بالأسماء والأرقام.. أوروبا تكافئ أعضاء داعش والقاعدة برواتب شهرية بالآلاف

العدد الأسبوعي

أشواق حاجي‮
أشواق حاجي‮


أبو همام الداعشى يطارد "أشواق" فى شوارع شتوتجارت بأموال دافع الضرائب الألمانى


لا تبدو المأساة الحقيقية فى قصة الفتاة العراقية الإيزيدية، أشواق حاجى حميد تالو، فى حظها العاثر الذى ساقها لترى جلادها ومغتصبها الداعشى وجهًا لوجه فى ألمانيا بعد نحو سنتين من هروبها منه.. الأكثر مأساوية أن المجرم يكافأ حاليًا على جرائمه البشعة، بل ويحظى بالحماية والرعاية من قبل دولة أوروبية عريقة.

صدق أو لا تصدق، إن الضحية والذئب البشرى، صارا يتمتعان بنفس الحقوق والاهتمام، بل وربما يتحصلان على نفس الإعانات الاجتماعية والمالية.

لو أن رجلًا داوم على اغتصاب فتاة قاصر فى ألمانيا واستعبادها جنسيًا وجسديًا على مدار 10 أشهر كاملة وأجبرها على تغيير دينها إلى الإسلام ولغتها الكردية إلى العربية قهرًا، بل والهجرة من بلدها إلى آخر (سوريا)، كما جرى لـ«أشواق» على يد الداعشى الغامض "أبو همام" لثارت ثائرة الساسة، ووضعت سلطات الأمن والأعضاء المعنيين فى الحكومة فى حرج بالغ ربما لن تحتويه غير استقالات بعضهم. 

لكن الضحية عراقية، والجلاد عراقى، والاثنان، وبغض النظر عن أى اعتبار يخصهما، ومن منهما مجنى عليه ومن هو المذنب فيهما، يظلان عبئًا على ألمانيا باعتبارهما لاجئين، ومن ثم فحالة الرعب التى انتابت الفتاة ودفعتها للفرار من ألمانيا والعودة إلى كردستان العراق لتنجو بنفسها من ملاحقات أبو همام، بعدما يئست من التمتع بأى حماية من الشرطة، إنما تبدو حالة مبررة للغاية، فكم هى قاسية لغة الأرقام والأنفار التى يتم إحصاء اللاجئين بها فى بلد أنجيلا ميركل.

ذروة الفاجعة فى قصة أشواق وأبو همام، أن الأخير نفذ بكل جرائمه إلى بلد عريق سياسيًا واقتصاديًا، متحديًا استخباراته وسلطاته الأمنية، والأدهى غاسلًا يده من دماء ضحاياه فى العراق، وقد يكون الأمر بالنسبة له استراحة مؤقتة سيبدأ بعدها من جديد فى تلبية نفير الدم ولكن هذه المرة فى بلد أوروبى.

وعمومًا، فأبو همام كشف عن نواياه سريعًا بمجرد أن وقعت عيناه على أشواق بالمصادفة فى شتوتجارت، حيث لاحقها وعرفها على نفسه، وقال لها "انتِ أشواق، كنتى معى فى الموصل".. و"أعرف ماذا تفعلين فى ألمانيا ومع من تقيمين وأين"..

حينما هرعت إلى الشرطة، ورغم أن كاميرات المراقبة العامة التقطت صورًا لأبو همام وهو يحادثها، إلا أن فكرة محاسبته أو إلقاء القبض عليه والتحقيق معه بدت خيالية بالنسبة للسلطات الألمانية، فهو لاجئ ولا يوجد دليل قطعى من وجهة نظرها يدينه.

صدمت أشواق، ثم سرعان ما فرت لتلحق بوالدها فى كردستان العراق معلنة شعورها بخذلان كبير فى ألمانيا، التى لن تعود لها مجددًا.

قصة أشواق مأساوية بلا شك، ففى بداية عام 2016، وكانت فى الـ15 من عمرها أسيرة فى يد الدواعش، قبل أن يشتريها أبو همام بـ"100 دولار" فقط، فى سوق للرقيق بشمال العراق، لتستعبد تحته قرابة العام، قبل أن تفر وعدد قليل من أسرتها إلى ألمانيا، ثم كانت صدمة لقائه بها مرة أخرى.

المضحك المبكى فى الحكاية، أن تمتع الإرهابيين بالحماية فى الدول الأوروبية، على طريقة أبو همام، ليست جديدة، فالأمر يعود لعقود.

