عادل حمودة يكتب: الموساد.. ذبحنا علماء الذرة وفجرنا علماء الصواريخ ولن نقبل بالاستخدام العسكري للضبعة

مقالات الرأي



كتاب فى واشنطن وأفلام تسجيلية فى باريس وتقارير صحفية فى برلين

نتوقع اغتيالات شخصيات ترفض التعاون مع إسرائيل أو الولايات المتحدة أو تكشف ما لديها من معلومات

500 عالم ألمانى جاءوا إلى مصر قبل ثورة يوليو لمساعدتها فى صناعة الصواريخ والطائرات الحربية فطاردتهم المخابرات الإسرائيلية بالقتل والطرود البريدية المفخخة

خبرة دراسة الملفات القديمة تجعلنا نتوقع تجنيد عملاء للموساد يقدمون كل المعلومات عن مفاعلاتنا النووية منذ تصنيعها فى روسيا إلى تشغيلها فى مصر


فجأة فتح المواساد خزائنه السرية وأخرج منها دفعة جديدة من ملفات جرائم الاغتيالات التى ارتكبها وسمح بنشرها بعد توزيعها على عواصم مؤثرة فى حالة من النشوة المخابراتية ينقصها التفسيرات السياسية.

فى برلين نشر فيللى فينكلر على صفحات جريدة زود دويتشيه يوم 23 يناير الماضى تقريرا بعنوان القتل المستهدف عن قيام الموساد بتخدير واختطاف وقتل رجل الأعمال الألمانى هاينز كروج الذى استعانت به مصر فى صناعة الصواريخ قبل هزيمة يونيو 1967.

وفى واشنطن نشر رونين بيرجمان المراسل العسكرى لصحيفة يديعوت إحرنوت الإسرائيلية كتابه «انهض واقتل أولا» التاريخ السرى للاغتيالات الإسرائيلية وقدر عددها بثلاثة آلاف جريمة قتل.

وفى باريس تستعد شركة ماجنتو لإنتاج فيلم تسجيلى عن عمليات القتل التى نفذها الموساد ضد الشخصيات المختلفة فى جميع أنحاء العالم والفيلم سيعرض فى نهاية العام وتموله القناة الحكومية الثانية ويقدمه لورانت ديلاهوس ويخرجه كريستوف ويدمان الذى سبق أن صنع لنفس الجهات فيلمين عن بشار الأسد وفلاديمير بوتين.

وفى لندن والدار البيضاء يجرى تصوير فيلم الملاك الذى يدين أشرف مروان ويتهمه بوضوح بالعمالة للموساد والفيلم إنتاج مشترك بين شركة تى تى يو الإسرائيلية وشركة أدما الفرنسية ويخرجه آريئيل فرومان واشترت حقوق عرضه قبل إنتاجه قناة نيتفيلكس السينمائية على شبكة الإنترنت، مما يسهل على الملايين مشاهدته فى ساعات قليلة.

حدث ذلك كله فى فترة زمنية محدودة مما يعنى أننا أمام موجة دعائية مخططة ومنظمة للمخابرات الإسرائيلية فى توقيت واحد تقريبا وبكثافة لم تحدث من قبل.

والسؤال الطبيعى الملح: ما سبب ذلك كله وإسرائيل تنعم بحالة من الاستقرار الأمنى والنفسى وتفرك يديها فى سعادة وهى تتابع بسعادة غامرة تحطم وتفكك وانهيار دول عربية معادية لها مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا وفى الوقت نفسه تنال اعتراف دول عربية أخرى علنا أو سرا بوجودها وتسعى لخطب ودها؟

عادة ما تحرص إسرائيل على إظهار قوتها قبل حدوث تغيرات سياسية تساهم فى تنفيذها وتصب فى مصلحتها بأن تمهد لها بكشف عمليات مخابراتية شرسة سابقة قامت بها تحذيرا وتخويفا وتهديدا لكل من يقف ضدها فى حرب نفسية اعتادت عليها.

