منال لاشين تكتب: عملية السلطان عمران فى معاقبة بلتون

مقالات الرأي



 أجهض عملية البيع الوحيدة الكبرى التى شهدتها البورصة

 هدد بضياع 80 مليار جنيه من موازنة العام

عاقب الشركة قبل انتهاء التحقيق وقبل سماع دفاعها 

إذا تصورت أن المعركة بين رئيس الرقابة المالية الدكتور محمد عمران وشركة بلتون معركة تخصهما وحدهما، فأنت مخطئ. 
ولو تخيلت أن نتائج المعركة تخص البورصة أو سوق المال، فأنت لا تدرك الحقيقة. فتوابعها ستقع على رأسك ورأسى. لأن بيع شركة ثروة كابيتال محل الخلاف فتح الباب أمام الحصول على دولارات من الخارج. وبدون الاستثمار الأجنبى وبدون الدولار القادم لمصر، لن ينخفض سعر الدولار فى مصر وبالتالى لم تنخفض الأسعار ولم يشعر المواطن بأى تحسن. كما أن ضحايا السلطان عمران فى معركة شركة (ثروة كابيتال) تتضمن خططا حكومية ومليارات كان يجب أن تدخل موازنة دولة تعانى من الهزال والأنيميا الحادة وفى «عرض جنيه ودولار».
لكل ذلك تستحق معركة عمران وبلتون أن تحكى وأن تناقش وأن تحلل ونعرف عواقبها وتوابعها حتى نوقف سلسلة الأخطاء التى وقعت فى المعركة وجعلت المستثمرين الأجانب يتراجعون ويفكرون ألف مرة فى الاستثمار فى البورصة.

أصل الحكاية
يحاول عمران وقيادات البورصة وبعض رجال الاقتصاد فى الدولة إقناع الحكومة بطرح الشركات العامة فى البورصة لرفع كفاءتها وإنعاش السوق. وفى ظل هذه الأمنيات والدعوات قرر أصحاب شركة تسمى (ثروة كابيتال) طرح أسهم فى البورصة لزيادة رأس المال. والرقم المستهدف مليارين وهو أكبر طرح تشهده البورصة منذ فترة. وتولت عملية الطرح شركة بلتون وهى شركة اشتراها منذ فترة الملياردير نجيب ساويرس. واستطاعت بلتون أن تغطى الطرح وتمت العملية بسعر السهم 7.25 جنيه.. وكانت نسبة الطرح الخاص (للمؤسسات المحلية والأجنية) 90%. والطرح العام (للأفراد) 10% فقط. وبعد يوم أو اثنين باع بعض الأفراد- وضع مائة خط تحت كلمة بعض الأفراد- الأسهم الخاصة بهم بسعر أقل من سعر الطرح الذى وافقت عليه الهيئة العامة للرقابة المالية ورئيسها عمران. وهنا تسرب شك مشروع لدى المراقبين ولدى هيئة عمران. فربما تكون هناك أخطاء فى عملية التقييم أو الطرح. والشك من حسن الفطن. وانقسم السوق إلى آراء ترى أن حادثة خاشقجى وهبوط الأسهم الخليجية هى السبب وراء هذا البيع بسعر أقل من سعر الطرح، ورأى آخرون أن الأمر لا يزال طبيعيا خاصة أن المؤسسات التى اشترت الـ90% لم تشك أو تتظلم. وظهر اتجاه أخير أن هناك لعبة داخل شركة بلتون لخفض السهم حتى يدخل نجيب ساويرس ويشترى أسهم الطرح العام بسعر منخفض.. وأظن وليس كل الظن إثم أن هذه الشائعة سيطرت على عقل وتعاملات عمران فى الأزمة، فكان رد فعله عنيفا جدا ولا يتناسب مع حجم المشكلة أو الظاهرة.
 
