في حوار خاص "حفتر" يحدد موقفه النهائي من الإنتخابات ويكشف حقيقة مطالبة روسيا بالتدخل

عربي ودولي




يقضي القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة بالقاسم حفتر، ساعات طويلة من يومه فى لقاءات وإجتماعات مع قادة الغرف والمناطق العسكرية ومتابعة سير أعمالهم، وذلك بمقر القيادة العامة للقوات المسلحة الليبيـة بمنطقة الرجمة، حتى أن مسألة إجراء حوار صحفي يستغرق سويعات قليلة قد يعد من الأمور الصعب تنفيذها.

يقول مساعدو المشير: "إن ساعات العمل اليومية لاتقتصر أحياناً فقط على هذه الجوانب إنما على جوانب أخرى تتعلق بعموميات تمس حياة المواطنين، حيث يلجأ البعض الى هنا محاولين البحث عن حلول تتعلق بمشاكلهم عندما يعجزون عن معالجتها أو إنجازها مع الجهات المختصة أو عند تقصير هذه الجهات معهم".

وأضافوا: "ذلك مايضع على القيادة عبئ إضافي يضاف لمسؤولياتها كون بعض هذه المشاكل ليست من نطاق إختصاصها، ولكن الانقسام المؤسساتي والخدماتي والمالي هو السبب، الذي يحوّل المختنقات الروتينية البسيطة كما يحدث فى أي بلد آخر إلى مشاكل كبيرة، وهو مايحتّم عليها المساعدة فى صياغة الحلول إنطلاقاً من واجبها الاخلاقي".

وقامت صحيفة "المرصد" الليبية بحوار مع المشير حفتر خلال نهاية الأسبوع، فى أول حوار من نوعه مع صحيفة إلكترونية ليبية حول مستجدات الساحة الليبية وملفاتها الساخنة بجنباتها الأمنية والعسكرية والسياسية والإقتصادية، إضافةً الى ملف مكافحة الإرهاب وحديث الساعة فى الأوساط الليبية عن موضوعي التدخلات الخارجية والإنتخابات القادمة.

وكان الحوار كالتالي:

- المشير أركان حرب خليفة بلقاسم حفتر، أهلاً بك فى هذا الحوار المباشر الأول لك مع صحيفتنا، وشكراً جزيلاً لقبولك الدعوة.

ورد "حفتر": أشكركم على هذه الدعوة وأهلاً وسهلاً بكم ، وإسمحوا لي قبل بدء الحوار بتوجيه التحية الى شعبنا الصابر على إلتفافه حول قواته المسلحة وإدراكه لحجم المخاطر والتحديات رغم كل الأزمات والضغوط الاقتصادية والمعيشية الصعبة المحيطة به من كل جانب، فتحية إلى أبناء شعبنا على كامل التراب الليبي فى مدننا وقرانا من أقصاها إلى أدناها.

الملف السياسي

س - دعنا نبدأ حوارنا من آخر إجتماعاتكم مع ضيف أجنبي يزوركم هنا، وهو وزير خارجية فرنسا (جان إيف لودريان)، ما هي الرسالة، التي حملها منكم الوزير ضمن مساعي الإليزيه لإحياء مبادرة لقاء باريس، الذي شاركت فيه شخصياً شهر مايو الماضي ؟

ج - أود أن أوضح أولاً أن تلك الزيارة لوزير خارجية فرنسا لم تقتصر على مقر القيادة العامة للقوات المُسلحة بالرجمة فقط، بل كانت ضمن محطات أخرى له قبلها وبعدها في طرابلس، وطبرق، ومصراتة.

أما بالنسبة للرسالة، التي حملها منّا الوزير فكانت حول تأكيدنا فى القيادة العامة للقوات المسلحة على ضرورة إجراء الانتخابات (الرئاسية والبرلمانية) كحل سياسي وحيد للأزمة السياسية الحالية وانقسام المؤسسات والمضي قدماً إلى مرحلة الاستقرار في 10 من شهر ديسمبر المقبل، كما جاء في إعلان باريس الأخير لاسيما وإننا نقترب رويداً رويداً من هذا التاريخ.

وأكدنا من جانبنا أيضاً على ضرورة تنفيذ الأطراف الأخرى في إعلان باريس لالتزاماتها الواردة في الإعلان لتهيئة الظروف والمناخ المناسب، وتوفير الاشتراطات التشريعية، والتنفيذية، والأمنية، واللوجستية اللازمة لإجراء العملية الانتخابية؛ لضمان حُريتها ونزاهتها والقبول بنتائجها من قِبل جميع الأطراف.

س ــ كنت من أوائل القيادات الليبية الداعية للانتخابات منذ شهر ديسمبر 2017، كمخرج للحل حتى قبل لقاء باريس فى مايو 2018. هل لازلتم على موقفكم أم أن معطيات جديدة طفت على السطح؟

ج ـ أولاً، أشكركم على التذكير بهذه المسألة؛ لأنها نقطة مفصلية لاسيما عند الرد على بعض التيارات السياسية، التي تحاول التشويش والتشكيك في القوات المسلحة، والأهم في هذه النقطة أنه في الوقت، الذي نؤكد فيه فى قيادة الجيش على ضرورة الاحتكام إلى إرادة الشعب عبر صناديق الاقتراع؛ لإنهاء الأزمة وإيجاد مؤسسات سياسية ثابتة وذات شرعية واضحة.

وتابع: فإننا نجد أن تلك التيارات، التي تمارس التشويش والتشكيك، وترفض وتعرقل الاحتكام إلى إرادة الشعب أو الانتخابات بعدة مبررات واهية لإطالة أمد الأزمة واستمرار معاناة الشعب الليبي، وزيادة تأزم الأوضاع السياسية، والاقتصادية، والأمنية، وللأسف نجد ان ذلك يحدث بدعم من بعض الأطراف الإقليمية والدولية، وهو ما نرى أنه ستكون له تداعيات سلبية وخطيرة على وحدة الدولة الليبية وأمنها القومي.

