مصطفى عمار يكتب: بدون عنوان

مقالات الرأي



الكتابة أصبحت ثقيلة، والرؤية شبه معدومة، لا أعرف هل حقيقى يقرأ أى شخص مسئول ما نكتب أم أن مصير ما نكتبه العدم! أجد نفسى أشبه بأحمد زكى فى فيلم «أرض الخوف» الذى ظل طوال عمره يجتهد ويخلص فى مهنته كضابط شرطة مندس وسط عصابات المخدرات بمصر، وبعد سنوات طويلة من التقارير والرسائل التى كان يرسلها لرؤسائه بالخدمة، يكتشف أن كل ما كتب لم يصل لأحد سوى موظف بسيط بالبريد كان يقرأ ما يكتبه بطل الفيلم الذى كتبه وأخرجه المبدع داود عبدالسيد، الآن فقط أتذوق تلك المرارة التى ملأت قلب البطل عندما أخبره عبدالرحمن أبوزهرة أن لا شىء من رسائله كانت تصل لأن العنوان المكتوب على الخطابات لم يستدل عليه.. ذهب مجهود البطل وكفاحه وتخليه عن مهنته الحقيقية كضابط شرطة، وبقيت حقيقة واحدة أنه مجرم وخارج عن القانون.. كتب عليه كره زميل له أن يحيى موصوماً بعار تجارة المخدرات، ليعيش حياته مطارداً من الشرطة التى ينتمى إليها فى الحقيقة..

مهنة الصحافة والإعلام أصبحت أشبه بحياة أحمد زكى فى أرض الخوف، فمن مسك على مهنته ورفض التفريط فيها أصبح منبوذًا غير مرحب به، ومن باع كل شىء واشترى مصلحته فقط لا أكثر ولا أقل، أصبح يعيش فى أرض الاطمئنان والنعيم والقرب.. الكاذبون يخرجون للصادقين ألسنتهم وهم شامتون فيهم، لأنهم يدفعون ثمن صدقهم، والفسادون يعايرون الشرفاء لأنهم يدفعون ثمن شرفهم وإيمانهم بقدسية المهنة وشرفها..

الندم لم يعد يصلح، وتغير المبدأ لم يعد متاحًا، والسكوت خيانة لمهنة لم تعد تقوى على أى فعل..

الجميع يشعر بأن « فيه حاجة غلط « لا يستطيع أى شخص مهما بلغت مكانته وسلطته أن يفسرها، هذه الحالة هى التى أصبحت مسيطرة وسائدة والجميع يتابعها وعلامات الدهشة والحزن تكسو القلوب قبل الوجوه!

فى كل مرة كنت أجلس لأكتب، لا أستطيع أن أسيطر على الأفكار لاختار منها ما أكتبه، لم يكن يعترض أفكارى أى حواجز أو رقابة، ولكن الآن أسأل نفسى هل ستمر هذه الفكرة أم ستقف أمام حواجز سوء الفهم! هل سيرضى عنها المسئولون أم سيتم وضعى فى خانة الأعداء والخصوم، هل أتحدث عما أراه خاطئًا أم أنه لم يعد من حقى الاقتراب من هذه المنطقة، هل أكتب فى الرياضة وأنتقد ما يحدث فيها من فساد فى اتحاد الكرة ولجنة الحكام والأندية الجماهيرية، أم أن هذه المنطقة حساسة وممتلئة بالخطوط الحمراء، هل أحلل جرائم القتل المتتالية والتى يتفه منها البعض ويضخمها البعض الآخر، أم سأجد من يتهمنى بأننى أبث الخوف والفزع فى نفوس القراء، هل أواصل ما أكتبه عن سوق الإعلام وما يحدث به، أم أننى سأجد نفسى متهماً بمساندة الفاسدين والتحريض على المسئولين عن ملف الإعلام، هل أتحدث فى السينما والأفلام، أم سيطولنى غضب السبكية ولعنات محمد رمضان وسب وقذف جمهور تامر حسنى على منصات مواقع التواصل الاجتماعى..

هل من المسموح أن أسأل عن سر عدم عودة برنامج لميس الحديدى أم يعتبر تدخلاً فيما لا يعنينى؟ هل أنتقد رحيل وائل الإبراشى عن قناة دريم أم أنها حرية شخصية لصاحب القرار ومن الممكن أن يزعجه ويعكر صفو مزاجه مجرد طرح مثل هذا السؤال..

هل أنتقد رضوى الشربينى وأهاجمها أم أننى سأكون وقتها بتشطر على الضعفاء وأترك من يستحقون النقد.. هل أنخرط فى الحديث عن العلاقة المثالية التى تجمع عمرو دياب بدينا الشربينى، أم أنها علاقة خاصة لا يجب الحديث أو الكلام عنها.. هل أساند زميلتى الصحفية فى البلاغ التى قدمته ضد زميل تتهمه فيه بالتحرش بها، أم أن مساندتى لها خيانة لحق الزمالة بأغلب من يعملون بهذه المؤسسة، وسيكون صمتى أيضاً خيانة لكل سيدة وبنت تدافع عن حقها ضد أى انتهاكات يتعرضن لها!

هل أشيد برسالة الأستاذ مفيد فوزى التى أرسلها لحمدى رزق رئيس تحرير المصرى اليوم وهو يسأله.. هل أنت رقيب علينا؟ أم سيعتبر البعض أننى أتهم حمدى رزق بأنه صحفى للنظام!

كل هذه الأفكار كانت تتدافع أمامى لأكتب عنها ولكننى توقفت لسبب لا أعلمه.. ربما يكون شعورى بأننى أعيش فى أرض الخوف!