داعش.. "الطرف الثالث" فى احتجاجات فرنسا

العدد الأسبوعي

عناصر داعش الإرهابية
عناصر داعش الإرهابية - أرشيفية


التنظيم يحشد ذئابه المنفردة لتفخيخ معركة السترات الصفراء بكتالوج "التوحش والإنهاك"

التنظيم الإرهابى أعلن أكثر من مرة فرنسا ضمن قائمة الدول التى يستهدفها


تصاعد لهيب غضب أصحاب «السترات الصفراء» فى فرنسا من زيادة أسعار الوقود والمحروقات والسياسات الاقتصادية للرئيس إيمانويل ماكرون، وذلك عبر تخريب وحرائق وعنف لم تشهده فرنسا منذ عقود طويلة من تاريخها الحديث.

ومعه تصاعد الرعب من استغلال «داعش» للمشهد المأساوى، الذى طال فى النهاية وجه باريس الحضارى، وشوه قوس النصر، وحطم تماثيل أثرية.

الأمر الذى عبرت عنه السلطات الأمنية الفرنسية مع بداية الاحتجاجات، بإعلان قلقها من أن يتسلل متطرفون إلى المظاهرات، ما يزيد تحديات السيطرة على الجماهير، خاصة أن المخاوف من دخول «ذئاب التنظيم» على الخط بهجمات قد لا يمكن مواجهتها، وتزامن مع ذلك بالفعل معلومات استخباراتية بأن جماعتين مسلحتين تابعتين لتنظيم داعش أصدرتا بشكل منفصل ملصقات تحرض فيها «الذئاب المنفردة» التابعة على استغلال احتجاجات السترات الصفراء، وتنفيذ هجمات ضد المدنيين.

وتضمنت تلك الملصقات أوامر تنظيمية صريحة: «يا أيتها الذئاب المنفردة.. استغلوا الاحتجاجات فى فرنسا»، وأرفق معها صور تعبر عن نمط العمليات التى اعتادتها ذئاب داعش فى هجماتها السابقة فى أوروبا، مثل الطعن، وإطلاق النار، وإشعال النيران، وصدم المارة بالسيارات.

وهو ما زاد من خطورة عودة الذئاب الداعشية فى فرنسا لاستغلال مناخ الفوضى، فى ظل وجود إحصائيات تشير إلى أن عدد المقاتلين الدواعش الذين يحملون الجنسية الفرنسية قد تجاوز 1900 مقاتل، وأن أكثر من 300 منهم عادوا بالفعل إلى فرنسا، مع سقوط الخلافة المركزية للتنظيم فى سوريا والعراق.

إضافة إلى ذلك أعلن التنظيم أكثر من مرة، أن فرنسا على رأس قائمة الدول الغربية المستهدفة بهجماته الإرهابية فى الغرب، عقاباً لها على المشاركة فى الحرب ضده واستهداف معاقله المركزية، وضلوعها بدور قوى فى التحالف الدولى ضد الإرهاب الذى تقوده واشنطن .

وفضلاً عن العامل الأهم الذى يجعل من فرنسا قبلة للإرهاب الداعشى، بأكبر عدد من العمليات بين الدول الأوروبية، فهى تضم أكبر جالية مسلمة هناك، فيما يمتلك عدد كبير من شبابها مصوغات تبرر من وجهة نظرهم وجوب الثأر والانتقام، بصبغة جهادية تخفى وراءها شعوراً بالاضطهاد، والتهميش، والمعاناة من البطالة، والتفرقة الاجتماعية.

وهى الدائرة المرشحة للاتساع لتطال دولاً أوروبية أخرى، امتدت إليها احتجاجات أصحاب السترات الصفراء أيضاً، مثل بلجيكا التى شهدت واحدة من أخطر الهجمات الداعشية فى أوروبا، وهى هجمات بروكسل مارس 2016، ونفذها عناصر من نفس الخلية الإرهابية التى سبق ونفذت هجمات باريس الدامية نوفمبر 2015.

كذلك فإن مشهد الاحتجاجات الدامية فى فرنسا، وهو الأول من نوعه منذ ظهور تنظيم داعش على خريطة الإرهاب العالمى، يستدعى إلى الأذهان وبكل قوة ما سبق أن تضمنه الدستور الاستراتيجى والحركى الأشهر للتنظيم، مؤلف «إدارة التوحش» لأبو بكر ناجى، الذى وضع خططاً مفصلة لاستغلال نقاط الضعف، والأزمات الاجتماعية والاقتصادية فى الدول العظمى، والعمل على زيادتها وتفاقمها، بغرض تفخيخ مجتمعاتها من الداخل.