لندن على سبيل المثال، عُرفت فى سنوات الثمانينيات والتسعينيات وبداية الألفية الثالثة بـ"لندنستان"، حيث كانت قبلة للكثيرين من قادة تنظيمات العنف والجهاد المسلح من مختلف بقاع الأرض، ناهيك بـ"الأفغان العرب".

عواصم أخرى كمدريد وبرلين وروما ظلت ملاذات آمنة لكثيرين.. مفتى الجهاد الأكبر الراحل عمر عبدالرحمن كان فى معية الإمبراطورية الأمريكية قبل أن تنقلب عليه.

الغرب كان يمنحهم الحماية والإقامة والإعانات احترامًا لقوانين مطاطة لديه تراعى اعتبارات حقوقية وإنسانية تارة، وتارة أخرى لاستخدامهم كأوراق ضغط وفزاعات تجاه دولهم الأصلية أو تجاه الأعداء. 

الداعشى أبو همام ينتمى إلى نوعية أخرى من الإرهابيين المحظوظين بالحماية الغربية.. دخوله إلى ألمانيا كلاجئ يكفى ويزيد. بل إنه يتحصل على إعانات مالية إلزامية طيلة فترة بقائه بالبلاد.

فحسب آخر إعلان حكومى رسمى ببرلين، يحصل كل لاجئ أعزب منذ بداية 2018، على  416 يورو شهريًا، تزيد إلى 473 إذا كان متزوجًا، إلى جانب إعانات الأطفال إن وجدوا، وتبلغ 270 يورو عن كل طفل تحت 6 سنوات، و296 للأطفال من 7 حتى 14 سنة، أما الأطفال تحت 18 عامًا فينال كل منهم  316 يورو.

أبو همام واصل إذن إرهابه ولو كان معنويًا حتى الآن بملاحقة أشواق بأموال الحكومة الألمانية، أو بمعنى أدق بأموال دافع الضرائب الألمانى.

فى ألمانيا وحدها تفجرت خلال الأشهر الماضية فضيحتان تتعلقان بحصول إرهابيين ومتشددين على إعانات مالية شهرية.

الفضيحة الأولى تتعلق بالحارس الشخصى السابق لزعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، وهو التونسى "سامى أ.".

هذا التونسى صاحب الأربعة وأربعين عامًا، والذى لازم بن لادن كظله فى أفغانستان بين عامى 1999 و2000، فشلت برلين فى ترحيله على مدار 12 عامًا كاملة، رغم تصنيفه من قبل الأمن على أنه يمثل "خطرًا شديدًا".

طيلة تلك السنوات كان يتحصل سامى على أحكام قضائية تستند إلى القانون الألمانى تحول دون ترحيله إلى تونس بزعم إمكانية تعرضه للتعذيب فى بلده الأصلى أو الحكم عليه بالإعدام، وهى العقوبة غير المدرجة فى القوانين الألمانية.

المثير فى القصة، أن سامى كان يحصل من بلدية مدينة بوخوم، محل إقامته، على 1200 يورو شهريًا. وظل هذا الأمر سريًا حتى تفجرت الفضيحة قبل أشهر.

الأدهى أنه مع زيادة ضغط الصحافة بعد الكشف عن الفضيحة اضطرت برلين إلى ترحيله، لينتفض القضاء مجددًا ويصدر حكمًا نهائيًا وباتًا بضرورة عودته، وهو ما أعلنت المستشارة ميركل بنفسها أنها ملتزمة به، وأنها تبحث ذلك مع تونس بشكل مباشر.

إذن ألمانيا تجاهد لتعيد إرهابى لتمتعه بالحماية وتغدق عليه من أمولها أيضًا.

أما الفضيحة الثانية فكانت للإرهابى صاحب الهوية القاعدية والداعشية المختلطة، رضا صيام. وهو من أصل مصرى، وكان يعرف لسنوات باعتباره من غلاة السلفيين فى ألمانيا، كما أنه تورط فى تفجيرات إندونيسيا عام 2002، حيث سقط أكثر من 240 قتيلًا، فيما كان يستخدم عمله كمراسل فى قناة الجزيرة القطرية كستار لعملياته المسلحة.

وأعلنت برلين قبل أيام تأكدها من أن رضا صيام قد لقى حتفه فى الموصل قبل عام حيث كان يشغل منصب رئيس ديوان التعليم لتنظيم داعش هناك وكان يلقب بـ"ذى القرنين"، غير أن إعلان وفاته اقترن باكتشاف فضيحة حصوله لسنوات على إعانة شهرية من قبل الحكومة الألمانية تقدر بـ3000 يورو.