"المرأة الحديدية".. سيدة قهرت العادات والتقاليد لتصلح بين رجال الأقصر (صور)

محافظات

بوابة الفجر


- والدها دربها على القيادة.. وقوة شخصيتها كانت سببًا في زواجها
- 38 عامًا من العمل الحكومي والقيادي.. ونقطة سوداء فقط في ملفها الوظيفي
- حب الناس جعلها مسئول اللجان الشعبية لحماية ممتلكات الدولة وفض الاعتصامات في الثورة
- حصلت على أفضل امرأة في الأقصر.. ووزارة الثقافة أبرزت سيرتها في كتاب تكريم المرأة المصرية

تختلف المرأة الصعيدية، عن أية سيدة أخرى في مصر، حيث تحكمها العادات والتقاليد والأعراف، التي تقيد من حريتها في تولي المناصب القيادية خاصة في ما مضى منذ عشرات الأعوام، قبل بدء تغير هذا المنظور جزئيًا في الوقت الحالي، ولكن هناك نماذج من السيدات وقفن أمام تلك الصعاب، وفرضن أنفسهم بحكمتهن، ليأخذن أدوارًا قيادية في المجتمع تصعب على كثير من الرجال.

ومن بين هذه السيدات "المرأة الحديدية بالأقصر"، والتي لقبت بهذا اللقب، لدورها البارز كشخصية قيادية في العمل والمجتمع أيضًا بتدخلها في فض المنازعات، وأنشطتها الخيرية والتنموية، التي جعلت كلمتها "سيف على الرقاب" ليس عنوة، ولكن باحترام الجميع وحبهم لها، لحكمتها في وزن الأمور، وأبرزت دورها وزارة الثقافة في إحدى إصداراتها عن المرأة المصرية عام 2013.

والتقت "الفجر" بـ"سيدة راشد"، والتي تبلغ من العمر 60 عامًا، للتعرف أكثر على سيرتها التي كسرت من خلالها القيود المفروضة على السيدات في الصعيد، وجعلتها تلقب بالمرأة الحديدية.

وتحكي المرأة الحديدية بداية مسيرتها، مشيرة إلى أنها ولدت وحيدة لوالدها الذي كان شيخًا ببدلته ويعمل على فض المنازعات بين الأهالي، حيث كان يعتمد عليها في الكثير من الأحيان في تلبية متطلباته، وتكليفها بالعديد من المهام التي يقوم بها الرجال، وتشجيعها على ذلك منذ نعومة أظافرها رغم معارضة الأم كونها أنثى، مما خلق لديها قوة الشخصية والحكمة التي أهلتها لتصبح قيادية فيما بعد.

وحصلت سيدة راشد على وسام من وزارة الثقافة بالإضافة إلى شهادة تقدير لدورها كنموذج مشرف للمرأة المصرية عن محافظة الأقصر، بالإضافة إلى وضع السيرة الذاتية لها في إحدى الكتب المطبوعة لوزارة الثقافة، تحت شعار " احتفالية تكريم المرأة المصرية"، لدورها في العمل المجتمعي والسياسي، والتي كان من بينها ترأسها للجنة المصالحات وفض المنازعات بالأقصر، ومسئول اللجان الشعبية لحماية الممتلكات الحكومية أثناء الثورة وبعدها، وفض الاعتصامات ومنع التخريب، وكونها عضو مؤسس في نادي التجديف الرياضي، وعضو الاتحاد المصري لحقوق الانسان "الأيرو"، هذا بالإضافة إلى مشاركتها في عضوية العديد من الجمعيات الأهلية الخيرية والتنموية، وبيت العائلة المصري، وخوضها انتخابات الشعبية للمجالس المحلية، وحصولها على لقب الأم المثالية على مستوى المحافظة عام 2014، وتكريمها كأفضل امرأة في الأقصر، وحصولها على العديد من شهادات التقدير لدورها الخدمي في المجتمع.

