في مملكة "طويل التيلة".. الذهب الأبيض يتراقص على أنغام الحصاد

الاقتصاد

طفل يعبر عن فرحته
طفل يعبر عن فرحته بعد جمع القطن


اللوزة فين؟.. اللوزة اهي.. والنتفة فين؟ .. التنفة اهي.. والتالتة فين؟.. التالتة اهي.. وصولاً إلى "العشرة".. ثم يقول مُكباشك فين؟.. اهوًا .. حُطه في عِبك.. حطيناه.. واحمد ربك.. حمدناه.. واشكر ربك.. شكرناه.


خلال معايشة لـ"الفجر" في الأرض التي اشتهرت قديمًا بزراعة "طول التيلة"، غنى "الخولي" المباشر لأعمال الحقل، هذه الكلمات ورددها وراءه "جامعوا القطن" الذي يُمثل فيهم "الأطفال" قرابة الـ٩٩٪؜ الأغلبية للصبيان والبنات قليل، لتشجيعهم على العمل وحثهم على التفاني والإخلاص، طوال فترة عملهم التي تمتد من السابعة صباحًا وحتى الثانية ظهرًا تحت مظلة الشمس الحارة.


وتأتي مهنة جمع "الذهب الأبيض" ضمن المهام التي تعتمد بشكل رئيسي على "الأطفال" كأيدي عاملة وفيرة وزاهدة اقتصاديًا من حيث الأجور مقابل المشقة والتعب المبذولين. 

حيث يقوم الأطفال بجمع قائد صناعة الغزل والنسيج والمنافس عالميًا وسط نظائره لاشتهاره كما قولنا بالتيلة الطويلة ونصاعة البياض وخيوطه الناعمة، كما تعلمنا في الكتب المدرسية، وتبدأ عملية الجمع تحت إشراف الأنفار و "النفر" وهو حجر الأساس للمقاومة اليدوية ويقوم بمراقبة الأطفال وكشف بيضات الدود ويجمعها ليتم حرقها في نهاية اليوم، بينما "المُكباش": مجموعة من اللوزات ملئ الكف، وكثيرًا ما يضطر "الجامع" إلى وضعه بداخل ثوبه "عبه" سواء كان جلباب أو قميص، بلف "حزام" حول وسطه لضمان عدم سقوط ما جمعه. 


يستهل العمال عملهم بوجبة "فطار" يتناولوها قبل الذهاب إلى الأرض، وفي منتصف "اليومية" يُحضر لهم "الخولي" وجبة "غذاء" بسيطة يستطيعون بها إنجاز ما تبقى من يومهم، ويشارك "الأنفار" صغارهم والأطفال أثناء تناول الطعام جلوسًا على الأرض. 


وفي نهاية العمل، يتم وضع ما جمعوه من "القطن" في القناطير ويمتطي أحد "الأطفال" القنطار لكبس "المكابيش" التي شارك في جمعها الكثير من الأطفال بعد أن كانت "لوزات" مشتتة ليست لها قيمة وهي مُفردة وبعد جُهد شاق تتحول إلى قنطار يصل وزنه نحو ٥٠ كيلو جرام، ليُثبتوا لنا بالبرهان القاطع أن "الاتحاد قوة" وبالعامية المصرية "إيد على إيد.. تساعد". 


يأتي الساقي بعد انتهاء العمل ويتنفس الأنفار والأطفال "الصعداء"، ليشربوا شربة ماء ويتسارع الصغار كالعادة لينهلوا منها قبل نفاذ الكمية، ثم يصطف الأطفال في طابور ليبدأ "الخولي" محاسبتهم ليحصل الطفل الواحد على 60 جنيها مقابل اليومية، بينما "النفر" يحصل على 100 جنيها، ويسري العمل بنظام "الخط" الذي يتضمن صفًا من أشجار القطن، يلتزم به الطفل لينزع اللوزات من أعلى وأسفل، فإذا حدى عن ذلك وجد "عصا" من يراقبه تنال منه ضربًا، لكي يلتزم وردعًا لغيره. 




تدهورت زراعة القطن خلال الأونة الأخيرة، وشهد الذهب الأبيض معاناة على مستوى كافة المجالات المتعلقة به تجاريًا وصناعيًا، في وقت انعدمت فيه الرؤية تمامًا وافتقد السياسة القطنية تمامًا، مما دفع المتضررين إلي المطالبة بوضع خطة موحدة لكل موسم على حدة يقوم بإعدادها وزراء الصناعة والمالية ولجنة تنظيم تجارة القطن والشعبة العامة لتجارة الأقطان والاتحاد العام للمصدرين.

وكانت مصر تنتج 16 مليون قنطار فى الخمسينيات، إلى أن تراجع الانتاج في المواسم الأخيرة إلى مليون قنطار ونصف، في الوقت الذي تستورد فيه مصانع الغزل والنسيج، حاليًا، نحو 2 مليون قنطار من الأقطان والغزول قصيرة التيلة.

وفي تصريحات للدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، أكد أنه سيتم زراعة 100 ألف فدان من القطن خلال السنوات الثلاث المقبلة، وذلك تلبيةً لاحتياجات المصانع، بزراعة محلية، بدلًا من الاستيراد، وسيتم التنسيق مع مستثمرين زراعيين لزراعة هذه المساحة، على أن يكون ذلك تحت إشراف من مركز البحوث الزراعية، لما يتمتع به من خبرة في مجال الأقطان والبذور.