- أما عن الشق الثاني من السؤال المتعلق بمسألة ثبات موقفنا على الانتخابات؛ فهذه مسألة قطعية بالنسبة لنا فى قيادة الجيش؛ فنحن نرى في الانتخابات ـ رغم التحديات، التي تواجهها هي، أولاً: الحل الوحيد للأزمة الحالية لاسيما مع رغبة الكثير من الساسة في المؤسسات المتصارعة في استمرار المشهد الحالي من أجل البقاء، وتعنتهم على عدم تقديم أي تنازلات من شأنها أن تحقق حلاً سياسياً موضوعياً وواقعياً للأزمة (وهنا يجب أن نستثني بعض الساسة والنواب الوطنيين، الذين هم مصرين على تحقيق التغيير وتجديد المشهد السياسي من خلال الانتخابات في نهاية هذا العام؛ تحقيقاً للتداول السلمي على السلطة، ونحن على تواصل مستمر معهم.

أما ثانياً: فنحن نؤكد على الانتخابات؛ لأننا نرى فيها مخرجاً وحلاً عملياً لبعض المسائل والقضايا العالقة، والتي سببت إختناقاً سياسياً إلى يومنا هذا حال دون تحقيـق توافق سياسي حقيقي، كمسألة القيادة العُليا للقوات المُسلحة، وقد سبق لنا فى القيادة العامة للقوات المُسلحة أن قدمنا رؤية حول هذه المسألة، مؤكدين على أن القيادة العُليا للجيش لابد وأن تسند ـ حصرياً ـ لرئيس الدولة المُنتخب من الشعب، وهو الاتجاه المعمول به في كافة دول العالم.

س ــ يتهمكم الإخوان المسلمين وحلفائهم طيلة سنوات مضت بأنكم إمتداد لمشروع إستبداد وإنقلاب، ثم نجد إنهم يرفضون الانتخابات ويعرقلونها بحجج مختلفة بينما الجيش هو من يرحب باستكمال المسار الديمقراطي ويدعو إلى الإحتكام لإرادة الشعب باعتباره مصدر الشرعية والسلطات كما تفضلت. كيف تفسرون ذلك؟

ج ـ فيما يتعلق بالانقلابات فجماعتا الإخوان المسلمين والليبية المقاتلة والمتحالفين معهما هم من إنقلبوا (وبدعم من بعض الأطراف الإقليمية الراعية للإرهاب والفوضى في المنطقة) على المسار الديمقراطي ورفضوا نتائج انتخابات مجلس النواب والتداول السلمي للسلطة سنة 2014 بعدة حجج واهية لا يمكن أن تبرر الكم الكبير من الدماء الليبية، التي سفكت والانقسام السياسي، الذي حصل وكان الأرضية الناعمة للتدخلات الخارجية السلبية والضارة في الشأن الليبي، التي نراها الآن في الوقت، الذي تمكن الجيش (رغم حربه ضد الإرهاب) من تأمين الانتخابات في بعض المناطق، بل وأعلنّا وقفاً مؤقتاً للقتال حينها لتوفير الأجواء الانتخابية المناسبة للناخبين، كذلك فإن الجيش لم يتدخل قط في العملية السياسية سواءً على مستوى مجلس النواب أو الحكومة المؤقتة المُنبثقة عنه ووفر لهما الظروف المناسبة للعمل بكل استقلالية.

أما عن الاستبداد، فلا أعتقد بأن دعم وتمويل الفصائل الإرهابية المُتحالفة من (داعش والقاعدة وأنصار الشريعة والدروع)، تحت مسمى مجالس شورى الثوار يمثل لكل ذي عقل وفكر راجح شيئاً آخر غير الإستبداد والتطرف في صورته المتوحشة.

كذلك نحن نعلم كيف تورطت كتلتا العدالة والبناء والوفاء لدماء الشهداء وبعض اللجان النوعية بالمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته في دعم وتمويل الإرهاب عبر وكيل وزارة الدفاع آنذاك خالد الشريف، فضلاً عن تسفير بعض الشباب في ليبيا ودول الجوار للانخراط في صفوق التنظيمات الإرهابية في سوريا ومن خلال تورط وتواطؤ بعض الأطراف الإقليمية وسكوت أطراف من المجتمع الدولي، ولازالت هاتان الجماعتان تدعمان التنظيمات الإرهابية حتى الآن.

وإليكم مثلاً فى حربَنَا ضد التنظيمات الإرهابية بمدينة درنة، وكيف كانت الجماعتان تصدران البيانات تارة باستخدام إسم حكومة الوفاق كما لاحظنا عن عضو المجلس الرئاسي العماري زايد، وتارةً أخرى باسم مجلس الدولة الاستشاري، وأيضاً تصريحات المدعو نوري بوسهمين، التي اعترف من خلالها (بشكلٍ واضحٍ وصريح) بدعم الإرهابيين في بنغازي ودرنة، وغيره من قيادات العدالة والبناء والليبية المقاتلة.

وفي النهاية، فلا أعتقد أن من يكون سباقاً في الدعوة للانتخابات أمام الليبيين والعالم بأنه يدعوا إلى الاستبداد، وأعتقد بأن الحقائق باتت واضحة أمام الشعب الليبي، الذي بإمكانه (وبكل سهولة ويُسر) أن يحكم على جميع الأطراف.

س ــ ولكن من خلال إستقراء التاريخ نجد أن جماعة الاخوان المسلمين قد تحالفت مع الجيوش في عدة دول وأسقطوا سوية أنظمة منتخبة، وكان آخر الأمثلة عند ذلك الشهر الماضي عندما طالب إخوان الجزائر قائد الجيش هناك بالتدخل مباشرةً رغم ان السلطة لديهم منتخبة!

من هنا يسأل من يتابع شؤون هذه الجماعة، لماذا نجد أن الحالة في ليبيا معكوسة تماماً بحيث يطالب الجيش بالانتخابات ويرفضها الاخوان، فهل ترى أن وراء ذلك ضغوطاً من الدول الداعمة لهم ؟!

