عادل حمودة يكتب:انقلابات التحرش فى بلاط صاحبة الجلالة

مقالات الرأي



الصحفى الذى دفع نيكسون إلى الاستقالة يهدد ترامب بالإقالة

قناة «دويتش فيلة» العربية تعترف بجريمة التحرش التى نسبت إلى يسرى فودة ولكنها لا تذكر اسمه

القناة يديرها صحفى فلسطينى يحمل جنسية إسرائيلية فشل فى توصيل رسالتها

لم يحزن أحد على فراق مقدمى التوك شو دون موهبة سوى السب والقذف ونهش لحم البشر على الهواء مباشرة

عندما يفقد الصحفى شهيته فى الكتابة يفقد رغبته فى الحياة.

الكتابة كالعشق وممارسة الحب يجب أن تحس بها جيدا لتمارسها جيدا.. هكذا.. وصفها أرنست هيمنجواى قبل أن يفقد شهوته فيها.. ويطلق على نفسه الرصاص منتحرا.

وتضعف مناعة الكاتب الصحية عندما تضعف رغبته الصحفية.. هكذا.. شخّص الأطباء مرض إبراهيم نافع وإبراهيم سعدة.. فحبر المطبعة حليب أسود يعيش عليه الكتّاب.. حسب وصف الروائية التركية الشهيرة أليف شافاق.

والمؤكد.. أن أجيالا أصغر سنا فى صحف وفضائيات متعددة وجدت نفسها مهددة بتلقى المصير نفسه بعد أن تقاعدت مبكرا بسبب تغيرات فى الملكية لا ذنب لها فيها.. ولكن.. من يملك المال يمتلك الرأى.

على أننا لم نحزن على فراق سارقى الضوء دون موهبة سوى السب والقذف وثقل الظل واحتراف الجهل وإهانة العقل وأكل لحم البشر على الهواء مباشرة.

ولكننا سنفتقد من خرج إلى العتمة ومعه لياقة الشخصية وأناقة الكلمة وعزاؤهم الوحيد أنهم كانوا آخر النجوم اللامعة.

ويمتد القلق فى عائلة الميديا إلى الدفعة الأخيرة من رؤساء تحرير الصحف القومية فهم يضعون أيديهم على قلوبهم خشية أن يلحقوا بمن سبقوهم قبل أن نحفظ أسماءهم إلا قليلا ونتعرف على كتاباتهم إلا قليلا.. فهل تغير القوانين يفترض تغيرهم إلا قليلا؟

ربما.. يتمتع الصحفى بثروة.. ربما يسعى لشهرة.. ربما يناور السلطة.. ولكنه.. لا يعرف طعم الحياة إلا إذا مارس الحرفة.

لقد طال عمر محمد حسنين هيكل حتى تجاوز التسعين لأنه لم يخذل مهنته لحظة واحدة وظل يلهث وراءها دون توقف.. ولكن.. ما أن قررت محركات القلب أن تستريح حتى وجد نفسه على عتبة الرحيل بعيدا إلى العالم الآخر.

لقد فقد منصبه لكنه لم يفقد مصادره وتفرغ للكتب بعد أن صدت فى وجهه أبواب الصحف فموهبته كانت أكبر من المصادرة.

ونافسه فى تطبيق الروشتة ذاتها الصحفى الأمريكى روبرت بيشور وودورد وشهرته بوب وود ورد الذى بدأ حياته المهنية فى جريدة واشنطن بوست متابعا لجرائم غش الأطعمة ولكنه بتفجيره هو وزميله كارل برنشتين فضيحة ووترجيت التى أجبرت الرئيس ريتشارد نيكسون على الاستقالة أصبح على القمة وعمره ثلاثون عاما وظل ممسكا بها ومتربعا عليها أربعين عاما دون أن يفقدها أو يغيب عنها.

على أن الشهرة التى نالها والثروة التى جناها والمكانة التى وصل إليها لم تفقده توازنه وظل مخلصا للتحقيقات الاستقصائية.. أصل المهنة وعمودها الفقرى وسر التفوق فيها.. إنها الوسيلة الوحيدة للحصول على المعلومات.. وكشف الأسرار.. وضمان المصداقية.. وبدونها يصبح الصحفى عضوا فى جمعية النبى الكذاب التى تبيع الأوهام لشخصيات ومؤسسات تعيش عليها.

تخصص وود ورد فى الكتابة عن سادة البيت الأبيض من نيكسون حتى ترامب كاشفا كيف يتخذون القرارات؟ وكيف يفسدون الحكومات؟ وكيف يتجاوزن القوانين؟ ونشر عنهم 26 كتابا ظلت على رأس قوائم أفضل المبيعات.

