زيل أكرايواي.. "ملاك" على هيئة إنسان في نيجيريا (بروفايل)

السعودية

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


تتدخل العناية الإلهية في بعض الأحيان، لإنقاذ الحالات الإنسانية، التي تحتاج للخروج من الأزمات، وهناك بعض البشر الذين يشبهون الملائكة، ينقذون البشر وهما علي حافه الاحتياج وواقعين في الكرب، لكن عناية الله ترسل لهم علي هيئة جنود من البشر.

وفي نيجيريا القليل جداً من الخدمات الطبية متاحٌ مجاناً، فإذا لم تتمكن من دفع فاتورة علاجك بالمستشفى، فقد لا يُسمح لك بالمغادرة، حيث يغرق المجتمع النيجيري في التدين، لذلك يأمل العديد من المرضى العالقين في تدخل العناية الإلهية.

ولا يملك زيل أكرايواي، جناحي ملاك بل سيارة مرسيدس فخمة سوداء تمتاز بصوت محركها ومقاعدها الجلدية المريحة، ويخرج هذا المستشار المالي الذي يجاوز الأربعين بقليل بكامل أناقته من سيارته بموقف سيارات المستشفى الحكومي المليء بالحفر، ويحييه فريق الأخصائيين الاجتماعيين بحرارة قبل أن يستغرق في مهمته على الفور. 

ويسألهم "أكرايواي"، عن "القائمة" فيقدمون له ورقة مرتبة مقاس آي فور مطبوع عليها أسماء المرضى، الذين تحسنت حالتهم بما يسمح بمغادرتهم المستشفى الا أنهم لا يغادرون بسبب عدم قدرتهم على دفع فواتير العلاج بالمستشفى.

والتقى "زيل"، من قبل بأشخاص أرغموا على البقاء في المستشفى ستة أو حتى ثمانية أسابيع بعد إنهاء علاجهم.

وتتيح بعض المستشفيات في نيجيريا خدمة الدفع بالتقسيط، ولكن حتى القسط الأول قد يكون باهظًا بالنسبة لأصحاب الدخل الزهيد أو من لا دخل لهم على الإطلاق.

في الممرات المتداعية لعنابر المستشفى، يستمع "زيل" باهتمام لتعليقات الأخصائيين الاجتماعيين عن الأشخاص الذين سيلتقيهم، في قسم الرجال بلاط الأرض يهتز تحت الأرجل، دهان الجدران يتقشر وعلى طول هذه الجدران، وُضع عشرون سريرًا.

مراوح قديمة تلف فوق الرؤوس بينما تضع الممرضات نياشين على أكتاف أزيائهن البيضاء المنشاة، يقوم عامل نظافة بكنس المكان بفرشاة ومجرفة، فكل شخص يبذل أقصى ما عنده في ظل ظروفٍ صعبة.

يقود الأخصائيون الاجتماعيون "زيل"، إلى سرير مريض تلف فخذه ضمادات كثيفة، ينحني "زيل" مقتربًا من المريض ويسأله بصوتٍ خفيض: "ما الذي حدث معك؟" فيجيب المريض الشاب الذي يعمل حلاقًا قائلًا: إن "شخصًا لا يعرفه أطلق عليه النار".

يسأله زيل: "وكيف ستدفع فاتورة المستشفى؟ فيرد أنه يدعو الله"، يواصل "زيل" حديثه معه لمدة دون أن يسأله المريض عن هويته، كما أنه لا يعرّف بنفسه، ثم ودون أن يسمع المريض، يتأكد زيل من قصته من طاقم التمريض، حيث تبلغ فاتورة علاجه ٢٥٠ دولارًا، ويبدو أنه محظوظ فقد قرر زيل دفع الفاتورة، وفي وقتٍ لاحق من اليوم ذاته سيكون بمقدوره العودة إلى منزله.

ولا يتواصل "زيل"، مع أي من الأشخاص الذين يساعدهم، ولا يرغب حتى في تلقي الشكر منهم، الا أن هناك شيئا واحدا يأمله في المقابل ألا وهو أن يقوموا ذات يوم برواية قصته: قصة الملاك الذي زارهم عندما كانوا عالقين بالمستشفى ودفع فواتير علاجهم ثم غادر.

يقول زيل: "هذا هو السبب وراء إطلاق اسم (مشروع الملاك) على ما أقوم به، كن أنت الملاك الذي تأمل في مقابلته".

