د. بهاء حلمي يكتب: الإرهاب فى سيناء بين الهزيمة العسكرية وبقاء الأيديولوجية

مقالات الرأي



إن إصرار مصر على تحرير سيناء من الإرهاب ومواجهة الأطماع والتهديدات المختلفة إنما هو انعكاس لعمق الإيمان بالعقيدة العسكرية «النصر أو الشهادة»، وتبلور ذلك فى العملية الشاملة سيناء 2018 التى أعلن عنها فى فبراير الماضى والتى كانت بمثابة إعلان عن إلحاق الهزيمة العسكرية بالإرهاب وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بسيناء على الرغم من الدعم المالى واللوجستى والحماية المستمرة للإرهابيين سواء من قطر وتركيا أم من قوات التحالف التى توفر لهم الحماية.

إن هزيمة الإرهاب بسيناء يحمل فى طياته مؤشرات ودلالات مهمة تشير إلى عمق إيمان الشعب المصرى بالأرض والوطن وإفشال خطط تحالف الجماعة الإرهابية مع أمريكا والغرب إبان حكمهم لمصر والتى كانت تهدف الى تسليم أرض سيناء وتنفيذ مخططات التقسيم.

إن نجاح وتعاون القوات المسلحة والشرطة وأجهزة المعلومات المصرية فى إحكام السيطرة على منافذ التهريب ومنع عبور الإرهابيين ومكافحة تمويل الإرهاب ورصد وكشف خطط حماس التى تشكل الذراع العسكرية لجماعة الإخوان، وإلحاق الهزيمة بالإرهاب فى سيناء دروس مستفادة تنظر إليها الحكومات والأجهزة الأمنية بدول العالم بعين التقدير والاحترام.

ويثار التساؤل هل هزيمة الإرهاب عسكريا تُعنى زوال تنظيماته وأفكاره؟ وماذا عن سيناء بعد هزيمة الإرهاب؟

قد تجد الإجابة فى قراءة تاريخ جماعة الإخوان المسلمين وفكرهم ومبادئهم وولاء أعضائهم الذى يقوم على انتماء العضو المنتسب للجماعة وليس لوطنه، وبالتالى فإن الهزيمة العسكرية للإرهاب لا تعنى تغيير أيديولوجية التنظيم وفقا لمبادئهم لأن الأفكار لا تموت بموت أصحابها، وأن داعش أو غيره من التنظيمات الإرهابية يمثل الأيديولوجية الموجودة لدى الجماعة الإرهابية منذ عقود ولا تزال أفكارها حية.

لقد ولدت جميع التنظيمات الإرهابية أيا كان مسماها من رحم الإخوان ذلك التنظيم الدولى للإرهاب فى العالم الذى يعتمد على العمل السرى والتنظيمات العنقودية والأجنحة العسكرية واستخدام العنف والاختفاء، كما تتمتع الجماعة الإرهابية بالقدرة على التلون والتحول والإنكار والتضليل لتحقيق مآربها وضمان بقاء أيديولوجيتها مع تحديث آليات نشرها بين الشباب والسعى الدائم لتجنيد أعضاء جدد من السكان المحليين الذين قد يعتنقون أفكارا متطرفة لتشكيل خلايا عسكرية لتنفيذ مخططاتهم.

ربما نكون فى احتياج لخلق بديل بفكر ومضمون دينى يختلف عما سبق لاحتواء الشباب بدلا من تركهم لقمة سائغة لثقافة تلك الجماعة، لأن مواجهة هذه الأيديولوجية يتطلب التعامل بالفكر والمعرفة والتثقيف والوعى لأن من تربى على مبادئ الإخوان كالرضيع الذى نما فى حضن أمه لا يستطيع أن يغير فكره حتى ولو غير جلده.

إن مصر تمر بأدق وأخطر مرحلة فى تاريخها منذ حرب أكتوبر 1973م، بسبب قيام الجماعة الإرهابية بزرع الكثير من الأعضاء والمنتمين إليها فى مؤسسات الدولة خلال فترة حكمهم، ما سهل عملية اختفاء الإرهابيين بيننا وهو أمر خطير يحتاج إلى وعى الجميع لإبلاغ الجهات الأمنية لحماية المجتمع والإنسانية منهم.

إن وحدة الأمة وتنمية وتعمير سيناء والتعامل مع قضايا الجهل والفقر والمرض وفق منهج وفكر جديد يقوم على التسامح وقبول الآخر ونبذ العنف والكراهية التى زرعتها الجماعة الإرهابية وثقافاتها وأفكارها بتلك المنطقة وغيرها فى بعض مراكز وقرى الصعيد التى مازالت تؤمن بتلك الأفكار وتعتمد على الجلسات العرفية فى حل المشكلات الطائفية وذلك خارج إطار الدستور وسيادة القانون.

قد يكون من الملائم خلق بيئة اقتصادية واجتماعية جديدة فى سيناء مع تحفيز الشباب للانتقال والعمل، كل هذه أمور مهمة لمواجهة الفكر المتطرف وهى تمثل تحديات ضخمة تحتاج لخطط وعزيمة وتضافر بين جهود الحكومة والمجتمع المدنى والشعب كله لإنجازها بكفاءة وهمة بجانب المتابعة الدقيقة والمستمرة لتحركات العناصر الإرهابية على مدار الساعة وعدم الانخداع بفترات السكون وإن طالت. وهنا يعاد التساؤل هل نحن جميعا معنيين بمواجهة أيديولوجية الإرهاب بعد هزيمته بسيناء؟