بيشوي.. "الفجر" تكشف المجهول فى حياة مطران دمياط فى زيارة خاصة لأسرته

العدد الأسبوعي

الأنبا بيشوى
الأنبا بيشوى


لا يعرف كثيرون سواء من الأقباط أو المسلمين عن الراحل الأنبا بيشوى، سوى لقبه الشهير «الرجل الحديدى»، كأحد رجال الكنيسة الأقوياء والذى تولى منصب سكرتير المجمع المقدس من عام 1985، إلى 2012، وكان واضحاً فى التعبير عن مواقفه وآرائه حتى لو خالف رأى البابا نفسه ولم تكن له حسابات فى طرح آرائه حتى لو فجرت أزمات.

ورغم القوة التى تمتع بها الأنبا بيشوى، إلا أنه كان يتمتع بجانب إنسانى لم يكن معروفاً بدرجة كبيرة، لأن جزءاً من هذا الجانب يخص الحياة التى قرر أن يفارقها حين تخلى عن اسمه المدنى، «مكرم إسكندر نيقولا»، بمجرد حصوله على ماجستير الهندسة من جامعة الإسكندرية عام 1968، وهو ما حاولت «الفجر» الكشف عنه من خلال زيارة خاصة إلى أسرة الراحل الذى غيبه الموت فى 3 أكتوبر الجارى، ومن خلال أصدقائه والخدام الذين عملوا معه.

بالنسبة لمنال أبادير، فالأنبا بيشوى، هو خالها الذى كان مسئولاً عن رعايتها بعد وفاة أبيها، عندما كان عمرها 5 سنوات، لذا اعتبرته فى مكانة أبيها، خصوصاً أن شقيقها الوحيد هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بعد تخرجه، «كنت بقول له يا خالو»، خصوصاً أن الأنبا بيشوى لم يطلب منها أن تناديه :»ياسيدنا»، ولكن بقية أفراد الأسرة أجبروها عندما كبرت على ترديد هذه الجملة عند مخاطبته مراعاة لمكانته الدينية، «كنت دائماً بارجع له فى كل أمور حياتى لأنى اختبرت آراءه ووجدتها صائبة دائماً وكأن الله يتحدث على لسانه وبعد زواجى اتخذه أبنائى وزوجى أب اعتراف لهم كما فعلت من قبل وكذلك كانوا يأخذون رأيه فى كل تفاصيل حياتهم».

كان عيد ميلاد بيشوى يسبق عيد ميلاد منال بأسبوع، لذا اعتادت منذ طفولتها على الاحتفال بالمناسبتين مرة واحدة، وهو الموعد الذى كان حريصاً عليه، حيث كان يزور منال فى منزلها، «كنت أحرص على إعداد الأطباق الدمياطية التى يحبها مثل الأرز المعمر والصيادية والشوربة» رغم أن الأنبا يميل للأكل الخفيف والخالى من الدهن ولا يحب المحمر أو المكرونة خصوصاً لو تضمنت «البشاميل».

تتذكر منال أنه فى إحدى زياراته للأسرة خلال «صوم الميلاد»، كان يقوم بحل مشكلة عائلية فأعددت مائدة تتضمن كافة أصناف الأسماك خصوصاً أنه ليس محرماً تناوله فى هذا الصوم، ولكنه أصر على حل الخلاف أولاً وبعدها رفض تناول الأكل لأنه كان صائماً وعندما لاحظ حزنها قال لها :»معندكيش شوية شيبسى؟.. حطى عليهم شوية مياه مغلية هيبقوا زى الشوربة وطعمهم لذيذ»، رغم أنه «كان بيحب الأكل البيتى مش أكل المطاعم».