ج ـ هذا يؤكد أمراً واحداً، هو أن الجماعة وفي كل الأقطار العربية والإسلامية، تسعى دائماً لمصالحها وتضع نفسها فوق الأوطان، وإنها جماعة مكيافلية تبيح لنفسها استخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة لبلوغ أهدافها وتحقيق مبدأ التمكين، الذي يُعدُّ من أهم مبادئ عملها؛ ويظل لكل فرع للجماعة تجربته الخاصة للتمكين بحسب ظروف القُطر أو البلد، الذي يعيش فيه ذلك الفرع، فنجد أن التجربة في ليبيا مختلفة عن التجربة في الجزائر.

ففي ليبيا نجد أن الوحدات المسلحة أو الكتائب في النظام السَّابق كانت مرتبطة إلى حد كبير بهذا النظام بخلاف الوضع في الجزائر أو تونس أو مصر، التي تمكنت فيها الجيوش من اظهار استقلالية في مواجهة الأنظمة والتقيد بالمقاصد العليا للدولة الواردة في الدستور، وأولها سيادة الشعب، فضلاً عن التدخل العسكري لحلف الناتو، الذي دمر البنية العسكرية للدولة الليبية وهو ما ساعد الجماعات الإسلامية، كالإخوان المسلمين والليبية المقاتلة والقاعدة وداعش، وحتى التنظيمات المسلحة الأجنبية ذات الأصول الأفريقية، التي تنشط في جنوب ليبيا من تكوين ميلشيات مُسلحة تعمل على تحقيــق أهداف تتعارض مع أمن الدولة الليبية ووحدتهــا واستقرارها.

ومن هنا نجد، إن التجربة في الجزائر وتماسك مؤسسات الدولة والتفاف الشعب حول قيادته السياسية جعل الإخوان يفكرون على هذا الأساس، أما في ليبيا فإنهم يدركون أن الشعب الليبي يرغب في التوجه للانتخابات لصناعة شرعية جديدة وتجاوز كل المؤسسات الحالية المتصارعة، ويدرك الإخوان ومن تحالف معهم أيضاً بأن الشعب يحمِّلهم القسط الكبير من المسؤولية عن تأزم الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، وعلاقتهم بالتنظيمات الإرهابية، وإعلائهم لمصالح الجماعة فوق مصلحة الوطن، وبأنهم يرفضون الدولة الوطنية ومؤسساتها من جيش وشرطة وقضاء، وبأن الشعب يدرك خطورة هذا الأمر على مستقبله ومستقبل الأجيال القادمة.

س ــ هل ترى أن المقترحات المتداولة مؤخراً بشأن تشكيل حكومة وفاق جديدة بأنها مقترحات مُجدية، أم ان هذا الأمر لن ينتج سوى مشهد جديد لا يقل بؤساً عن حكومة الوفاق الحالية خاصة مع تجاوز اتفاق باريس للحديث عن هذا الأمــر وتحوله إلى وثيقــــة دولية بمباركة مجلس الأمن لها؟

ج ـ في الفترة السابقة قدمت القيادة العامة للقوات المُسلحة رؤيتها حول الحل السياسي من ضرورة إيجاد حكومة وحدة وطنية، ومجلس رئاسي جديد من ثلاثة أعضاء يمثل الليبيين تمثيلاً حقيقياً باختلاف مناطقهم، ويكون رئيسه منفصلاً عن الحكومة ضمن آليات وإجراءات واردة بالمبادرة، ولكن مع قرب شهر ديسمبر نرى أن الوقت بالكاد يكفي لتجهيز الاشتراطات اللازمة لإجراء الانتخابات أمام تقاعس السياسيين عن الحل والتدخل الأجنبي السلبي في الشؤون الداخلية.

وفي النهاية، فإن القيادة العامة ستكون مع كل حل سياسي عملي من شأنه حل الأزمة وتخليص المواطن من المعاناة وانتعاش الاقتصاد الوطني.

س ــ السيد المشير، ما تقييمك الشخصي لكل الأجسام السياسية الحالية التشريعية والتنفيذية، وأين يكمن الخلل فيها ؟

ج ــ الأجسام الحالية صارت متفرغة تماماً للصراع السياسي وليس لمشاكل المواطن، وهي عاجزة عن العمل، وأصابها التشظي، ونذِّكر هنا بأننا نستثني دائماً بعض الساسة والنواب من هذا الحديث، وأعتقد بأنكم لو سألتم المواطنين ستجد أن غالبيتهم يرغبون في التغيير وتجديد المشهد السياسي.

س ــ في ظل الشائعات المتداولة. كيف هي العلاقة مع رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح؟

ج ـ علاقتنا مع رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح ممتازة، فالمستشار صالح داعم وبقوة للقوات المسلحة، وهو رجل وطني وتحمل عقوبات دولية من أجل ثباته على مواقفه، ونحن نقدر له ذلك.

س ــ ايطاليا قالت إنها ستعقد مؤتمراً جديداً حول ليبيا الخـريف المقبـل وستدعــــوك للمشاركة به، فيما رأى البعض أن هذا المؤتمر ليس سوى مناورة لقطع الطريق على مخرجات لقاء باريس والبحث عن حل آخر بعيداً عن الانتخابات للحفاظ على مصالحها خاصة مع المجلس الرئاسي في المنطقة الغربية، أولاً: هل ستحضر؟ وبرأيك تحت أي بند تندرج هذه الدعوات، ثانياً؟

ج ـ أولاً، لابد أن نذكر الجميع بأمر مهم، وهو أن القيادة العامة للقوات المسلحة كانت السباقة على الجميع، وعلى إعلان باريس، والخطة الأممية، التي أعلنها د/ غسان سلامة في الدعوة للانتخابات، ونحن ندرك أن الشعب الليبي يرغب سريعاً بإجراء الانتخابات وبأن المؤسسات المتصارعة صارت غير قادرة على صناعة التوافق بينها، وبأنها إستنفذت كل الفرص، التي منحتها البعثة الأممية عبر مبعوثيها المتعاقبين، ولذا صار الاحتكام إلى إرادة الشعب صاحب المصير والقرار ضرورياً للخروج من هذا المشهد البائس والعبثي.

