تفسير الشعراوي للآية 52 من سورة الأعراف

إسلاميات

الشيخ محمد متولي
الشيخ محمد متولي الشعراوي


{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(52)}.

أي لا عذر لهم في شيء من هذا الجحود؛ لأن الكتاب مفصل، وقد يقولون: إن الكتاب الطارئ علينا، وكذلك الرسول الذي جاء به. إذن فما موقفهم من الآيات الكونية الثابتة؟ لقد جحدوها أيضاً. {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ على عِلْمٍ}.

و{فَصَّلْنَاهُ} أي أنه سبحانه لم ينزل كلاما مجملاً أو مبهماً، لا، بل فيه تفصيل العليم الحكيم، أنه فصل أحكامه ومعانيه ومواعظه وقصصه حتى جاء قيما غير ذي عوج، وسبحانه هو القادر أن ينزل المنهج المناسب لقياس ومقام كل إنسان.

إنه حينما يأتي إلينا من يستفتينا في أي أمر ويحاول أن يلوي في الكلام لنأتي له بفتوى تبرر له ما يفعله، فنحن نقول له: ليس لدينا فتوى مفصلة؛ لأن الفتاوي التي عندنا كلها جاهزة، ولك أن تدخل بمسألتك في أي فتوى. {... فَصَّلْنَاهُ على عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 52].

وهناك أناس سمعوا القرآن ورأوا الآيات واهتدوا، فلماذا اهتدى هؤلاء وضل هؤلاء؟ لقد آمن من صدق بالوجود الأعلى كما قلنا في سورة البقرة: {ذَلِكَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2].

إذن فقد آمن بالقرآن من اهتدى إلى الحق، ومنهم من أوضح الحق عنهم: أنهم حين يستمعون القرآن تفيض أعينهم من الدمع. وأيضاً هناك من لا يلمس الإيمان قلوبهم حين يستمعون إلى القرآن. {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم مَاذَا قَالَ آنِفاً...} [محمد: 16].

وهؤلاء هم الذين غلظت قلوبهم فلم يتخللها أو يدخلها ويخالطها نور القرآن، لذلك تجد الحق يرد عيلهم بقوله سبحانه: {... أولئك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ واتبعوا أَهْوَآءَهُمْ} [محمد: 16].

ويقول سبحانه: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ والذين لاَ يُؤْمِنُونَ في آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى...} [فصلت: 44].

سبق أن ضربنا المثل بأن الفعل في بعض الحالات واحد، لكن القابل للفعل مختلف، لذلك تكون النتيجة مختلفة، وعلى سبيل المثال: إذا كنت في الشتاء، وخرجت ووجدت الجو بارداً، وشعرت أن أطراف أصابعك تكاد تتجمد من البرد، فتضم فبضتك معاً وتنفخ فيهما، وقد تفعل ذلك بلا إرادة من كل تدفئ يديك. وكذلك حين يأتي لك كوب من الشاي الساخن جداً، وتحب أن تشرب منه، فأنت تنفخ فيه لتأتي له بالبرودة. والنفخة من فمك واحدة؛ تأتي بحرارة ليديك، وتأتي بالبرودة لكوب الشاي، وهكذا فالفعل واحد لكن القابل مختلف. وكذلك القرآن فمن كان عنده استعداد للإيمان فهو يهتدي به، ومن لا يملك الاستعداد فقلبه غلف عن الإيمان.

وموقف هؤلاء العاجزين عن استقبال الرحمة غير طبيعي، وماذا ينتظرون بعد هذا الكفر، وبعد الافتئات وبعد الاستكبار وبعد التأبي وبعد اتخاذ الدين لهواً ولعباً، ما ينتظرون؟

ها هو ذا الحق سبحانه يوضح لهم العاقبة: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ...}.