كيف تجسست السفارة التركية في إسبانيا على المعارضين؟

عربي ودولي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


أكد الصحفي عبدالله بوزكورت، في موقع "نورديك مونيتور" استخدام تركيا لسفارتها في العاصمة الإسبانية مدريد للتجسس على معارضي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وجمع معلومات استخبارية عنهم للمساعدة في رفع دعاوى جنائية باطلة ضد المعارضين.

وفقاً لوثائق رسمية حصل عليها الموقع، جمعت السفارة التركية في مدريد معلومات عن نقاد ذوي أصول تركية والمؤسسات الإسبانية المرتبطة بهم، قبل أن تحول هذه الوثائق إلى وزارة الخارجية في أنقرة.

تعسف صارخ بالنظام القضائي
واستخدمت المعلومات لاحقاً في اتهام جنائي مرتبط بالإرهاب ضد هؤلاء المعارضين. تعرض الأفراد المذكورون في الوثائق للمنع من الدخول إلى تركيا، وللحرمان من الخدمات القنصلية في الخارج، بينما واجه من كانوا في تركيا المحاكمة والسجن. 

وجُمعت هذه المعلومات بطريقة غير شرعية، بعدما تقدم قسم مكافحة التهريب والجريمة المنظمة "كوم" التابع للشرطة التركية بهذا الطلب.

ووفقاً للقانون التركي، لا يحق لهذا القسم أن يطلق عمليات تجسس في الخارج وهو لا يتمتع بصلاحيات خارج حدود البلاد. 

لاحقاً، دُمجت المعلومات التي أرسلتها السفارة في تقرير صادر عن كوم في 30 يناير 2017 واستُخدمت في ملاحقة جنائيّة لمعارضين بتهم إرهابية. 

وذكر بوزكورت أنّ ما جرى يُعد تعسفاً صارخاً بالنظام القضائي الجنائي من قبل حكومة تسلطية كجزء من قمعها للمعارضين الذين لم يرتبطوا مطلقاً بالإرهاب.

ملاحقة أكبر ناشر في تركيا
واجه بعض المتهمين السجن لأشهر، وحتى لسنوات في بعض الأحوال، من دون تهم رسمية ولا اتهام أو محاكمة. 

ويُظهر هذا الواقع، كيف أنّ عملية تجسس غير شرعية قامت بها السفارة التركية في إسبانيا أدمِجت بالاضطهاد الشامل للمعارضين في تركيا. 

بشكل أكثر تحديداً، استُخدم تجسس السفارة في قضية كايناك القابضة التي تشكل تكتل شركات وأكبر ناشر في تركيا وقد استولت عليها حكومة أردوغان بطريقة غير شرعية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015. 

يملك كايناك ويديرها رجال أعمال يُنظر إليهم على أنهم مرتبطون بتيار غولن الذي ينتقد أردوغان، بسبب الفساد ومساعدة حكومته المجموعات الجهادية المسلحة.

المزيد من الضحايا
تظهر وثائق السفارة التركية أنّ منظمة كوليغيوس دي ايدوكاسيون ميديترانيو التي أسسها معارضو أردوغان تعرضت للتجسس وجمع المعلومات. 

وأظهرت الوثائق أنّ رئيس المنظمة هاليت شاهين هو المسؤول عنها. عاش شاهين، ألماني من أصول تركية، في إسبانيا لعدد من السنوات وهو يقود الشركة التي تأسست في 10 يونيو (حزيران) 2011. 

وتعرضت مدرسة إندازي البريطانية الدولية التي تأسست سنة 2014 في مدريد للتجسس أيضاً. 

تقدم المدرسة التعليم للطلاب من جميع الجنسيات حتى المرحلة الثانوية وفقاً لمنهاج كامبريدج الدولي وأساليب أخرى.

ودونت السفارة التركية عدد التلاميذ المسجلين في المدرسة أيضاً. وتم التجسس أيضاً على جمعيتي أسوسياسيون هيسبانيكو توركا وكازا توركا اللتين تعنيان بالترويج للحوار الثقافي بين الإسبان والأتراك حيث صُنفتا على أنهما منظمتان مرتبطتان بالإرهاب. وتضمنت الوثيقة عناوين وأرقام هواتف المسؤولين الأساسيين فيهما.

بالأرقام.. أكبر سجان للصحافيين
تصنف حكومة أردوغان جميع المنتقدين كإرهابيين وهنالك 235 صحافياً في السجون التركية حالياً بناء على تهم إرهابية بما يجعل تركيا أكبر سجان للصحافيين حول العالم. 