ولذلك فإننا فى القيادة العامة نرحب بكل المبادرات الدولية المقدمة من الدول الصديقة والشقيقة تحت مضلة الأمم المتحدة، والتي تدعو إلى إجراء الانتخابات في أقرب الآجال، بحيث يكون لليبيا رئيساً وبرلماناً جديداً تم انتخابهما عبر الشعب ويباشران مهامها مع مطلع العام 2019.

أما الرؤية، التي تستند إلى تأجيل الانتخابات لسببٍ أو لآخر فلا نرى فيها إلا استمراراً في الوضع الحالي المتأزم وزيادةً في معاناة المواطنين وإرتهان المشهد الليبي للأجسام السياسية المتصارعة، التي لم ولن تقبل عملية التغيير أو التجديد في المشهد السياسي، وستعمل على عرقلتها ومقاومتها.

س ــ هل ستترشحون للانتخابات الرئاسية؟ وهل هناك مخاوف على الجيش في حال ترشحكم ومن ثم عدم الفوز؟ وفي حال عدم ترشحكم فما هي مواصفات المرشح، الذي سيحظى بدعمكم؟

ج ـ ما نفكر فيه في الوقت الحالي هو إنقاذ ليبيا وتخليصها من الإرهاب، وتأمين حدودها، وجعلها بلداً آمناً مطمئناً يعيش فيه أهله بسلام ويتمتعون بخيراته التي منحها لهم المولى عز وجل، وأنتم تعلمون جيداً أن المعركة مع الإرهاب ما زالت مستمرة ونريد التركيز في هذا الاتجاه.

أما الجيش فهو متماسك وعلى قلب رجلٍ واحد، ولعلكم رأيتم وسمعتم بحجم التضحيات، التي قدمها ولا زال يقدمها الضباط وضباط الصف والجنود والمجموعات المساندة من أجل الوطن والحق.

س ــ بالنظر لتضحيات القوات المسلحة والقوات المساندة لها والأجهزة الأمنية طيلة السنوات الماضية فى معركة سحق الإرهاب، هل تتفق مع من يرى بأن حجم وجسامة هذه التضحيات لا يتلاءم مطلقاً مع الأداء السياسي والحكومي للجهات السياسية التشريعية والتنفيذية ممثلة في مجلس النواب والحكومة المؤقتة؟

ج ـ بدايةً، يجب أن ننطلق من القول؛ إن العلاقة بين القوات المسلحة والبرلمان والحكومة المؤقتة مبنية على أساس الاحترام المتبادل، وكلٌ يسعى لخدمة الآخر بما يصب في مصلحة الوطن والمواطن.

ولكن، وكما تعلمون بأن حجم تضحيات الجيش وأجهزة الأمن والقوة المساندة كان كبيراً بالمقارنة مع المؤسسات الأخرى، فعدد الشهداء تخطى 7000 شهيداً فضلاً عن آلاف الجرحى ومبتوري الأطراف والمفقودين، وهو ما أثر على أسرهم، الذين نكن لهم كل تقدير واحترام.

س ــ بالعودة إلى جماعة الإخوان، هل تؤيدون صدور قانون يقضي بحظر نشاط الجماعة، وهل تعتقد بأنه سيكون لهم حظوظ في أي انتخابات قادمة؟

ج ـ القانون رقم (3) لسنة 2014 بشأن مكافحة الإرهاب يحمل الإجابة على السؤال، فنصوص هذا القانون حددت صور ومظاهر العمل الإرهـــابي، ونصصت على العناصر المُحددة للجماعة الإرهابية، ويفترض أن أي جماعة ترتكب أي عمل وارد بهذا القانون تُعد جماعة إرهابية، فالمسألة تستند إلى ضوابط القانون وليست للآراء الشخصية أو السياسية.

وبالتالي؛ يفترض في أي جماعة ترتكب أعمالاً إرهابية إنها محظورة وممنوعة عن مباشرة أي نشاط سياسي.

س ــ ما رأيكم في مسودة الدستور، هل تعتقدون إنها تلبي طموحات الشعب الليبي وتراعي حقوق المؤسسة العسكرية، وماهو سر تمسك الإسلاميين بالاستفتاء عليه رغم مايحيط به من لغط بحسب رأيك؟

ج ـ هناك مختصين في الشأن القانوني والاقتصادي والاجتماعي والقضائي على صلة وثيقة بالقوات المسلحة، وهم سيقدمون لنا رأيهم العلمي والفني كاملاً على مشروع الدستور قريباً.

س ــ المتحدث العسكري باسم القيادة العامة للقوات المسلحة عميد أحمد المسماري صرّح نهاية الأسبوع الماضي لصحيفة سبوتنيك الروسية، بما مفاده "أن الوضع في ليبيا يتطلب تدخلاً من روسيا والرئيس بوتين شخصياً لإبعاد إيطاليا وتركيا وقطر"، فما هو تفسيركم لهذا الأمر لاسيما وأن وسائل اعلامية معادية لكم وضعت تأويلات وتفسيرات متطرفة لهذه التصريحات في محاولة يبدوا ان المراد منها تشويهكم، كما لاحظنا أن هناك صحف ووسائل إعلام دولية تناولت هذا الخبر تحت عناوين ساخنة مثل: "روسيا تسعى للدخول لمعارك جديدة، وقيادات في ليبيا واليمن تطلب تدخلاً روسياً للمساعدة". هل تطلبون تدخلاً عسكرياً روسياً بالفعل؟ 

ج ـ بدايةً يجب أن نوضح بعض الحقائق، وهي أن القوات المُسلحة الليبية تسيطر الآن على ما يزيد عن 80% من الجغرافيا الليبية، فضلاً عن غالبية المنشآت النفطية من حقول وموانئ، بالإضافة إلى الحدود الشاسعة مع كل من مصر، وتشاد، والنيجر، والجزائر، وأن كل ذلك تحقق بجهود عسكرية ليبية صرفة، وقد قدَّمت القوات المُسلحة تضحيات كبيرة في كافــة صنوف القوات البريــة، والجوية، والبحريــة وأن رقعة سيطرة القوات المسلحة قابلة للازدياد؛ لأن هناك بعض المناطق، التي تنشط فيها التنظيمات الإرهابية والمرتزقة الأفارقة لاسيما في الجنوب الليبي، والتي تسعى القوات المسلحة إلى تحريرها وتطهيرها من هذه المجموعات.