وذكرت صاحبة الـ60 عامًا، "ميراث والدهي لي من الحكمة وحب الناس، هو من أوصلني لذلك، وكان سببًا أيضًا في خدمتي للأهالي من خلال عملي الوظيفي بالقطاع الحكومي وأداءه بحق على أكمل وجه"، لافتةً إلى مواصلتها العمل طوال 38 عامًا، بداية من توظيفها بالتضامن الاجتماعي، وانتقالها للعمل إدارية بمديرية الشباب والرياضة، ثم تولي رئاسة نادي المرأة بالأقصر، ونقلها إلى ديوان عام المحافظة كنائب لمدير المتابعة الميدانية في عهد المحافظ الأسبق سمير فرج، وبعد حل المتابعة الميدانية بديوان عام المحافظة، نقلت إلى مجلس مدينة الأقصر مديرًا للمتابعة الميدانية، والتي تنتهي بها خدمتها في أبريل القادم، لبلوغها سن التقاعد، مشيرة إلى أنها طوال مسيرتها في هذا العمل لم تحصل سوى على جزاء واحد فقط، بسبب مشادة كلامية مع أحد الموظفين لتقصيره في العمل أثناء متابعة انتخابات 2010.

و عن تأثر حياتها الأسرية داخل منزلها لما تقوم به من أعمال، أوضحت أن اعتماد والدها عليها في كثير من الأمور كانت سببًا في اعجاب زوجها بها، ولكن بعد وفاة الوالد، وتحملها المسئولية كاملة، رأت الضيق في صدر الزوج دون أن يفصح لها على ذلك، مما جعلها تحرص على أن تلبي احتياجات منزلها، بمساعدة نجلتها قبل زواجها، ومع مرور الوقت، ورؤية الزوج والأبناء، مدى احتياج الناس لها، اعتادوا على ذلك، دون مضايقات، وخاصة لما غرسته في نفوسهم من حب الناس والوقوف بجانبهم.

وبسؤالها حول لقب "المرأة الحديدية"، لقيادتها العديد من حملات الاشغالات في الشوارع، وحملات ازالات التعديات على أراضي الدولة والأراضي الزراعية والمباني المخالفة وشدة حزمها في العمل، واعطائها هذا اللقب الصلب الذي يعكس نعومة المرأة، ويخيف البعض منها، لفتت إلى عدم انزعاجها من هذا الأمر، وأن ما تقوم به من قيادة حملات وتواجد مستمر في الشارع فهو من صميم عملها، وكلفت به في بداية الثورة لما تتحلى به من شعبية داخل مدينة الأقصر بين المواطنين، ورؤية سلطات المحافظة أن الشارع في احتياج للانضباط من خلال شخصية محبوبة لدى الجميع لتفادي حدوث تصادم بين الأهالي والجهات التنفيذية، مؤكدة تعاملها مع الجميع كأم وأخت كبيرة ليس أكثر من ذلك، مما يجعلهم يتقبلون كلامها من هذا المنطلق.

مسيرة حافلة من العمل لسيدة تحدت الظروف المحيطة بها والعادات والتقاليد ظلت طوال 38 عامًا، وأوشكت على الانتهاء بقربها بلوغ سن التعاقد في ابريل المقبل، مما جعل "الفجر" تسأل "المرأة الحديدية" وماذا بعد؟ لتجيب عن ذلك بتأثر كبير، قائلة " الوقت يمر حاليًا بسرعة جدًا، وأتخوف من إصابتي بأزمة نفسية عند إحالتي للمعاش، لأنني لم استطع تصور عدم تواجدي في الشارع وسط من اندمجت معهم من المواطنين اخوتي وابنائي، ومن أحببتهم من زملائي، وحرقتي على العمل وتجولي بين الأحياء الخمسة لمدينة الأقصر التي عشت بيهم، مشيرة إلى محاولة إيجادها عمل آخر بعد ذلك، لعدم مكوثها بالمنزل والاستسلام لحالة اليأس.

وختامًا بسؤالها عن تنميها لعمل حفل تكريم لائق لها من سلطات محافظة الأقصر، عن ما قدمته طوال 38 عامًا، أوضحت أن هذا الأمر متروك لهم بحسب تقديرهم، شاكرة الله على ختام مسيرتها دون إيذاء أحد، وخروجها نظيفة اليد خلال عملها طيلة هذه السنوات.