رامي المتولي يكتب: "تراب الماس".. رؤية سينمائية تلخص فساد المجتمع

مقالات الرأي



المخرج منح الفكرة عمقًا ورؤية بصرية جعلت الفيلم الأفضل


تركة ثقيلة حملها طه «آسر ياسين» ابن حسين الزهار «أحمد كمال» والسبب أنه أضاء غرفة والده الغارقة فى الظلام وهو يمارس هوايته فى التقاط الفساد والقضاء عليه لكن الحلقات ضاقت حول الرجل العجوز القعيد الأمر الذى أدى فى النهاية إلى مقتله وحل مكانه ابنه الصيدلى الذى تحول لقاتل متسلسل تيمنًا بالوالد.

الجمال فى أن تمنح أى نص بعدًا سينمائيًا يمكن ملاحظته بوضوح فى فيلم «تراب الماس» الذى يقف وراءه بشكل أساسى 3 أسماء من الشباب أصحاب رؤى متقاربة وبالتالى تمكنوا من إجادة العمل معًا، مروان حامد مخرجًا وصاحب لغة سينمائية خاصة جدًا تعتمد على ما كتبه الروائى/ السيناريست أحمد مراد فى روايته التى تحمل نفس عنوان الفيلم «تراب الماس» ومدير التصوير الذى نفذ رؤية مروان المعتمدة لحد كبير على تفاصيل مرئية لها مدلولات مكتوبة فى النص، تنفيذ مشهد إضاءة طه لنور غرفة الوالد يؤكد على خصوصية «وجهة النظر» لفهم دوافع الشخصيات، فرؤية طه تختلف عن رؤية وليد سلطان «ماجد الكدوانى» تكرار نفس المشهد من عدة زوايا يعنى الكثير المرة الأولى من وجهة نظر طه الذى يدخل على والده ويفتح بتلقائية نور الغرفة ليشاهده مع منظاره المعظم يتلصص على شىء ما، الكاميرا هنا تلتقط الصورة من وجهة نظر طه ولجهله المريح بما يحدث وقتها ظن السوء فى والده ولم يبال، فى المشهد الثانى بعد سلسلة من الاكتشافات نفس الحدث يتكرر لكن من زاوية وليد سلطان والسرفيس «محمد ممدوح» هذه المرة الكاميرا تلتقط الحدث من زاوية الثنائى على الجانب الآخر ما بين المشهدين يقف حسين الزهار بنظارته الكاشفة يحمل من المعرفة ما يفوق الطرفان ابنه من جانب والضابط والبلطجى من جانب آخر.

معرفة حسين هى ما جعلته القاتل المتسلسل الذى أصبح عليه وهى المعرفة التى لا يمكن اختزالها فى مشهد سينمائى يمكن التعبير عنه بالصورة واستخدام الإضاءة كرمز يلقى بالكثير من الدلالات على سير الأحداث فى الفيلم، لذلك المساحة تتسع لسماع مذاكرات حسين الشاهد على مصر قبل وبعد ثورة يوليو وحتى وقتنا الحالى بكل تقلبات السياسة والمجتمع، ولكى يصبح صبى صائغ الماس صغيرًا ومدرس التاريخ كبيرًا قاتل يجب أن يحمل وجهة نظر متطرفة مثله كمثل الشخصيات التى تحمل نفس الصفات فى السينما، حسين أناركى يطبق العدالة بيديه ويعتقد أنه يخدم مجتمعه وقت أن توقفت العدالة عن خدمته لذلك يقتل بدم بارد ويعتمد بشكل رئيسى على ما جاء على لسانه فى مذاكرته التى تحمل وجهة نظره فيما حدث وينعكس فى الرؤية شديدة الحدة تجاه ثورة يوليو وما حدث فيكون هذا التطرف فى وجهة النظر ما أوجد حسين الزهار القاتل الذى قُتل بعد حين وحمل وابنه بدوره التركة الثقيلة.

إذن نحن أمام وجهات نظر كل شخصية تتصرف بناء عليها وكل شخصية تتحول لرمز ودلالة لسلوك مجتمعى سلبى فى معظمه حتى عند الشخصيات المفترض انها خيرة، الكل مدان سياسيون وافراد المجتمع وإذا حمل حسين الزهار مسئولية الانفلات المجتمعى على ثورة يوليو، فهو أيضًا قاتل ذاق من نفس الكأس الذى أسقاه سابقًا لأفراد من المجتمع ومدان فى أن جر ابنه لنفس الطريق، حتى المثالية مدانة فى شخص سارة «منة شلبى» والسلبية مدانة فى شخص فايقة «صابرين» لم يختص الفيلم شخصاً بعينه ليكون هو السبب فى التردى الأخلاقى ولكن تأتى النهاية لتمنح بعض السلام فى القدرة على التغلب على الرغبات المدمرة عند البشر، طه وسارة يكسران الدائرة ويحاولان التغيير، فلسفة الفيلم كلها قائمة على وجهة نظر ورؤية مروان كصانع يتحكم فى أدوات اكبر من التى يتعامل معها المخرج، ففى الوقت الذى خرجت فيه الرواية جماهيرية تحظى بقبول عند قطاع عريض من القراء واستخفاف فى التعامل معها ومع ما يقدمه مراد عامة من قبل نقاد الأدب، جاء مروان ومنح خطوطها العريضة عمقاً لا يمكن تجاهله ورؤية بصرية لا يمكن إلا ملاحظة تفاصيلها الدقيقة والوقوف أمامها بالتحليل لما تحمله من إسقاطات مع عناصر أخرى مساعدة على رأسها ديكور محمد عطية وملابس ناهد نصر الله ومونتاج أحمد حافظ وموسيقى هشام نزيه التصويرية، بصمة مروان فى كل تفصيلة من هذه التفاصيل يواكب جهد فنانيها ويوحد وجهة النظر حسب رؤيته لذلك يعد «تراب الماس» هو الأفضل فى هذا الموسم تحديدًا وفى 2018 حتى الآن.