بالإضافة إلى إننا ندرك أهمية الحاضنة الاجتماعية ودعم الشعب والتفافه حولنا، وبأننا في وضع أفضل بكثير من الميلشيات المسلحة، وبأن القوات المسلحة ضاعفت من حجم قواتها من خلال الكليات والمعاهد العسكرية، التي تعمل على تخريج الآلف من الضباط وضباط الصف والجنود، بالإضافة إلى أن وحدات الجيش منتشرة في كل ربوع البلاد؛ ولهذا فإننا لسنا في حاجة لأي تدخل عسكري من أي دولة، بل إننا على نعتمد على وحدات جيشنا، ونثق بقدراتنا العسكرية الليبية في الدفاع عن أراضي الدولة، وشعبها، ومقدراتها.

صحيح إننا نتطلع إلى تعاون أمني مع كافة الأطراف في المجتمع الدولي، التي تحارب الإرهاب؛ لأننا ندرك بأن هذه الآفة تتطلب تعاوناً أمنياً باعتبار أن الإرهاب هو جريمة عابرة للحدود قبل كل شيء.

أما ما ثار من لغط حول تصريحات المتحدث العسكري حول تصريحه في تلك الصحيفة الروسية، فنرى بأن التعاطي مع هذا التصريحات في بعض وسائل الإعلام المحلية، والدولية خرج عن السياق والمقصد الحقيقي من هذا التصريح، ومفهوم كلمة التدخل، التي لا تتجاوز معنى الدعم السياسي للقوات المسلحة لاسيما في إطار مكافحة الإرهاب ورفع حظر التسليح عن القوات المُسلحة، ولم يكن المقصود من التدخل هو التدخل بالمعنى العسكري؛ لأننا لسنا بحاجة إلى هذا النوع من التدخل بعد أن أصبحنا نسيطر على ما يزيد عن 80% من أراضي الدولة الليبية، وثقتنا الكبيرة من دعم الشعب الليبي لنا ورغبته القوية في تواجد الجيش في كل مناطق ليبيا.

ولعلكم قرأتم التوضيح، الذي تقدم به المتحدث العسكري في صفحته الرسمية حول المقصود من التدخل الروسي بقوله "إن هذا التدخل يمكنه أن يتحقق عبر ثلاثة طرق أولها، الأمم المتحدة لرفع حظر التسليح عن الجيش الليبي، وثانيها، دعم إجراء الانتخابات في ديسمبر المقبل، وثالثهما، مناقشة إيطاليا في تدخلها في الشؤون الداخلية لليبيا".

س ــ ما موقفكم من تصريحات السفير الإيطالي، الذي تحدث عبر وسيلة إعلام ليبية عن رفض إجراء الإنتخابات وفق الجدول الزمني في إعلان باريس (أي في ديسمبر القادم وهو ما يتطابق مع خطة المبعوث الأممي السيد غسان سلامة) وقوله: يجب تهيئة الظروف المناسبة قبل إجراء الانتخابات ومنها إنجاز الدستور؟

ج ـ أولاً، ليس من حق السفير الإيطالي وأيَّ مسؤول أجنبي أن يتدخل في هذه المسألة، التي هي ملك لليبيين فقط، وقد خرج الليبيين في كل مناطق ليبيا (طرابلس ، وينغازي، والزاوية، وطبرق، وصبراتة وغيرها من مدن وقرى ليبية) مطالبين بضرورة إجراء الانتخابات في نهاية هذا العام، بعد أن أيقنوا رفض المؤسسات السياسية المتصارعة لعملية تغيير المشهد السياسي والتداول السلمي للسلطة وعرقلتها لها، وهو وضع بات يُهدد وحدة الدولة، وأمنها، واقتصادها، ويزيد من حجم التدخلات الأجنبية في شؤونها.

علماً بأن القيادة العامة للقوات المسلحة كانت السبَّاقة للمطالبة بضرورة الاحتكام لإرادة الشعب عبر صناديق الاقتراع للخروج من الأزمة، وأن مصير الليبيين يجب ألا يبقى رهينة لأولئك السياسيون.

وتمثل تصريحات السفير الإيطالي استفزازاً واضحاً للشعب الليبي وتدخلاً سافراً في شؤونه الداخلية، وقد عبر الليبيين في مختلف الميادين عن رفضهم لهذه التصريحات، وأعلنوا عن تمسكهم بإجراء الانتخابات في ديسمبر المقبل كحل وحيد للخروج من الأزمة الحالية، والقيادة العامة للقوات المسلحة تعتبر هذه التصريحات مخالفة لاتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، والأعراف والتقاليد الدبلوماسية، كما إنها تعتبر أن أيَّ محاولة لتعطيل الانتخابات غايتها هي إطالة أمـد الأزمة، واستمرار حالة الانقسام والفوضى، وازدياد معاناة الشعب الليبي.

وتُعد هذه التصريحات للسفير الايطالية متعارضة مع السيادة الليبية ومبدأ الملكية الوطنية للعملية السياسية، ونحن نرى بأن السفير الإيطالي بات غير مرغوباً فيه من قِبل غالبية الليبيين، وبأن السياسة الخارجية لإيطاليا باتجاه ليبيا باتت تتطلب اصلاحاً وتغييراً جذرياً يتأسس على التقيد الحرفي (والفعلي) بكامل اتفاقية الصداقة والشراكة والتعاون، التي وقعت بين بلدينا عام 2008 بما يضمن مستقبل أفضل للعلاقات على مستوى البلدين والشعبين.

