كرستينا عياد تكتب: دم مصري.. وحادثة صيني

مقالات الرأي



شهور عديدة قضيتها بين جنبات وزارة النقل ومشروعاتها العملاقة وهيئتها المتعددة، ظلت هيئة السكك الحديدية هي الشاغل الأكبر بين كل هذه الهيئات والشركات التابعة للوزارة.

فهيئة سكك حديد مصر يفترض أنها البديل الوحيد للتنقل لقطاعات عريضة من الفقراء ومتوسطي الحال في مصر، ولكن هذا المرفق الحيوي أصبح يخضع للقانون الأزلي القاضي بأنه إذا انقسمت مملكة على ذاتها فإنها تخرب، وما يشي به الهمس الدائر في أواسط  عمال السكك الحديد حول وجد حرب أهلية ضارية في زوايا البيت الواحد والذي أرجعه البعض إلى لعنة الصفقة الأكبر في تاريخ الهيئة القومية لسكك حديد مصر. 

فبحسب أحاديث أرصفة القطارات المتشحة بملابس الحداد اغلب فترات العام الواحد الذي لا يخلو من حادثة هنا وأخرى هناك، يتعجب البعض من تلك العلاقة السرية بين حوادث القطارات والإعلان  عن الفائز في صفقة توريد عربات جديدة لتطوير مستوى خدمات القطارات،  فأغلب هذه الحوادث إن لم يكن جميعها ترجع إلى عامل الخطأ البشري، ويدفع الثمن أحد هؤلاء العمال المغلوبين على أمرهم، بل وعادة يقع هذا الحادث كلما تمت محاولة تطوير هذا الموقف، وبالطبع فأن الأمر قد يكون مصادفة خارقة لقوانين علم الإحصاء،  ولكنه وللغرابة فان موقع الحادث يتصادف على الدوام أن يكون في قرية صغيرة -مش موجودة على الخريطة- وبالصدفة أيضا فهي ليست ضمن خطة التطوير التي تتبناها وزارة النقل للنهوض بالمرفق، ليصبح الأمر وكأننا أمام تضافر لقوى الصدف التعيسة؛ لإحراج الإدارة والوزارة وإفشالها وربما تزداد تعاسة هذه الصدف وتتطور حتى تنتهي خطوط السكك الحديدية المصرية بين براثن الخصخصة.


لن أجادل أحد في نوايا المسؤولين أمام نسبة ليست بقليلة في عالم المال والأعمال هي نسبة سمسار الصفقة، بل ولن أنكر محاولات الوزارة لتطوير الخدمة من اجل استقطاب شركات القطاع الخاص للمشاركة في السكك الحديد -خاصة بعد تمكن الوزارة من تعديل تشريعات السكك الحديد- في محاولة أخيرة منهم؛ لإنقاذ المرفق من الديون التي أثقلت كاهله، بل وأتعهد أيضا أنني لن أجادل الخبراء خاصة الدوليين منهم في كم مسمارا تملكه الهيئة، أو كم تبلغ عائداتها من تخريد أطنان الحديد، أو استمرارية شركات الهيئة في العمل دون متابعة لما يفعلوه، حقا لن افعل ولكن يتبقى لي ماهو أقرب لإنسانيتي، تلك الدماء البريئة التي ليس لها يد في ذلك كله، وربما كل ما تطمع فيه إحساس بالأمان أثناء ذهاب أبناؤهم للعمل أو الدراسة باستخدام هذه القطارات البالية -اللي تمنها ع اد ايديهم- كفوا أيديكم عن المساس بهم وخذوا ما أرادتم من مصالح.


ويبقى رجائي الأخير من السيد الدكتور هشام عرفات وزير النقل، فأنا اعلم سيدي ما أنت تعانيه من ضغوطات شديدة، في متابعة مئات المشروعات خاصة ونحن نقف ليس فقط أمام جهل وفساد إداري متشعب الجذور، ولربما أيضا كلماتي تلك ثقيلة عليك مثلما هي ثقيلة علي فاغفرها لي، ولكنك أنت فقط من تستطيع درء كل هذه التكهنات عن طريق علنية ما تفعله اللجان الفنية والفحص للشركات المتقدمة؛ لتنفيذ الصفقة في جو من الشفافية والمصداقية التي عهدناها من سيادتكم دائما وابدأ، وذلك أمام الجميع بما لا يجعل هناك مجالا للشك في استخدام البعض نقاط ضعف الهيئة وورقة إراقة الدماء المصرية البريئة للضغط عليكم وعلى الرأي العام لتنفيذ ضمني؛ لأطماعهم، خاصة ولمعرفتهم الكبيرة بتقدير القيادة السياسية وتقديركم لكل نقطة دم مصرية تم إراقتها دون ذنب على قضبان السكك الحديدية.