وضع كتابه الأخير «الخوف» ترامب فى حلقة ملاكمة نصبت له على غفلة منه.. تعرض فيها إلى ضربات قوية أصابته بالترنح فى وقت تضيق عليه تحقيقات روبرت مللر الخناق بعد أن نجحت فى قلب محاميه ومستشاريه عليه فشهدوا ضده وقربوه من حدود الإقالة بسبب رشوة ممثلات بورنو حتى لا يفضحن رئيسهن الذى أعتاد التحرش لفظا وجسدا.

ووصف ترامب ما فى الكتاب من حكايات سياسية بأنها وهمية ولكن ثقة الأمريكيين فى وود ورد جعلتهم يصدقون الصحفى ويكذبون الرئيس.

وحصل وود ورد على جائزة بوليتزر أهم جائزة صحفية فى الولايات المتحدة مرتين ولكنه يفضل عليها جملة نشرتها مجلة رولينج ستون الموسيقية وصفته فيها بأنه واحد من أكثر الصحفيين احتراما فى التاريخ الأمريكى.

لم يفتح وود ورد فى حياته الشخصية ثغرة يمكن للقوى الخفية فى بلاده التسلل منها لتدميره مثلما حدث مع صحفى كشف عن قضايا أشد خطورة مثل جارى ويب.

نجحت تحقيقات ويب فى الكشف عن فضيحة أكثر سواء من ووترجيت وإيران جيت وكل جريمة تنتهى بكلمة جيت.. قيام وكالة المخابرات المركزية بتمويل عصابات الكونترا المناهضة لحكوماتها اليسارية بأموال جنتها من تجارة المخدرات التى سمحت بتهريبها عبر الحدود وباعتها فى أحياء السود الفقيرة لتدمر أجيالا شابة فيها.

وراحت الوكالة تفتش فى تاريخه الشخصى حتى عثرت على علاقة جنسية عابرة مارسها لليلة واحدة مع عاهرة فكشفوا عنها ودمروا حياته العائلية وسمعته المهنية ورغم حصوله على جائزة بوليتزر فإنه طرد من صحيفته وبعد سبع سنوات أدمن فيها الخمر وجد مقتولا برصاصتين فى الرأس وسجل الحادث انتحارا دون أن يتساءل أحد: ألا تكفى المنتحر رصاصة واحدة؟.

إن الحرية التى يتمتع بها الصحفى الأمريكى بلا حدود ولكنها تفرض عليه أن يمشى فى حياته الخاصة على حد السيف أو يمشى على العجين دون لخبطته وإلا أفطروا به قبل أن يتعشى بهم.

فى تلك البلاد البعيدة ما إن يظهر سياسى أو يلمع كاتب أو يرشح رئيس حتى تبدأ ماكينات أجهزة التحرى الخفية والعلنية فى الدوران لتعرف الداية التى سحبته من رحم أمه والمعلمة التى عاقبته على غشه وسيجارة المارجوانا التى دخنها فى الجامعة والفتاة التى غرر بها، فالحرية هناك لها وجه آخر كاشف وفاضح ومدمر.

ذلك النوع من الحرية سيضع يسرى فودة فى موقف صعب وحرج ومهين لو صحت اتهامات التحرش التى وجهت إليه.

ما إن أنهى فودة عقده مع قناة دويتش فيلة الناطقة باللغة العربية بعد عامين من تقديم برنامجه «السلطة الخامسة» حتى انفجرت شبكات التواصل الاجتماعى باتهامات تطول ذمته المالية والأخلاقية وتهدد سمعته الشخصية والمهنية.

أفرطت تلك الشبكات بالحديث عن تحرشه بثلاث زميلات فى القناة على الأقل ادعت سوشيل ميديا إنهن تقدمن ببلاغات ضده إلى القضاء الألمانى بجانب تهمة أخرى وضعته فى شبهة الفساد المالى تتلخص فى استغلال مؤسسة للصحافة الاستقصائية تسمى «أريج» يشتبه فى أنها واجهة لأجهزة مخابرات أجنبية أعد لها تقارير تليفزيونية بيعت للقناة.

وصمتت القناة ولكنها لم تصمد وما إن انتقلت الاتهامات من المواقع المصرية إلى المواقع السويسرية حتى نسب للقناة بيان تعترف فيه بالوقائع ولكنها لم تذكر أسماءً وكان تبرير ذلك أن المسئولين عن القناة تكتموا على ما حدث حفاظا على سمعتها وعلى تمويلها فى وقت يرى كثير من الأحزب المشاركة فى الحكومة أن القناة لم تحقق انتشارا مؤثرا فى الشرق الأوسط وأن عدد مشاهديها يتراجع سنة بعد أخرى وليس فيها من البرامج ما يستحق المتابعة سوى برنامج جعفر شو الذى يستقطب الشباب.

يرأس كتلة دويتش فيلة منذ أول أكتوبر 2013 بيتر ليمبورج وهو صحفى شهير عمل فى قنوات تليفزيونية متعددة منها برو 7 وسات واحد وعمل مراسلا لهما فى أوروبًا الشرقية.

