د. أماني ألبرت تكتب: استحواذ السوشيال ميديا

مقالات الرأي

د. أماني ألبرت
د. أماني ألبرت


الاستحواذ هو الانشغال بأمر معين، فكرة أو شعور أو عاطفة تهيمن على الشخص وتشغل تفكيره وتستولي علي مشاعره. وهذا ما تفعله وسائل التواصل الاجتماعي إذ يفضلكثير من الأشخاص دفنأنفسهمأمام شاشات هواتفهموالاندماج بعيدًا عن العالمالحقيقي في عالم موازي افتراضي.

دمرت وسائل التواصل الاجتماعي حياة عدد كبير من الأشخاص، الذين استخدموها بشكل مبالغ فيه. فبدلاً من التواصل مع الأصدقاء ومتابعة الأحداث مرة او مرتين أصبح دخولهم عبر حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي متكرر وترجح بعض الدراسات دخولهم أكثر من مئة مرة في اليوم. ويشير بعض العلماء إلى أن الهوس بوسائل التواصل الاجتماعي له آثار مدمرة مثل آثار إدمان المخدرات والكحوليات.

الاستحواذ عملية يندمج فيها الشخص لينصهر داخل بوتقة تفاعلية تجعله جزءًا لا يتجزأ من هذا العالم الافتراضي. وبدلاً من التواصل مع الآخرين لمشاركتهم الأفكار حلت وسائل التواصل محل التواصل وجها لوجه. كما استخدمها البعض لإلهاء أنفسهم وتخدير فشلهم و الآمهم العاطفية بوجه عام.

وتحولت حسابات الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصة للتعبير عن كل ما يتوارد لخاطرهم دون فلترة أو تفكير مسبق، مما أوقع أصحابها في الكثير من المشكلات، حيث لوحظ أن الأفكار المتواردة لا تخلو من كميات غضب مبالغ به أو سعادة زائدة دون مكابح تصنع توازن في المضمون المكتوب. 

هؤلاء أصيبوا بنوع من أنواع قلق التواصل، حيث أنهم متنبهين ومستعدين للرد على كل  إشارة ترد عبر حساباتهم. وبدلاً من الاسترخاء في التواصل، أصبح الشخص مترقب للاتصال أو الرد على الاخرين أو التحقق من اشعاراته كل دقائق.

وبينما يشعرون أنهم مقبولين اجتماعيًا ومحبوبين من خلال عدد الاعجابات والمشاركات والتعليقات، تسدد وسائل التواصل الاجتماعي فراغ داخلي يولد مشاعر للقيمة الذاتية. فيكررون التجربة مرة ومرات للحصول على نشوة المشاعر كما في الادمانات. 

تستحوذ وسائل التواصل الاجتماعي على الشخص حينما ينسحب من وسط الأصدقاء أو العائلة لينشغل بما عليها، وحينما تكون درجة انشغاله بها أكبر من اصغاءه لمن يحدثه، وحين لا ينتبه لمن يحدثه وجها لوجه ويكون تركيزه الأكبر على تفاعل افتراضي.

وبالإضافة إلى الأمراض التي يسببها كإجهاد العين والآم الرقبة ومشاكل الظهر تظهر آلام أكبر عمقاً إذ يفقد الشخص قدرته علىالاستمتاعبالحياةالحقيقية وبربط بين سعادته وحياته الافتراضية على وسائل التواصل الاجتماعي.

والتحدي الأكبر لأي شخص، هل يمكن أن تتخلى عن هاتفك لمدة 24 ساعة كاملة؟ هل يمكن ألا تدخل على مواقع التواصل طوال هذه الفترة؟