سارة إبراهيم تكتب: عندما يصبح الماس ترابًا

الفجر الفني

سارة إبراهيم
سارة إبراهيم


من داخل الحمم البركانية الذائبة في باطن الأرض، تتم عملية تحول عنصر الكربون إلى أحجار "الألماس" الصلبة، حيث يبدأ تكوينها عند التعرض إلى الحرارة والضغط الشديد جداً تحت طبقات الأرض، وهو نفس المنطق الذي خضع له الإنسان على مر العصور، فالضغوط النفسية هي الحمم البركانية التي تتكون داخل القلب، وتنفجر في لحظة ما لتدمر كل شئ.

 

"تراب الماس" وسيلة اختارها الكاتب أحمد مراد، لتكون مفتاح بطل فيلمه المأخوذ عن روايته الشهيرة بنفس الاسم، للتخلص من الشعور بالظلم الدائم في وطنه، وأشار من خلال قصة الأب "حسين الزهار" إلى فترات تاريخية منذ ثورة 23 يوليو 1952 مروراً بثورة يناير عام 2011 ووصولاً إلى عام 2018، ليؤكد أن الفساد والسلطة وجهان لعملة واحدة.

 

في صورة مقسمة إلى أربعة أجزاء، لخص الكاتب قصته تحت شعار"عندما يصبح القتل أثراً إيجابياً"، في الجزء الأول "حسين الزهار" ونجله "طه"، وهما مثال تطبيق العدالة الغائبة ضد أعداء الوطن والفاسدين من أبطال الجزء الثاني، الذين تسببوا في وجود "السرفيس" مثال البلطجة المنتشرة في الشارع، وصولاً إلى الجزء الرابع وهو الإعلام الموجه.

 

إشارات خفية تضمنتها أحداث الفيلم، ساهمت في إبراز المعنى، ومنها وجود الغراب الأسود داخل منزل الأب الكائن في شارع بوسط القاهرة يسكنه أشخاص استحقوا الموت بسبب أفعالهم السيئة، وجملة "العدالة المفرطة ليست بعدالة"، التي ظهرت داخل مكتب النائب البرلماني "محروس برجاس"، حيث عبرت عن سياسة مختلفة عما يظهره في فترة جمع الأصوات الانتخابية.

 

تضمن الفيلم جرعة كبيرة من التمثيل، افتقرت إلى التعمق في الأحداث، وبعض الشخصيات الرئيسية لم تظهر ملامحها بقوة، بالرغم من تأثيرها في سلوك البطل، وبات ظهورها على الشاشة متكرر دون جدوى، وأبرزهم "شريف مراد" إياد نصار، إعلامي ركب موجة ثورة يناير برفع شعارات زائفة، و"بشرى صيرة" شيرين رضا، قوادة تجمعها علاقة بابن نائب برلماني.

 

على ناحية أخرى، وجدت شخصية الأب "حسين الزهار"، التي جسدها الفنان أحمد كمال، ببراعة فاقت الوصف، وسار الابن "طه" آسر ياسين، على خطاه مقدماً دوره بحرفية شديدة، ظهرت بقوة في معظم المشاهد، وشخصية مفتش المباحث "وليد سلطان" ماجد الكدواني، التي جسدها بأداء تمثيلي عميق وحقيقي، وشخصية "سارة" منة شلبي، التي تميزت بالبساطة والصعوبة في آن واحد.

 

"تراب الماس" يعد أحد الأفلام القادرة على جذب المشاهد دون جهد، فهو تركيبة جمعت بين النجاح الجماهيري والمحتوى اللائق، لكنه وقع في فخ "الأصليين"، آخر أفلام المؤلف أحمد مراد التي جمعته بالمخرج مروان حامد أيضاً، والذي تضمن فكرة جيدة سيطر عليها الغموض، وكانت النتيجة أن المشاهد أضاع الطريق المؤدية إلى مضمون الفيلم.