ويقول كتالوج داعش فى كيفية تأصيله لاستراتيجية «النكاية والإنهاك» التى يمارسها ضد تلك الدول، إن هذه القوة الجبارة مدعومة بتماسك مجتمعها فى بلد المركز وتماسك مؤسسات ذلك المجتمع وشرائحه، فلا قيمة للقوة العسكرية الجبارة «الأسلحة والمقاتلين» بدون تماسك المجتمع وتماسك شرائحه، بل قد تصبح هذه القوة العسكرية الجبارة وبالاً على القطب العظيم إذا انهار تماسك كيان المجتمع» .

كما أن «عوامل انهيار هذا الكيان عديدة تتلخص فى عبارة عوامل الفناء الحضارى، ومنها المظالم الاجتماعية، وكلما كان القطب تجتمع فيه مزيج من هذه العوامل بصورة كبيرة، وتمتزج فيه تلك العوامل بصورة تنشط بعضها البعض، كانت سرعة انهيار ذلك القطب أكبر».

ويضيف أن هذه العوامل قد تكون موجودة بصورة نشطة أو موجودة بصورة خاملة تحتاج إلى عامل مساعد لتنشيطها فيسقط ذلك القطب وتسقط مركزيته، مهما كان يمتلك من القوة العسكرية، لأنه كما قلنا فإن قوة مركزيته المتمثلة فى القوة العسكرية الجبارة والهالة الإعلامية الكاذبة، لا تقوم بدورها إلا فى مجتمع متماسك».

مع ملاحظة مهمة أن «الضعف الاقتصادى الناشئ من تكاليف الحرب أو الناشئ من توجيه ضربات «النكاية والإنهاك» مباشرة إلى الاقتصاد، هو أهم عوامل الفناء الحضارى، وكذلك تطفو على السطح من خلال الضعف الاقتصادى المظالم الاجتماعية ما يشعل الحروب أو المواجهات السياسية، والفرقة بين شرائح كيان المجتمع فى بلد المركز».

ومن ذلك يمكن فهم محاولات التعبئة العامة التى يمارسها تنظيم داعش لـ»ذئابه المنفردة»، لاستغلال احتجاجات أصحاب السترات الصفراء فى فرنسا وزيادة خطورتها، كفرصة غير مسبوقة للتنظيم فى تفخيخ تلك الاحتجاجات، وتحويلها إلى كارثة إن أمكن.

فى نفس التوقيت لا تنفصل تلك الاستراتيجية التى ينتهجها داعش فى دول الغرب، عما أعلنه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فى واشنطن قبل أيام عن سياسة التنظيم محلياً، وأنه يستفيد بامتياز من الاضطرابات الموجودة فى معقل خلافته المركزية سابقاً، على أمل استردادها.

وأوضح المركز الأمريكى فى تقريره، أنه «فى الوقت الذى سارع فيه كثير من صناع القرار السياسى فى الولايات المتحدة إلى إعلان النصر على داعش، فإن المؤشرات تؤكد أنه يعيد تركيز تكتيكاته وهجماته ضد الأهداف الحكومية والقيام بعمليات اختطاف للحصول على فدى، وعمليات اغتيالات مستهدفة وتفجيرات باستخدام عبوات ناسفة».

وأن «التنظيم الإرهابى بدأ ينظم صفوفه، مستفيدا من حالة الاضطراب التى يعيشها العراق، فضلا عن الفساد المستشرى، والتوترات بين بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق».

وأشار التقرير الأميركى إلى أن «الحكومة العراقية لم تعالج العوامل المغذية للاضطرابات، بما فى ذلك الفساد المستشرى وإعادة الإعمار، والركود الاقتصادى، ووجود مساحات لا تخضع لسيطرة السلطات تشكل حاضنة جيدة لانطلاق التنظيم مجدداً».

وقدر التقرير وجود ما بين 20-30 ألف مسلح لدى داعش فى سوريا والعراق، مشيرا إلى أن عددهم فى العراق يتراوح بين 10و15 ألف مسلح.