دفع فواتير علاج المرضى غير القادرين على دفعها هي واحدة من الطرق، التي يعبر فيها زيل عن إيمانه المسيحي، ويقول إنه يرغب في البرهان على أن كل شخص بمقدوره أن يفعل شيئًا لمساعدة الآخرين، يقوم أصدقاء زيل وعائلته أيضًا بإعطائه المال من أجل مشروعه أما هو فيحتفظ بإيصالات الدفع في ملف أسود مرتب إلى جانب تفاصيل كل المستفيدين من المشروع.

في عنبر النساء، أُخذ "زيل" لرؤية مريضة غائبة عن الوعي وتعتمد على أنابيب الأكسجين في التنفس، وكانت قد تعرضت لسكتة دماغية حادة، يرغب العاملون الاجتماعيون، أن يقوم زيل بدفع فاتورة علاجها كي يتسنى نقلها لوحدة العناية المركزة لتلقي علاج متخصص، فهز "زيل" رأسه وتحرك بعيدًا عن سرير المريضة.

خارجًا في الممر، انضمت اليه ابنة المرأة المريضة، سألها عن صحة والدتها، وبدا أنه حتى لو قام بدفع الفاتورة هذه المرحلة فلن يكون ذلك سوى خطوة أولى في طريق طويل جدًا، وقد لا تنجو المريضة في نهايته، تحدث "زيل" بلطف للابنة معربًا عن أسفه، ابتسمت وشكرته ثم عادت لمراقبة أمها.

دفع فاتورة علاج هذه المرأة كان سيعني كسر القواعد، التي وضعها "زيل" بنفسه فهو عامةً لا يقدم المساعدة للحالات الجدية، التي تتطلب علاجًا متواصلًا، فمشروع الملاك يقوم فقط بدفع فواتير أولئك الذين تعافوا وبإمكانهم العودة لبيوتهم على الفور، ومع ذلك يقر "زيل" بأنه يضطر أحيانًا لتوسيع دائرة المستفيدين من المشروع.

فهو يتذكر جيدا المرأة التي ظلت تنزف طيلة أحد عشر شهرًا بسبب حاجتها لعملية استئصال الرحم، حيث قام "زيل" بدفع ٤٠٠ دولار لاجراء العملية، وفي زيارة اليوم للمستشفى العمومي، هناك حاجة لمزيد من التوسيع، فمشروع الملاك قدم المساعدة لمريض يحتاج عملية لقرحة الساق ومن جانبه يرغب زيل في الاطلاع على التقدم في حالة طفلة في العاشرة من العمر تنتظر اجراء عملية أخرى في الأمعاء. 

وكان قد قام بدفع تكاليف علاجها حتى الآن كما سيواصل دفع فواتيرها لحين عودتها للبيت، وقد طمأنه العاملون الاجتماعيون، بأن الطفلة تبلي بلاءًا حسنًا، كان "زيل" قد التقى هذه الطفلة الصغيرة من قبل الا أنه لا يريد أن يراها مجددًا ويستذكر، قائلًا: إن "عينيها تشبهان عيني ابني".

اليوم، يزور "زيل" كل من هم في القائمة التي أمده بها الإخصائيون الاجتماعيون، توجه إلى المحاسب ودفع فواتير ثمانية أشخاص، العمل الخيري الذي يقوم به في المستشفى يجعله حزينًا على الدوام ويثير غضبه إزاء فشل الحكومة.

ويقول: "فقط حقيقة أن شخصًا مثلي يتوجب عليه الذهاب للمستشفى لدفع فواتير العالقين فيها يكفي للتعبير عن انعدام العدالة في المنظومة.. لا يوجد أي سبب يمنع أن يكون لنا تأمين صحي لائق، فلدينا أشخاص أذكياء بإمكانهم التفكير في برامج ناجحة لتحقيق ذلك".

يتمتع خمسة بالمئة فقط من السكان في نيجيريا بتأمين صحي، وتسود الشكوك بشأن نجاح أي برنامج شامل للتأمين الصحي، وذلك بالنظر للتباين الهائل في الثروات وملايين الأشخاص الفقراء، الذين سيتعين على الدولة تغطية اشتراكاتهم.

ويبدو "زيل" وقد نفذ صبره حيال الأمر فهو يقول: "كل أسبوع أرى بأم عيني عواقب عدم وجود تأمين صحي إجباري، الناس يموتون ويدفعون الثمن".