قبل حرب الخليج الثانية التى عرفت بحرب تحرير الكويت بشهر واحد نشر الموساد فى يناير 1991 كتاب «بطريق الخداع» لواحد من كبار ضباطه هو فيكتور ستروفيسكى ورغم ادعاء إسرائيل بأن ما نشر ضد مصلحتها فإن الكتاب قدم صورة أسطورية للموساد، حينما كشف عن وجود 35 ألف عميل يخدمونه فى مختلف دول العالم منهم 20 ألفا نشطين و15 ألفا نائمين يتابعون كل صغيرة وكبيرة نراها أو لا نراها.

ولأن التحالف الدولى وقتها كان على وشك إعلان الحرب على صدام حسين فلابد للموساد أن يثبت أنه سبق الجميع فى النيل من الرئيس العراقى فكشف عن تجنيد طيار فى القوات الجوية العراقية يدعى منير جميل روفا للهروب عام 1966 بطائرة ميج 21 السوفيتية المستخدمة فى الدول العربية المعادية لإسرائيل مقابل مليون دولار وتهريب عائلته إلى تركيا بمساعدة مجموعة من الأكراد وبطائرة هيلكوبتر حلقت تحت مستوى الرادار وبالحصول على تلك الطائرة عرفت إسرائيل والولايات المتحدة أسباب تفوقها وثغرات ضعفها.

بل إن كتاب ستروفيسكى بدأ بفصل مقحم عليه عنوانه «عملية سفنكس» عن شبكة الموساد العراقية فى باريس التى حاولت تجنيد الدكتور يحيى المشد العالم المصرى الذى كان يشرف على البرنامج النووى العراقى ويستعد للحصول على اليورانيوم من فرنسا وعندما فشلت المحاولة جاء من تل أبيب ضابط الموساد يهودا جيل ليكرر محاولة التجنيد بمبلغ من المال يصعب مقاومة إغرائه وعندما رفض المشد وواجهه بكلمات مهينة دخل إلى غرفته فى فندق ميريديان رجلان ونفذا عملية اغتياله.

وكانت عملية سفنكس جزءًا من خطة أكبر انتهت بضرب الطائرات الإسرائيلية لمبنى المفاعلات النووية العراقية يوم الأحد 7 يونيو 1981 وعندما تلقى رئيس الحكومة وقتها مناحم بيجن الخبر من قائد سلاحه الجوى قال: باروخ هاشم ومعناها بورك فى الله.

إن إسرائيل تغطى جرائم الدم التى يرتكبها الموساد بصبغة دينية لتمنح منفذيها شهادة لدخول الجنة ويقتبس رونين بيرجمان عنوان كتابه «انهض واقتل أولا» من التلمود القديم: إذا جاء شخص ما لقتلك انهض واقتله قبل أن ينال منك.

والرخصة هنا للتخلص ممن يفكر فى إيذاء إسرائيل.. مجرد التفكير.. وليست فقط للانتقام منه إذا ما نجح فى تنفيذ ما فكر فيه.

وواضح من عمليات الموساد التى نشرت هذه الأيام أو التى يجرى التحضير لها فى أفلام تسجيلية أنها تتناول تدمير إسرائيل لصناعة الصواريخ أو للتجارب النووية فى مصر وغيرها.

حسب تقرير فيلى وينكر فى صحيفة زود دويتشه، فإنه فى عام 1962 سافر رجل الأعمال هانز كروجر البالغ من العمر 45 سنة إلى مصر ليساعدها فى صناعة الصواريخ من خلال شركته إنترا للتجارة، ولكن بعد أسابيع قليلة اختفى فى وضح النهار ولم يعثر إلا على سيارته ولم يتردد الموساد فى إعلان أنه كان وراء اختطافه.