الجانب الأمني والعسكري 

س ــ ما تقييمكم للوضع الأمني في المناطق المحررة؟ وأين يكمن الخلل، الذي تسبب في ثغرات مكنت الارهابيين من شن هجمات متكررة على مناطق الوسط ومحيط اجدابيا وداخل بنغازي كما حدث في هجوم مسجد بيعة الرضوان؟ وهل يكمن الخلل في الجانب المخابراتي أم في نقص الامكانيات البشرية والمادية أم أن هناك أسباب أخرى لاسيما أن البعض يتهم مخابرات دول أجنبية تناصب العداء لكم كقطر على سبيل المثال بالتخطيط لهذه الهجمات؟

ج ـ تدركون أولاً بأننا لسنا في ظروف عادية كما هو حال الدول والجيوش الأخرى، فنحن بدايةً نحارب الإرهاب ونبني القدرات الدفاعية والأمنية، ونقاتل بإمكانيات محدودة بسبب الحظر الجائر المفروض على القوات المسلحة، ورغم ذلك فإننا نجحنا إلى حدٍ كبير في الانتصار على الإرهاب والقضاء على عناصره وقياداته، ولذلك ترى أن بعض المنظمات الدولية المعنية بترتيب الجيوش العالمية وضعـــت ترتيباً متقدماً للقوات المسلحة الليبية على مستوى جيوش قارة أفريقيا وهو الترتيب التاسع ونتطلع إلى ترتيب أكثر أهمية، ونحن نثق في جيشنا الوطني في تحقيق هذا الارتقاء.

أما عن تلك الاختراقات الأمنية فهي موجودة في كل دول العالم ودول الجوار رغم ما تتمتع به من امكانيات كبيرة تفوقنا بكثير، أما فيما يتعلق بتواطؤ أجهزة مخابرات بعض الدول الإقليمية في التخطيط لتلك الهجمات، فإننا نعي حقيقة العلاقة بين هذه الأطراف وتلك التنظيمات الإرهابية ليس في ليبيا وحسب، بل في المنطقة، وسواءً كانت تلك الدول متورطة في التخطيط لتلك الهجمات أم لا؛ فإن علاقتها بتلك التنظيمات من خلال التمويل والدعم قائمة، وهذا ما يكفي لاتهام تلك الدول بعمليات زعزعة الأمن والاستقرار.

س ــ إذاً هل تعتقد أن حظر التسليح المفروض على ليبيا من المجتمع الدولي، الذي يحظر أيضاً استيراد بعض المعدات التقنية غير القتالية قد ساهم في خلق هذه الثغرات، وتمكين الارهابيين من تنفيذ هجمات راح ضحيتها مئات العسكريين والمدنيين؟

ج ـ من الطبيعي أن يؤدي حظر التسليح إلى نتائج سلبية فيما يتعلق بقدرة الجيوش في مكافحة الإرهاب، ولكننا استطعنا بفضل شجاعة وثبات جنودنا، ودعم الشعب لنا من تحقيق انتصارات كبيرة ومهمة، وتحرير أجزاء كبيرة من البلاد، فضلاً عن نجاحنا في الاستحواذ على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر التي كان يحوزها العدو.

وللأسف، فحظر التسليح له تداعيات سلبية على أمن دول الجوار والمنطقة، ولذا فإننا نأمل أن يتفهم المجتمع الدولي هذا الأمر ويراجع موقفه من حظر التسليح المفروض على الجيش الوطني، الذي دائماً ما نقـــول بأنه جيش لكل الليبيين وليس لمنطقة أو قبيلة أو جماعة، ويتكون من كل أبناء ليبيا.

س ــ ما تقديركم تقريباً لعدد عناصر تنظيمي داعش والقاعدة على مستوى كامل التراب الليبي بعد هزيمتها في كامل المنطقة الشرقية وتراجعهم من سرت وبقاءهم في محيطها؟

ج ـ لا توجد أرقام دقيقة حول هذه المسألة، ولكننا نقدر تقريبياً أعداد عناصر هذه التنظيمات الارهابية على كامل التراب الليبي بين 10,000 إلى 20,000 فرد إرهابي.

س ــ ما تقييمك لعملية البنيان المرصوص ونتائجها ضد تنظيم داعش في سرت، هل ترى ان العملية نجحت في إطارها المحدد ألا وهو جهود مكافحة الإرهاب أم انها تحولت الى مشروع سياسي ذي أبعاد أخرى كما يقول البعض؟

ج ـ بدايةً أستمطر شآبيب الرحمة على أرواح كل الليبيين، الذي استشهدوا في ميادين القتال ضد هذه التنظيمات الارهابية من أفراد الجيش الوطني والأجهزة الأمنية والقوات المساندة، والشباب، الذين قاتلوا تحت لواء عملية البنيان المرصوص.

وبالتأكيد، فقد استطاعت العملية افتكاك مدينة سرت من قبضة التنظيم الإرهابي، ولكننا نحذر من توجه بعض التيارات السياسية كالإسلام السياسي من تجيير نتائج هذه العملية لتحقيق أهداف سياسية، ونحن نعتقد أن قيادات وأفراد عملية البنيان المرصوص هم متيقظون لهذا الأمر.

س ــ بالحديث عن التنظيمات، الوضع في الجنوب معقد جداً، وقد تحول إلى ساحة خلفية لمختلف التنظيمات الارهابية نظراً للطبيعة الرخوة للمنطقة، أضف إلى ذلك وجود المعارضة التشادية المسلحة، وتشير التقارير إلى أن أقوى أجنحتها يتلقى دعماً من قطر ليكون شوكة في خاصرة ليبيا من جهة، وفي خاصرة الرئيس إدريس ديبي من جهـــة أخرى، حتى أنه اضطر لقطع علاقات بلاده مع الدوحة. مايقود إلى اسألة مركبة  هل هناك تنسيق مع الرئيس ديبي بالخصوص، وأين وصلت جهودكم في تأمين الجنوب، وما هي معوقات عملكم، هل هي التشعبات الفكرية والقبلية من جهة والمصلحية من جهة أخرى؟ أم قلة الامكانيات أم المخططات الأجنبية أم ماذا؟

ج ـ بالنظر للوضع الأمني في الجنوب، فهناك فصائل مسلحة أجنبية متعددة، فهناك المعارضة التشادية وهي متعددة الأجنحة، وهناك المعارضة السودانية، وهناك معارضة مسلحة للنيجر ومالي تتخذ من بعض مناطق الجنوب الليبي قاعدة لها، وفي السابق أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة أمراً لتلك الفصائل بمغادرة ليبيا خلال مدة، والقوات المسلحة وسلاح الجو الليبي يتعامل مع أي مجموعات تتحرك من هذه الفصائل في الصحراء أو مناطق الجنوب، وقد سبق لسلاح الجنوب أن سدد ضربات دقيقة لتلك الميلشيات مما رتب خسائر كبيرة في صفوفها على مستوى العتاد أو الأرواح.