تقول منال إن «بيشوى» قام بعدة تصرفات تدل على أنه كان يشعر بقرب وفاته، منها كتابة قصيدة منذ شهرين بعنوان «متى أراك»، وهى عبارة عن مناجاة لله يعبر فيها عن اشتياقه للقاء، و«كنا حددنا موعد خطبة بنتى ميرى لتكون بعد عودته من السفر، ولكنه تمسك بتقديم الموعد وبالفعل احتفلنا بالخطبة وصلى للعروسين..» وخلال سفره الأخير اتصل بى مرتين فى يومين ورا بعض ليطمئن علينا ودى أول مرة يعمل كده، وسأل عن كل فرد فى الأسرة وقال لى: «متخافيش يا منال أنا بصلى ليكم كلكم»، وعندما عاد نزل فى شقة خاصة بالإيبارشية بقرب منزلها حيث كانت معه عندما حانت الوفاة.

أما ميرى سامى، ابنة منال، وتعتبر الحفيدة الأولى، للأنبا بيشوى فتقول إنها كانت تعانى من عدم ترقيتها فى عملها أو زيادة راتبها ثم حصلت على عرض بوظيفة وراتب أفضل وعندما استشارته، رفض بشدة تركها للوظيفة وقال «ربنا هيعوضك» وبعد أيام فوجئت بقرار يعطينى جميع الترقيات التى لم أنلها بالإضافة لما يرتب على ذلك من زيادة فى الراتب.

أما السجل القضائى للأنبا بيشوى، فحسب محاميه الخاص رومانى ميشيل، فكان خالياً من أى نزاع يخص شخصه، باستثناء الدعاوى التى رفعها أشخاص يرغبون فى الطلاق الثانى، أما هو فكان يرفض مقاضاة أى شخص أساء إليه، أو انتقده، كما كان متواضعاً يدعو سائقه والعمال ومهندس الدير لتناول الطعام معه على نفس المائدة، وكان يقوم بخدمتهم بنفسه.

ويؤكد ميشيل، أن الأنبا، بيشوى فضل السكن أعلى سطوح مبنى بمنطقة مصر الجديدة، رغم أن أحد المتبرعين منحه شقتين مفروشتين على مستوى فندقى بنفس المبنى، إلا أنه رفض السكن فيهما حيث كان يعتبر غرفة السطوح كأنها قلاية «سكن الرهبان بالأديرة»، مشيراً إلى أنه منح ساعى المكتب مساعدة مالية كبيرة بمناسبة زواج ابنه الأخير، رغم أن الأنبا كان يراه للمرة الأولى، كما كان يرعى الراهبات ويعتبرهن بناته ويرفض استخدامهن للهواتف المحمولة، كما كان يهتم بالمتفوقات منهن فى اللغة القبطية.

يقول ميشيل، إن الأنبا بيشوى، أوصى بدفنه فى مدفن عادى بالدير، يضم رفات والدته، وألا يوضع فى صندوق، ولكن يدفن فى الرمال، وبعد عام يرفع فى مدافن الأساقفة بالدير.

ويؤكد ميشيل أن الأنبا بيشوى كان مكلفاً من البابا تواضروس بترأس الحوار مع الطوائف المسيحية لتوحيد الكنائس، وأنه كان متحمسا جداً على عكس ما يعتقد البعض، خصوصاً أنه يحب البابا تواضروس، وكان يبحث عن كافة الأمور المشتركة بين الطوائف والتى تدعم هذا الاتجاه ولكنه فى نفس الوقت كان يرفض بقوة أى شىء يتعارض مع الإيمان الأرثوذكسى.

ويوضح ميشيل مسألة أخرى تدل على مشاعر الرحمة التى كانت تملأ قلب الرجل بقوله إنه رغم شدته فى المسائل العقائدية إلا أنه منح الكهنة الموقوفين عن الخدمة، معاشاً، ليضمن لذويهم حياة كريمة وكان يقول: «نعاقب المخطئين.. لكن أسرهم وأبناءهم لا ذنب لهم».

ويضيف ميشيل إن الأنبا الراحل كان يحترم «إتيكيت الطعام» ولا يسمح بتجاوزه وأذكر أن أحد رجال الأعمال أعد مائدة مأكولات بحرية له وحضرنا جميعاً ولكنه لم يتناول الطعام الفاخر وأعطى أطباقه للموجودين واكتفى بتناول السطة الخضراء ببطء ليجارينا».

