٠٠ ريال، ويمكن تشغيلها بالطاقة الشمسية وتمت تجربتها وكانت ناجحة في ردع القرود، وكما عقدت الهيئة عدداً من الندوات والاجتماعات وورش العمل، لشرح المشكلة واقتراح عدد من الحلول، والتي يتطلب تعاون الجهات، من أهمها البلديات وأمانات المدن، والتي عليها تقع مهمة التعامل مع النفايات، والسياحة والتي عليها توعية السياح بمخاطر تغذية القرود والاقتراب منها، كذلك الصحة لإمكانية حمل ونقل القرود للعديد من الأمراض، ومنها الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان، بما في ذلك الطفيليات.

مهام مشتركة
وتابع: في آخر ندوة نظمتها الهيئة السعودية للحياة الفطرية، في هذا الموضوع في مدينة أبها، تم استعراض خبرات وتجربة الهيئة في التعامل مع هذه المشكلة، والحلول المقترحة للتعامل معها، ودور الجهات ذات الصلة، وصدرت عدد من التوصيات تحدد لكل جهة ما يجب عليها القيام به، وهذه التوصيات تمثل خارطة طريق لحل هذه المشكلة، وتوجت بالموافقة السامية، فالهيئة لا تستطيع حل المشكلة لوحدها ما دام هناك مصادر مسببات مهمة، تعمل على زيادة القرود، وتساعد في انتشارها وتفاقم المشكلة.

وختم: ما يحدث في منطقة فيفاء من زيادة للقرد، ما هو إلا مثال لنفس الوضع في جميع المناطق، وعلى الجميع التعاون للحد من هذه المشكلة.