السلطان عمران 
تصور أن تعاقب ويُشهر بسمعتك فى السوق قبل أن تنتهى التحقيقات معك وسماع أقوالك ودفاعك وردك وبمجرد تحقيق مبدئى. تصور ألا تعرف حتى لماذا تعاقب وأن تضطر أن تذهب للمحكمة حتى تعرف أسباب إنزال العقوبة بك ومن أنزل العقوبة بك. تخيل أن هذا يحدث فى سوق شديدة الحساسية مثل البورصة وفى وقت نحاول فيه بكل السبل أن نقنع المستثمرين الأجانب بالاستثمار فى مصر. هذا بالضبط ما حدث من السلطان عمران فى معركته مع بلتون. نزلت مجموعة من مراقبى الهيئة العامة للرقابة المالية إلى مقرات بلتون وفحصت أوراقا ومستندات كثيرة. وهذا من حق الرقابة المالية ورئيسها عمران. ولكن ما حدث بعد ذلك لا يحسب على الإطلاق لا لعمران ولا للاقتصاد المصرى. فقد انتظرت شركة بلتون أن يبلغها عمران أو مسئولو الهيئة بالملاحظات للرد عليها أو حتى أن ينفذ عمران القانون بتوجيهه إنذارا للشركة بإصلاح الخطأ (مادة 31 أ). ولكن ما حدث أن عمران قام بمعاقبة الشركة بناء على تحقيق وصفه عمران بأنه (تحقيق مبدئى). بل إن الهيئة التى يرأسها عمران طلبت من شركة بلتون الرد على اتهاماتها أو ملاحظاتها وذلك بعد أن قامت بالحكم على الشركة. وهذه عدالة معيبة ومثيرة للاستفزاز لأى مستثمر محلى أو أجنبى. وعلى الرغم من أن عمران وهيئته أرسلا الملاحظات متأخرة وحصرتها فى عدة نقاط. من بين هذه النقاط أن شركة بلتون لم تقم بإجراء التسويات فى شركة مصر للمقاصة. وقامت شركة مصر المقاصة بإرسال خطاب يؤكد كذب هذه الملاحظة أو الخطأ. مرة أخرى رأت هيئة عمران بأن شركة بلتون لم تخالف القواعد فى إجراء الطرح الخاص. وذلك على الرغم من أن عدم وجود قواعد قانونية محددة لإجراءات الطرح. واستعانت بلتون بالجمعية المصرية للأوراق المالية للرد على الهيئة.. وأخيرا قالت الهيئة إن العقوبات نتيجة شكاوى تلقتها من مواطنين اشتروا خلال الطرح العام البالغ 10%. ولو كان الأمر يخص شكاوى مواطنين كان من الأفضل إنذار الشركة بحل أزمة هؤلاء الشاكين لتعويضهم، وذلك من خلال صندوق استقرار سعر السهم. وهذا الصندوق التابع للشركة ملزم بتعويض كل من انخفض السعر عليهم، وذلك بدفع فارق السعر بين سعر الطرح والسعر الذى باع به المواطن. وأخيرا ذهب الطرفان للمحكمة. وحتى هذه اللحظة لم تقدم الهيئة قرار مجلس الإدارة بمعاقبة بلتون. لأن العقوبات لا تترك لرئيس الهيئة، ولكنها تقرر بأغلبية الثلثين فى مجلس الإدارة. ونظرا لخطورة العقوبة على الشركة والسوق كلها، فقد اشترط القانون أن يوقع كل عضو من أعضاء مجلس الإدارة بجوار اسمه على قرار العقوبة. وحتى الآن وعلى الرغم من معاقبة الشركة فلا أحد رأى القرار ولا عرف إذا كان قرار رئيس الهيئة أو مجلس إدارة الهيئة.

فاتورة عمران
لو كانت تصرفات أو قرارات عمران تجاه شركة بلتون سيدفع فاتورتها الشركة أو صاحبها نجيب ساويرس فقط لما اهتز لى جفن. فمواقفى السياسية والاقتصادية تجاه ساويرس معروفة، ولدى ساويرس من يدافع عنه. ولكن ما فعله عمران ضرب البورصة فى مقتل وأسهم فى انخفاض الأسهم واهتزاز السوق. وفى إضعاف ثقة المؤسسات الدولية المالية فى مصر وسوق مصر. وهذه فاتورة سندفع نحن ثمنها. فمرة أخرى لا تغلقوا الأبواب أمام الدولار والمؤسسات الدولية التى تشترى بالدولار وتساهم فى خفض سعر الدولار فى مصر. فالأسعار لن تعود لمستوياتها الطبيعة إلا بانحفاض سعر الدولار. ومن ناحية أخرى فإن انخفاض أسعار البورصة يؤجل طرح حصص الشركات العامة فى البورصة. وبذلك تضيع على الدولة أو الموازنة العامة هذا العام 80 مليار جنيه قيمة الأطروحات.
لهذا أرجو من السلطان عمران إعادة النظر فى سياساته ليس تجاه شركة بلتون فقط، ولكن تجاه كل الشركات. أرجوك المشرحة مش ناقصة قتلى.