ويشير ميشيل إلى أن بيشوى شعر بالانكسار عندما توفى البابا شنودة، لأنه كان يعتبره والداً وليس مجرد رئيس للكنيسة، كما كان مقرباً من خليفته البابا تواضروس، وكان يحبه ويقدره، خصوصاً أنه توقع تولى الأخير لرئاسة الكنيسة رغم أن الأنبا بيشوى كان من بين المرشحين «بعد خروجه من المنافسة سألني: «فاضل مين فى الانتخابات» وكان صامتاً مع سردى لأسماء الموجودين فى المنافسة وعندما جاء اسم تواضروس قال: «آه الأنبا تواضروس دا إنسان كويس جداً وابن البابا شنودة وهيكون ناجح فى رئاسته للكنيسة».

ويحكى الدكتور جرجس صالح، أستاذ علم اللاهوت بالكلية الإكليريكية، صديق الأنبا بيشوى منذ أكثر من 50 عاماً، أن أول لقاء بينهما كان عام 1968، عندما جاء لدير العذراء السريان بوادى النطرون بمحافظة البحيرة، لقضاء خلوة تمهيداً لدخوله فى سلك الرهبنة، حيث كان صالح يتردد هو الآخر على نفس الدير ورغم أن بيشوى يكبره بـ10 سنوات إلا أنهما أصبحا أصدقاء، «جمعتنا جلسات بمكتبة الدير حيث عاون القمص شنودة السريانى -الأنبا يؤانس- أسقف الغربية فيما بعد، بإدارة المكتبة ولاحظت أنه شديد الذكاء والاطلاع ويحب القراءة خاصة فى اللاهوت وكان هادئاً ومتواضعاً».

ويضيف صالح إن بيشوى تنبأ بأن البابا شنودة سيتولى رئاسة الكنيسة بعد وفاة البابا كيرلس السادس، قال وقتئذ : «أكيد اللى هييجى البابا هو الأنبا شنودة أسقف التعليم، وعندما تم اختيار الأنبا بيشوى أسقفاً لدمياط ولرئاسة دير الشهيدة دميانة، رفض ولكنه اضطر للقبول بسبب تمسك شعب الكنيسة به، إذ كان يشعر بشكل واضح أنه لا يستحق هذا المنصب.

ويكشف صالح، عن جانب آخر من شخصية النبا بيشوى، بقوله ما يعرفه الكثيرون أن كثيرا من الفقراء سواء مسيحيين أو مسلمين كان ينتظرون بيشوى أمام مقر قناة مارمرقس، أو المقر البابوى، لطلب المساعدة منه لأنه كان ينفق على كثير من الأسر، وحينما كان يتولى رئاسة أى كنيسة أو إيبارشية كان يهتم بتخصيص جزء من إيراداتها للإنفاق على الفقراء، ربما لأنه كان يتيماً ويعرف طعم الحرمان، رغم أنه من أثرة ثرية، لأنه ينتمى لعائلة سيدهم بشاى أحد القديسين، حيث توفى والده وهو صغير وتولى عمه الذى كان نقيباً للمحامين فى دمياط، تربيته، ولذا أنفق ميراثه بالكامل على تطوير دير الشهيدة دميانة وتعميره.


آخر قصيدة كتبها الأنبا بيشوى

متى أراك يا حبيبى فاتحا لى الأحضان.

متى أجدنى يا حبيبى وقد نسيت كل الأحزان.

كتى تحيطنى بملائكتك فى طريق الأشجان.

وترفرف حولى بأنوارها فأحيا فى أمان.

هل أنسى حنانك وعطفك وغفرانك على مدى الأيام.

كنت طفلا ورسمت طريقا لحياتى لم يكن فى الحسبان.

أنت فخرى أنت عمرى أنت دربى أنت أملى والبرهان.

متى أجدك خلف الباب وفى عمق الكيان.

وتعبر بى كل الصعاب وأنهار الهوان.

لاشئ يفصلنى عنك ولو طال الزمان.

أنت أقرب إلى من نفسى وتعبير اللسان.