وتحاول بعض تلك الفصائل أن تستغل الجانب الاجتماعي وعلاقات القرابة مع بعض مكونات الجنوب للبقاء أو لعرقلة عمليات الجيش، ونحن نقدر حساسية تلك المسألة، ونطلب من القبائل التعاون معنا بما يساعدنا على ابعاد تلك الفصائل عن الأراضي الليبية، كما تقيم تلك الميلشيات الأجنبية المسلحة تحالفات مع التنظيمات الارهابية كتنظيم القاعدة.

وكما قلتم، فإن قطر تستخدم تلك الميلشيات لاسيما بعض أجنحة المعارضة التشادية كجناح تيمان أرديمي، الذي كانت الدوحة تستضيفه وتقدم له الأموال للضغط على نظام الرئيس التشادي ادريس ديبي اتنو، الذي تربطنا به علاقات جيدة كبلد جوار تربطنا به حدود كبيرة، وقد سبق لتشاد كما تفضلتم أن أعلنت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، كما سبق وأن ذكر وزير خارجية تشاد بأن دولة قطر تستخدم الأراضي الليبية للقيام بأنشطة معادية وتهدد الأمن القومي التشادي.

س ــ بمناسبة الحديث عن الوجود الأجنبي فى ليبيا، قبل عامين أقامت ايطاليا مشفى عسكري في قاعدة مصراتة الجوية سرعان ماتحول قاعدة عسكرية ايطالية بها قوة لا يقل قوامها عن كتيبتين قدمت من الجنوب الايطالي بحسب ما أعلن "لواء ساساري" المتمركز فى صقلية، وبدوركم زرتم روما فى 26 سبتمبر الماضي وقابلتم وزيرة الدفاع الايطالية السابقة روبيرتا بينوتي، فهل دار معها حديث بخصوص موقفكم الرافض لهذا الأمر؟ وما كان تبريرهم لذلك؟

ج ـ ذكرنا للإيطاليين بأن وضع هذه البعثة العسكرية أمر يتعارض مع سيادة الدولة الليبية، وبأن وجودها يخالف الإعلان الدستوري والقوانين الليبية، التي تنص على ضرورة موافقة البرلمان الليبي على أية اتفاقية، وأن حكومة ايطاليا تحصلت على موافقة البرلمان الايطالي بينما المجلس الرئاسي ورغم عدم صدور قرار بالإجماع كشرط لصحة هذا الإجراء إلا أنه أهمل دور البرلمان الليبي.

وهذا الإهمال هو ما يبطل هذا التصرف، فضلاً على مخالفة ذلك لمعاهدة الصداقة والتعاون بين البلدين الموقعة عام 2008. وإن هذا التصرف يذكر الليبيين بالحقبة الاستعمارية المريرة،التي بدأت من عام 1911، ويؤثر سلباً على العلاقة بين الشعبين.

ومن جهة أخرى، فإن عملية البنيان المرصوص قد انتهت بعد الإعلان عن تحرير سرت، وكان من المفترض أن تغادر البعثة العسكرية، التي ارتبطت بالمشفى الميداني ومع ذلك استمرت البعثة وتم تعزيزها بعناصر اضافية، فضلاً عن ورود معلومات بإنشاء بعثات عسكرية إيطالية في بعض مناطق الجنوب الغربي، ولكن بفضل الوطنيين في هذه المناطق أجهض هذا التحرك رغم استمرار حالة التهديد، وقد أبلغنا عن طريق المتحدث العسكري بأن القوات المسلحة ستعمل على تنفيذ واجباتها بحماية أراضي الدولة وسيادتها واستخدام كافة الإجراءات والوسائل الممكنة لتحقيق ذلك.

س ــ في يوليو المنصرم بحث عضو الرئاسي أحمد معيتيق مع وزيرة الدفاع الايطالية الجديدة سبل تجهيز مستشفيات عسكرية ايطالية جديدة في مستشفى على عمر عسكر اسبيعة جنوب مطار طرابلس، وفي مستشفى طب الفضاء والأعماق بقاعدة امعيتيقة. ما موقفكم من هذا الطلب، وهل تعتقدون بأنه مقدمة ودعوة جديدة لإحتلال وتوسع عسكري إيطالي في ليبيا؟

ج ـ أولاً، ليس من حق أحمد معيتيق أو فائز السراج التفرد بقرارات المجلس الرئاسي بما يخالف الاتفاق السياسي من أجل تحقيق مصالح ضيقة لهما أو لإيطاليا على حساب ليبيا، كما إننا ندرك جيداً كيف يتم استخدام المسائل الإنسانية كذريعة للتدخل العسكري. ثمَّ، إذا كان السيد معيتيق جاداً في تحقيق الخدمات الطبية لأهالي طرابلس فبإمكانه استجلاب أطباء يعملون في المستشفيات الليبية دون الحاجة إلى فكرة المستشفيات العسكرية التي بات ذريعة للوجود العسكري الذي يرفضه جميع الشرفاء من الليبيين.

وإذا كانت الحجة هي في حماية الأطقم الطبية الإيطالية، فالسؤال: أين وزارة الدفاع ووزارة الداخلية التابعة للمجلس الرئاسي، التي تصرف عليها الأموال الطائلة في ميزانية الترتيبات المالية الطارئة؟! وبعبارة أخرى: أين هو الجيش في المنطقة الغربية، الذي يتكلمون عنه في المجلس الرئاسي ومجلس الدولة الاستشاري؟!

إن مسألة الوجود العسكري هذه مخالفة للقانون، وتتعارض مع سيادة ليبيا، وتهدد أمن الدولة الليبية ووحدتها، ويجب على كل الشرفاء في طرابلس والمنطقة الغريبة أن يعبروا عن رفضهم لذلك.