أكثر من 30% من جميع الديبلوماسيين الأتراك و60% من رؤساء الشرطة البارزين ونصف الجنرالات العسكريين و30% من القضاة والمدعين تمّ وصمهم بالإرهاب بين ليلة وضحاها عبر قرارات تنفيذية من حكومة أردوغان من دون تحقيق إداري فعال وطبعاً من دون محاكمات قضائية.

المئات إلى التحقيق.. و 800 ضحية
حضّر مجلس التحقيق في الجرائم المالية، وهو وكالة استغلها أردوغان لمباشرة تحقيقات بحق معارضيه وشركاتهم، تقريراً ذكر التعاملات المالية الشرعية سنة 2014 بين كوليجيوس دي إدوكاسيون والذراع العسكرية الأجنبية لكايناك القابضة كما لو أنها كانت أمراً مشبوهاً. 

وجدت تحقيقات "نورديك مونيتور" أنّ التعاملات تمحورت حول لوازم مدرسية أمنتها شركة ألمانية لكن اشترتها كايناك باعتبارها البائع المعتمد للمنتجات. فضلت كوليجيوس كايناك بسبب شروط الائتمان المرنة والتسعير الأفضل الذي أمنته الشركة الألمانية إلى تاجر الجملة كايناك.

قام مجلس التحقيق بجمع التقرير في 13 مايو (أيار) 2015 بعدما كلفه مكتب المدعي العام في أنقرة بالتحقيق في نشاطات كايناك. 

تم جر مئات الأشخاص وعشرات الشركات إلى التحقيق في ما تم مقاربته على أنه قمع لأكبر ناشر ومؤمّن للوازم التعليمية. وقع حوالي 800 مؤلف ضحايا إلغاء الحكومة عقود الكتب بعد الاستيلاء على كايناك وتم التخلص من ملايين الكتب بما فيها تلك التي تُعنى بمهارات اللغات الأجنبية.

تخلص مما يزيد على 4000 قاض
من بين الذين أحضروا إلى التحقيق في هذا الملف، رئيس التحرير السابق لصحيفة زمان التي تم الاستيلاء عليها في مارس (آذار) 2016 أكرم دومانلي. وأجبر الأخير على العيش في المنفى مع 150 صحافياً اضطروا للهرب لتفادي السجن غير الشرعي. 

حاول المدعي التركي تحوير التعامل الشرعي للكيان الإسباني لإبراز أنّه مرتبط بالإرهاب، لكنّ إدارة الضرائب التركية نفسها وجدت أنّ التحويلات المالية بين كوليجيوس وكايناك كانت مرتبطة بالنشاطات التجارية للشركة. بعبارة أخرى، لم يكن هنالك أي خطأ في التعاملات التجارية وبالتأكيد لم يكن لها أي علاقة بالإرهاب.

كان مستحيلاً لكايناك تحدي لا شرعية التصرفات الحكومية التي استولت على الشركات الاثنتين والعشرين التي تتألف منها كايناك بناء على اتهامات مشبوهة بعدما أقال أردوغان أكثر بكثير من 4 آلاف قاضٍ ومدعٍ واستبدلهم بمحازبين وموالين له.
 
29 دولة أوروبية أخرى
في يوليو (تموز) 2017، ذكرت صحيفة "دي تسايت" الألمانية أنّ تركيا سلمت ألمانيا لائحة باسم 68 شركة وفرداً مشتبهاً بصلاتهم الإرهابية بناء على ارتباطات مزعومة بتيار غولن. 

وكُشف أيضاً أنّ ما يقارب 700 شركة ألمانية بما فيها عملاقا التصنيع دايملر وباسف تعرضت للتحقيق بسبب "تمويل الإرهاب" وقدمت تركيا اسمها للإنتربول. 

بعدما ردت ألمانيا بقوة على التحقيقات التي تشبه مطاردة الساحرات وهددت بفرض عقوبات اقتصادية تراجعت تركيا قائلة إنّ هنالك خطأ في التواصل قد وقع.

والأسبوع الماضي، نشر "نورديك مونيتور" تقريراً كشف كيف انخرط مسؤولون في قنصليات وسفارات تركية في التجسس على معارضين في 92 دولة أجنبية كجزء من النشاطات التجسسية التي ارتقت أحياناً إلى حملة ممنهجة للتجسس على اللاجئين. وبحسب التقرير، اعترفت وزارة الخارجية التركية بأنها جمعت معلومات عن المعارضين في العديد من الدول الأمريكية والآسيوية إضافة إلى 29 دولة أوروبية.