لكن مجلة شبيجل التى صدرت بعد أيام كذبت تلك الرواية فالرجل لم يخرج من ألمانيا ولم يكن له وجود فى مصر كما أنه ليس تاجر صواريخ كما ادعت إسرائيل قبل تصفيته ولكن شهرته ذاعت عندما باعت شركته نوعا من التكنولوجيا لمصر تستخدم فى الأغراض المدنية والعسكرية لم يكن بينها صناعة الصواريخ التى لم تكون سوى فى بدايتها.

على أن هذه الصناعة أخذت فى التطور بمساعدة فريق من العلماء الألمان هربوا إلى مصر بعد سقوط هتلر وهزيمة بلاده فى الحرب العالمية الثانية ومنهم ويلهلم فوس خبير الذخائر الحربية وبول جورك المتخصص فى الإلكترونيات وفرديناند براندنر الخبير فى أجهزة إطلاق الصواريخ بجانب آخرين ليصل عددهم إلى 500 عالم تخفوا وراء أسماء عربية مثل محمد أكبر أو عمر أمين.

وحسب ضابط المخابرات البريطانية ريتشارد ديكون فى كتابه الخدمة السرية الإسرائيلية فإن مدير مخابرات القوات الجوية محمد محمود خليل وقع عقدا مع مصانع ويلى شميت فى ميونخ لتقديم خبرتها فى صناعة الطائرات فجاء إلى مصر يوجين سانجر مدير معهد الدفع النفاث فى شتوتجارت وهو أحد القلائل فى صناعة الصواريخ المستخدمة فى إطلاق الأقمار الصناعية وجاء معه 12 عالما من ألمع تلاميذه وما إن سقط حكم بيرون فى الأرجنتين حتى طلب العلماء الألمان الهاربون هناك اللجوء إلى مصر وكان منهم كيرت فانك الذى شارك فيما بعد فى صناعة أول طائرة نفاثة مقاتلة فى الهند.

وطبقا للعقد مع مؤسسة ويلى شميت أنشئ مصنع (36) حربى لتصنيع أجزاء الطائرة الأسرع من الصوت.

ولكن سرعان ما تعرضت تلك المؤسسة إلى ضغوط هائلة من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية جعلتها تفسخ العقد وتسحب علماءها وعمالها من مصر.

وحسب ريتشارد ديكون (وثيق الصلة بالموساد) أيضا فإن مصر بمساعدة العلماء الألمان قطعت شوطا طويلا فى تصنيع الأسلحة المتطورة فقد اقتربت من صناعة الطائرة النفاثة بمساعدة فردنايند براندنر الذى قاد فريقا من علماء بلاده لإنتاج المحرك أتش إيه 300 فى مصنع الطائرات القريب من حلوان وأجروا تجارب على القنابل الجرثومية بمساعدة كيميائية ألمانية شابة عملت مع هانز أيسليه وابتكروا طريقة لحقن الصواريخ بالفضلات النووية (كوبالت 60 وسترونيتوم 90) من خلال مشروع سمى أبيس واعدوا كل ما يلزم لإنتاج سلاح ذرى بسيط وأطلقوا على المشروع اسم كليوباترا وفكروا فى إنتاج زجاجات من غاز الأعصاب الذى عرف باسم تابون.

وفى خريف عام 1960 بدأت مصر تجارب إطلاق الصواريخ فى الصحراء الغربية واستمرت تلك التجارب عامين وعندما نجحت استدعى جمال عبد الناصر فى 23 يوليو 1962 مراسلى الصحف العالمية ليشهدوا معه إطلاق الصاروخ القاهر بمدى 375 ميلا والصاروخ الظافر بمدى 175 ميلا وفى المنصة جلس فى هدوء عالم صواريخ ألمانى يحمل الجنسية السويسرية لم يتصور أحد أنه وراء ما يحدث ولأن ملامحه ليست شرقية لم يدر بخلد من لا يعرفه أن اسمه حسن كامل.

