مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية: الـ"CV" عند قدماء المصريين سجل لنا لمحات من التاريخ

أخبار مصر

الدكتور حسين عبد
الدكتور حسين عبد البصير - أرشيفية


قال الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، إن قدماء المصريين كتبوا سيرهم الذاتية بداية من عصر الدولة القديمة إلى العصر اليوناني – الروماني.

وأوضح في تصريحات إلى بوابة الفجر الإلكترونية، أن السير الذاتية لأجدادنا سجلوها على أسطح التماثيل واللوحات وجدران المقابر والمعابد والتوابيت والصخور. 

وأشار إلى أن جذور السير عميقة في التاريخ المصري القديم وربما تعود إلى لوحات الأسرة الأولى التي حمل أصحابها العديد من الألقاب مرورًا بلوحات حسي رع الخشبية من الأسرة الثالثة وصولاً إلى سيرة متن في بداية الأسرة الرابعة. 

وأضاف أن أول سيرة تقدم لنا نوعًا من الفن القصصي هي سيرة دبحن من نهاية الأسرة الرابعة، وفي الأسرة الخامسة، حيث يخبرنا صاحب السيرة كثيرًا عن نفسه، ويمكن تقسيم هذا النوع من السير إلى نوعين: "سير مثالية" تتفق كلية مع مفهوم "ماعت" الأخلاقي، وتقدم صاحبها بجمل تقليدية طويلة تعنى بإظهاره كشخص مثالي، والنوع الثاني يسمى "سيرة ذات حدث" ويصف صاحبها الخبرات والأحداث التي مر بها في حياته خصوصًا الوظيفية، ومن خلالها يمكن استممال حلقات التاريخ. 

ونوه بأنه منذ نهاية الأسرة الخامسة، بدأت السير تقدم حياة بيانات أصحابها الوظيفية بتفاصيل عديدة فصارت تتشابه مع ما يعرف بالـ CV حاليًا، حيث يسجل فيها خبراته وعهود الملوك الذين خدمهم، واستمرت حتى نهاية الأسرة السادسة. 

وأكدت سير الأسرة الخامسة، العلاقة المتفاعلة بين الملك والنبيل صاحب السيرة، على عكس سير الأسرة السادسة التي ركزت على أعمال أصحابها وكانت خير مقدمة لعصر الانتقال الأول. 

وعن الدلائل التاريخية من السير، لفت إلى أننا نجد أن سير عصر الانتقال الأول عبرت عن التشرذم السياسي الذي مرت به مصر في تلك الفترة العصيبة من تاريخها القديم، ومع توحيد البلاد في عصر الدولة الوسطى، ظهرت روح جديدة في السير تستند إلى القيم الأخلاقية. 

أما في عصر الدولة الحديثة فقد امتلأت السير بالأحداث التاريخية نظرًا لفتوحات مصر العسكرية في الشرق الأدنى القديم وأفريقيا، بينما لم تزهر السير كثيرًا في عصر العمارنة، على عكس عصر الرعامسة الذي شهد اهتمامًا كبيرا بالعقيدة الجنائزية؛ ذلك التوجه الذي يستمر ويزدهر في سير عصر الانتقال الثالث والعصر المتأخر والعصر اليوناني – الروماني.

وأشار إلى أن عددا كبيرا من الموظفين كتبوا سيرهم مثل الكهنة ورجال الدين والفنانين والأطباء والوزراء والموظفين المدنيين والعسكريين بدرجاتهم الوظيفية المختلفة والإداريين كالمشرفين على القصر الملكي أو الحدود المصرية أو بلاد النوبة. 

وأغلب من كتب سيرته الذاتية كان ينتمي إلى صفوة المجتمع المصري القديم، فلم نجد سيرًا تخص عامة الشعب، وكذلك لم تنتشر سير النساء من الطبقة العليا إلا في العصر المتأخر والعصر اليوناني – الروماني.

وعن طبيعة السير أردف أنها أظهرت المسؤول بصورة مثالية متوافقة مع أفكار ومعتقدات طبقة النبلاء المصريين، لإضفاء مسحة من التقوى والورع على صاحبها في أعين الآلهة وأفراد عائلته ومجتمعه والأجيال التالية؛ وذلك حتى لا تندثر سيرة الموظف وحتى يكون سجل إنجازاته الوظيفة فخرًا له ولعائلته.  

وذلك حتى يرث أفراد أسرته منصبه من بعده وحتى ينعموا بالامتيازات التي تمتع بها صاحب السيرة في الحياة الدنيا والتي يأمل أن تستمر بعد وفاته وأن ينعم بحياة أبدية سرمدية في العالم الآخر وألا تتوقف القرابين المادية من مأكل ومشرب عنه وعن مقبرته. 

وفي ختام تصريحاته، استكمل أن السيرة الذاتية كانت عبارة عن صورة الفرد وانعكاس للسياق الثقافي والاجتماعي للمجتمع المصري القديم، وكنتيجة غير مباشرة، ألقت تلك السير –بشكل عفوي- بأضواء كاشفة على التاريخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لمصر القديمة.