سوق الجمعة مول الغلابة في عيد الأضحى (معايشة)

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


الجميع ينتظر حلول صباح هذا اليوم، فيقبلون من كل حدب وصوب على السوق الذي يفتح أبوابه يومًا واحدًا في الأسبوع، يحاولون اللحاق بأفضل ما يعرضه البائعون وبأقل سعر مُتاح، يتجولون يمينًا ويسارًا، فتنساق أقدامهم خلف صوت كل بائع يستعرض بضاعته بصورة أفضل من منافسه.

فبالرغم من أن سوق الجمعة، يعد المقصد الأسبوعي الرئيسي للأسر البسيطة، إلا أن هذا اليوم كان استثنائيًا، فالزحام يملؤه لدرجة تمنع وجود ثغرة لقدم إضافية تمر، حيث أنها تعد آخر "جمعة" قبيل حلول عيد الأضحى المبارك، الذي يعد آخر ما تبقى لهم من أبواب السعادة التي يبتاعونها لأطفالهم وعائلاتهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها.

"الحتة بـ2 جنيه"، بهذه العبارة كان يردد "محمد" الذي يقف أمام عربة خشبية تملؤها الملابس من كل الأشكال والألوان، فيلتف الجميع حول بضاعته للتفتيش عن القطع ذات الجودة الأفضل، يحاول أحدهم الفصال في ثمن بنطال فيرفض البائع وينتهي الجدال بعزوف الزبون، بينما تتمكن سيدة من انتقاء بعض القطع من الثياب التي تتمتع بحالة جيدة، لتصبح هدية صغارها في العيد.




يسحب البائع قطعة ملابس صغيرة ليحمى جبينه بها من أشعة الشمس وسط ضجر لكون ما قام ببيعه لا يكفيه ليعود إلى منزله في محافظة سوهاج ليقضى عيد الأضحى مع عائلته "الفرشة دى عليها بضاعة بـ 300 جنيه ولسه ولا بعت حاجة تكفيني وعندي التزامات ونفسي أسافر في العيد بس مش هقدر".

وبجوار عربات البائعين، جلست "فاطمة" على الرصيف تكتوى بأشعة الجو الحارقة، تنتظر من يمر على بضاعتها في صمت، فحداثة وجودها لم تمكنها من الهتاف بصوتها المنخفض لعدم اعتيادها على متطلبات السوق، وبالرغم من نقابها الذي يخفي ملامح وجهها، إلا أن الحزن بدا جليًا على عينيها، والخجل يختلط بنبرة صوتها، فلم تكن تتخيل أن ينتهي بها الحال أمام قطع من الملابس القديمة، بعدما تكبدت العناء لسنوات حتى حصلت على شهادة البكالوريوس من قسم التاريخ بكلية الآداب.

وبالرغم من المسافة الشاقة التي تقطعها أسبوعيًا للوصول إلى السوق، منذ أن قررت شقيقتها أن تبيع ملابسها القديمة لسد رمق أسرتها بعد انفصالها عن زوجها، إلا أن الفتاة العشرينية خفضت سعر القطعة الواحدة من الملابس إلى 50 قرشًا فقط، على أمل أن تجذب رواد السوق بهذا المبلغ الضئيل.

لم تكن "فاطمة" وحدها من تعاني من قلة البيع، فعلى بعد أمتار قليلة منها، كان "محمود" يقف أمام بضاعته، يجول بعينيه داخل السوق تارة، وينظم الملابس التي يبيعها على عربته تارة أخرى، حتى يمر عليه بعض الزبائن، للتعرف على أسعار القطع المتراصة أمامه.




"لما بيعرفوا إن القطعة بخمسة جنيه بيمشوا"، هكذا يعاني الشاب الذي لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره، خاصة مع اقتراب حلول العيد، فما أن يحصل زبون على قطعة من الثياب بحالة مناسبة، يحاول الفصال لتخفيض سعرها قليلًا، فيضطر "محمود" لخسارة بعض الجنيهات لتسهيل بيع البضاعة قبل نهاية اليوم.

هذه المعاناة لم تقتصر على البائعين فقط، فالأسر البسيطة التي تتجول داخل السوق، لشراء قطع من الملابس التي تبث فرحة العيد في نفوس أبنائها، كانت تحاول بقدر المستطاع أن تنتقي القطع الأفضل من بين البضاعة المستعملة، ليتباهى بها صغارهم أمام أقرانهم دون أن يشعروا بنقص.




فمن بين زبائن السوق، كانت الحاجة "أماني" تتجول برفقة ابنتها تفند قطع الثياب الملقاه على الأرض، تبحث عن ملابس مميزة لحفيديها الأيتام، ليقوموا بارتدائهم في عيد الأضحى:"بس بقولهم إني بجيب اللبس دا من المحلات".

تحمل السيدة الخمسينية، مشترياتها فوق رأسها، ثم تبدأ في الانتقال من شراء ملابس أولاد نجلتها التي فقدت زوجها وتعيش معها، إلى بائع آخر تبحث لديه عن ملابس لجهاز ابنتها التي اقترب موعد زفافها، فما إن انتهت من قسم الملابس، اتجهت إلى بائع العطور، لتبتاع لها ولابنتها واحدة، فتتزينان برائحتها، خاصة بعدما علمت أن أرخصها لايتجاوز العشرة جنيهات.