طارق الشناوي يكتب: لجان التحكيم وحسابات أخرى!

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي


أشارك فى واحدة من لجان التحكيم لاختيار الأفضل، ألقيت نظرة عين الطائر على الأسماء المشاركة فى التسابق، اكتشفت أن عددا منهم أعرفهم شخصيا، بل بعضهم بيننا ما يقترب من حدود الصداقة، ولم أكن أنا وحدى الذى تملكه هذا الهاجس، كل منا كانت عينه تصرخ بنفس الإحساس.

جاء الاقتراح المباشر بأن نحجب الأسماء؟ وجدناها حلا قاصرا، فمن السهل أن تعرف من خلال مراجعة العنوان فقط من هو اسم الكاتب، كما أنه ليس من المستبعد أن تتلقى تليفونا من هذا الصديق، يذكرك ولو بين السطور بأنكما كنتما ولا تزالان صديقين، وهكذا وجدنا أننا كلجنة ليس أمامنا سوى أن نمتثل لحكم الضمير، فلا مجال لصداقة أو عداوة مسبقة.

تحرص المهرجانات فى كل الدُنيا عادة عندما تختار لجان التحكيم أن توازن بين الجنسيات، مثلما وبقدر المستطاع، يتم التنوع الجغرافى، فى اختيار الأفلام، أحيانا تتنازل بهامش محسوب بدقة عن المستوى الفنى المطلوب، من أجل السماح بمشاركة دولة لم يكن لها تواجد مسبق على خريطة المهرجان، أو للتعبير عن تأييدها لموقف سياسى تحرص الدولة على إعلانه من خلال فعاليات تلك التظاهرة الثقافية، مثلما حدث مثلا فى أعقاب ثورات الربيع العربى، حيث كانت المهرجانات الكبرى مثل (كان) و(فينسيا) و(برلين) تضع على خريطتها أفلاما تؤيد من خلالها الربيع (الوردى)، طبعا قبل أن تتم إحالته إلى خريف (دموى)!.

هناك هوامش وتنويعات متعددة تقع فى هذا الإطار، نستطيع العثور عليها فى تناولنا لحساسية عضوية لجان التحكيم، الخاسر عادة لا يعتبر أن الهزيمة مستحقة، فهو يميل إلى توجيه الاتهام العنيف، للجان التحكيم، بعضهم يسارع فور إعلان النتائج إلى إطلاق ذخيرته الحية على اللجنة الظالمة، أو التى فى الحد الأدنى لم ترق إلى مستوى إبداعه الفز.

هذه المرة فى تلك اللجنة، كان التوجه لاختيار الأعضاء يقضى بتعدد زوايا الرؤية وتباين العيون، لدينا مخرج وكاتب وناقد ومدير التصوير وهناك من يجمع بين أكثر من تخصص، أتصور أن تلك خطوة رائعة للوصول إلى اختيار الأفضل.

عندما يخفت صوت الإحساس بالاتهام بالانحياز للبلد، فإنه من الممكن أن يعلو فى هذه الحالة صوت الاتهام بالانحياز للشخص ليحتل مقدمة (الكادر).

ويبقى المعيار الأساسى، وهو كيف يتم التقييم؟ البعض يتماهى مع نوع فنى أو توجه سياسى، وكثيرا ما عانينا فى التعامل مع الانحياز السياسى، وهو ما يؤدى للوصول لأسوأ نتائج، لديكم مثلا أحمد زكى بفيلميه عن الرئيسين جمال عبدالناصر وأنور السادات، هناك من حدد موقفه المسبق فنيا وقبل مشاهدة الشريط السينمائى تبعا لموقفه السياسى، بعض من تحمس مثلا لفيلم (ناصر 56)، كان يعنى فى عمقه انحيازا لزمن عبدالناصر، والعكس أيضا صحيح، وهو ما تكرر حرفيا مع (أيام السادات)، حتى إنى عندما كتبت مقالا منتقدا (أيام السادات)، رفض رئيس التحرير وقتها نشره حيث اعتبره نقدا موجها ضد السادات، بعد أن قطع الخط الفاصل بين (أنور السادات) و(أحمد زكى).

للموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب مقولة رائعة (لا شىء يقف أمام الأجمل)، المفروض فى الحياة وفى الإبداع (لا شىء يقف أمام الأجمل) سوى (الأجمل من الأجمل)!.