س ــ ولكن أنتم أيضاُ يتهمكم خصومكم وحتى وسائل الإعلام الموالية للإسلام السياسي بأنكم جلبتم الفرنسيين تارةً والإماراتيين والمصريين تارةً أخرى، بأنكم منحتم لهم قواعد سرية، ما ردكم؟

ج ـ هذا كلام غير صحيح، ويجب أن نفرق بين مسألتين، الأولى: مسألة التعاون الأمني لاسيما فى مكافحة الارهاب بين ليبيا والدول الشقيقة والصديقة، وهذا موجـــود خاصة ونحن نقوم بذلك كجيش وطني مثل باقي جيوش العالم، وفي إطار الشرعية الدستورية والتشريعية وبالتنسيق مع البرلمان ولجانه المختصة لاسيما لجنة الدفاع والأمن القومي.

والمسألة الثانية: وهي مسألة الوجود العسكري على الأراضي الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني، وهي غير موجودة، ولسنا في حاجة إلى أي وجود عسكري، فمن يُقاتل في (البر، البحر، الجو) هم ليبيون سقط من بينهم العديد من الشهداء.

النفط والجانب الإقتصادي

س ــ مثلما كان لكم دوراً في مكافحة الارهاب، فإن هناك مواطن ينتظر منكم أيضاُ دوراً في مكافحة الفساد المستشري في مختلف القطاعات، فهل لكم مبادرة بالخصوص؟

ج ـ بالتأكيد فإن الحرب على الفساد لا تقل ضراوةً على الحرب على الإرهاب، وسنعمل بالتعاون مع المختصين على بلورة مِثل هذه المبادرة.

ونذكركم هنا بما قامنا به فى القيادة العامة للقوات المسلحة في المدة الماضية من منع التعامل مع المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، وبالشروط، التي وضعناها لإعادة التعامل مع هذه المؤسسة وأولها تشكيل لجنة تقصي حقائق (محلية ودولية)؛ للتحقيق في مصادر تمويل الجماعات الارهابية، التي هاجمت الموانئ النفطية لأكثر من مرة، وكذلك التحقيق في كيف توزيع العائدات ومنح الاعتمادات المستندية، وهو يدخل في إطار جهود القيادة العامة في مكافحة الفساد وتجفيف منابع الإرهاب.

س ــ إذًا، هل تم انهاء أزمة الموانئ النفطية وفق اتفاق واضح يعالج الأخطاء السابقة؛ لأن هناك من يقول: إن مشكلة الناس الأولى تكمن في شعورهم بعــدم وجـــود عدالة في توزيع الثروة، فهل تضمنت هذه الشروط، التي تفضلت بها أي تطمينات بهذا الخصوص؟

ج ـ فتح الموانئ النفطية تمَّ وفق شروط وردت في بيان صادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة، ومنها: تشكيل لجنة تقصي حقائق (محلية ودولية) للتحقيق في مصادر تمويل الجماعات الإرهابية، التي هاجمت الموانئ النفطية لأكثر من مرة، وكيفية توزيع الثروة أو العائدات، وكذلك تنفيذ قرارات مجلس النواب فيما يتعلق بمحافظ مصرف ليبيا المركزي، وتوفير ميزانية للقوات المسلحة، التي تعمل على تأمين تلك الموانئ وتساهم في استقرار الصناعة النفطية وزيادة الانتاج النفطي، وكذلك النفقات التسييرية اللازمة، فضلاً عن معالجة جرحى القوات المسلحة سبب عمليات التأمين والدفاع.

وقد رأينا أن المجتمع الدولي وقد بدأ يتفاعل مع تلك المطالب، التي كان أولها استجابة رئيس المجلس الرئاسي ومطالبته مجلس الأمن بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في واردات ومصروفات مصرف ليبيا المركزي في طرابلس والبيضاء رغم بطء الإجراءات المتعلقة بهذا الأمر، وكذلك مطالبة المؤسسات النقدية ومصرف ليبيا المركزي خاصة بتحسين مسائل الشفافية المالية.

ونحن نراقب الأمور عن كثب، ونعطي الفرصة في تنفيذها، ونذكِّر المجتمع الدولي بأن مسألة فتح الموانئ النفطية مشروطة بتنفيذ هذه المتطلبات، وإننا نلاحظ بطءً في تنفيذها.

س ــ في كل لقاءاتك الاعلامية دائماً ما تؤكد سيادة المشير على حجم ثروات ليبيا وأحقية الشعب في الاستفادة منها وبناء تنمية حقيقية ونهضة اقتصادية لافتة، ولكن في المقابل فإن حجم ما تم إهداره من قبل الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة فاق 277 مليار دولار على الأقل وفقاً لبعض التقارير، أي أن جزءً كبيراً من المذخرات والعائدات والاحتياطات النقدية للدولة قد تم العبث بها، وهو ما سيترك أثراً على الأجيال القادمة ممثلاً في الاستثمارات الخارجية مثلاً مع الأخذ في الاعتبار مسألة انخفاض أسعار النفط وتذبذب الإنتاج.
فهل تعتقد أن الفرصة ما زالت سانحة لبناء هذه النهضة ؟

ج ـ يمكن تحقيق هذه النهضة إذا ما تجاوزنا الوضع الكارثي الحالي من انقسام سياسي، وهدر منظم للأموال، وعدم فاعلية الأجهزة الرقابية، وحجم الفساد غير المسبوق.

فكل خطط التنمية وتعافي الاقتصاد، والقضاء على الفساد؛ يتطلب أولاً إيجاد مؤسسات تشريعية وتنفيذية واحدة، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية والقضائية، ونزع سلاح الميلشيات المسلحة الخارجة عن القانون، والتي تعمل على إضعاف المؤسسات لاسيما الشرطية والقضائية والرقابية.

ومن ثم، فلابد وأن تكون عملية الإصلاح شاملة، وتحتوي على جميع العناصر السابقة لتكاملها، وبغير ذلك سنظل ندور في فلك الحلول الترقيعية، التي لن تزيد المواطن إلا معاناةً والوطن تأزماً.