أما ميزانية الموجة الألمانية فتصل إلى 326 مليون يورو سنويا يقدمها البرلمان الألمانى الاتحادى (البوند ستاج) وتسأل عنها ماليا كاترين بودا رئيسة لجنة الثقافة والإعلام هناك.

ولكنها تخضع فنيا لما يسمى مفوضية الإعلام والثقافة وهى هيئة حكومية تشرف أيضا على أكاديمية الفنون والمتاحف ومعاهد جوتة لتعليم الألمانية ووظيفتها حماية الثقافة الألمانية فى الداخل والترويج لها فى الخارج.

وتضم دويتش فيلة شبكات تليفزيونية باربع لغات وراديو وأون لاين بـ 26 لغة وأكاديمية لتدريب الصحفيين بجانب تليفزيون على شبكة الإنترنت.

وسبق أن أنتجت دويتش فيلة برامج مشتركة مع قناتى «الحياة» و«أون تى فى» وقت أن كان يملكها نجيب ساويرس وظهرت على الشاشات المشتركة ريم ماجد.

بدأت دويتش فيلة مشوارها محطة إذاعية بثت برامجها فى 3 مايو 1953 وبدأ القسم العربى فى أول ابريل عام 1959 ثم انتقلت إلى التلفزيون ومنها إلى البث الإلكترونى.

يتكون مجلس الإدارة من 14 عضوا يمثلون نقابات ومؤسسات ثقافية ومنظمات المرأة وعضو من وزارة الخارجية بجانب شخصيات عامة مؤثرة ويحاسب المجلس المدير العام لكن المجلس لا يتدخل فى السياسة التحريرية.

ولا تزيد ميزانية القسم العربى عن 6 ملايين يورو سنويا لذلك فالقانون يسمح لها بتلقى تبرعات من مؤسسات ألمانية منها مؤسسات بحثية يعطيها القانون الحق فى تلقى تبرعات من جهات خارجية، وهنا يكون من السهل تمويل دويتش فيلة من دول خارجية لكن بشرط أن يمر التمويل عبر مركز من مراكز الأبحاث.

أختار يسرى فودة السلطة الخامسة عنوانا لبرنامجه فى إشارة واضحة لسلطة الفضائيات التى تجاوزت سلطة الصحافة أو السلطة الرابعة.

ولكن البرنامج قوبل بالغضب من جانب كتلة 30 يونيو التى انقلب عليها بعد أن ساندها، كما قوبل بالغضب من التنظيمات الإخوانية فى الخارج بسبب تحريض فودة على رئيسهم محمد مرسى قبل التخلص منه.

ولكن الأكثر عداء من فودة الدكتور علاء الأسوانى الذى يكتب على الموقع الإلكترونى للقناة مقالا أسبوعيا يقطر سوادا، وهو ما دفع القناة للبحث عن كاتب مصرى يقدم وجهة النظر المعتدلة ووقع الاختيار على عماد الدين حسين رئيس تحرير الشروق.

ويتولى رئاسة القسم العربى ناصر شروفة وهو فلسطينى من عرب 1948 ويحمل الجنسية الإسرائيلية وقد تعرض لهجوم حاد من صحيفة اليوم السابع واضطر السفير الألمانى فى القاهرة للدفاع عنه وتراجع شروفة عن زيارة كان سيقوم بها إلى القاهرة بعد هذا الهجوم.

ويدعى شروفة أنه يخضع للقواعد المهنية بعرض الرأى والرأى الآخر ولكن المشكلة فى رأيه أن بعض الدول العربية مثل مصر والسعودية لا تقبل المشاركة فى برامجها.

ولا شك أن ما نسب لفودة أصاب القناة بسوء فى وقت لم تحقق فيه الأهداف المحددة لها.. تعريف العالم العربى بما يجرى فى ألمانيا.. وشرح سياستها الخارجية.. ولكنها غذت بسياستها التحريرية الصراعات الإقليمية.. وتدخلت فى الشئون الداخلية.

وحسب ما نشر على صفحته الشخصية نفى فودة ما نسب إليه لكنه سرعان ما فقد أعصابه واصفا ما حدث بمعركة فرضت عليه، ولكنه لم يذكر كيف سيخوضها؟

وربما ينجو فودة جنائيا مما اتهم به ولكنه فى حاجة إلى وقت طويل لينسى الناس ما حدث خاصة أن القصة استقرت فى الذاكرة السوداء للإنترنت ولن تخرج منها إلا يوم القيامة.

وسبق اتهام فودة بالتحرش اتهام آخر نال كاتبا آخر فى صحيفة مصرية وصل إلى النيابة للتحقيق فيها ليصبح التحرش وباء يخاف منه الشخصيات العامة فقد أصبحت كل امرأة تعترض طريقهم أو تدخل مكاتبهم سلك كهرباء من الفولت القاتل يجب وضع علامة الموت عليه تحذيرا وتخويفا.