وحسب محمود مراد فى كتابه جاسوس فى القاهرة فإن الاسم السرى لبرنامج الصواريخ المصرية كان الأستاذ.

وحسب المصدر نفسه فإن رئاسة الأركان فى إسرائيل وضعت خطة لتدمير قاعدة الصواريخ بطائرات ثقيلة ولكن بعد أسابيع من التدريب تراجعت عن تنفيذها وفضلت عليها عملية أخرى.

بعد إطلاق الأستاذ سافر حسن كامل وزوجته للاستجمام فى جزيرة سيلت على الحدود الدنماركية الألمانية وبعد عدة أيام هناك استأجرا طائرة للسفر إلى دوسلدورف ولكن قبل إقلاعها بساعات حدث ما جعل حسن كامل يلغى رحلته وسافرت زوجته وحدها وبعد إقلاع الطائرة بدقائق انفجرت الطائرة.

وفى 10 سبتمبر 1962 تقدمت زوجة هانز كروجر ببلاغ إلى شرطة ميونخ باختفاء زوجها مدير شركة إنترا فى شارع شيلر وثبت من تحريات الشرطة أنه غادر مكتبه فى ذلك اليوم بصحبة رجل آخر ثبت أنه إسرائيلى وبعد 48 ساعة وجدت سيارته فى مكان ناء خارج المدينة.

وفى 27 نوفمبر من العام نفسه وقع الحادث الثالث حين انفجر طرد ملغوم مرسل من هامبورج فى وجه هانلور ويندى سكرتيرة العالم الألمانى فولفجانج بيلز فشوه جسدها.

وفى اليوم التالى وصل طرد آخر عبارة عن صندوق مصنوع من رقائق الخشب جاء من شتوتجارت جوا من مكتبة هناك وفيه أربعة كتالوجات ما إن فتحته لجنة مصرية متخصصة حتى انفجر فى أعضائها فمات خمسة وأصيب تسعة.

وبعد أيام وصل الطرد الثالث من هامبورج إلى دكتور بول جيركة يحوى كتبا ولكن خبراء المفرقعات أبطلوه.

وتحرت الأجهزة المصرية الأمر فتأكد لها أن عائلات العلماء الألمان تلقوا تهديدات تليفونية بالاغتيال ما لم يقنعوا ذويهم من خبراء الصواريخ بمغادرة مصر.

فى فبراير 1963 غادر خبير الصواريخ هانز كلاينفاختر القاهرة فى زيارة خاطفة إلى ألمانيا وبينما كان يقود سيارته بالقرب من بيته اعترضته سيارة أطلق من فيها الرصاص عليه ولكنه لم يصب بأذى وفى اليوم التالى تسلم رسالة بها عبارة واحدة: إن من يأكل اليهود جزاؤه الموت ولو كنت قد أفلت من الموت فلابد أنك ستموت.

وفى مارس 1963 تلقت هايدى ابنة العالم الألمانى بول جيركه مكالمة تليفونية فى بيتها بمدينة فرايبورج، حيث تعيش مع جدتها وشقيقها رنييه وسمعت الطرف الآخر وهو عالم نمساوى كان يعمل مع والدها فى القاهرة اسمه أوتو فرانك جوكليك يقول لها: إن إجراء ما سيتخذ ضد والدك وأسرته إذا لم يمتنع عن صنع أسلحة مصرية تستخدم ضد إسرائيل.

وقبضت السلطات الألمانية على جو كليك وضابط مخابرات إسرائيلى اسمه يوسف بن جال بتهمة تهديد مواطنة ألمانية من عميلين لدولة أجنبية وقدما إلى المحاكمة وانتهت الفضيحة باستقالة مدير الموساد إيسر هرئيل من منصبه.

وكل هذه التفاصيل سبق تناولها كثيرا فما الذى يدفع الموساد إلى إعادة نشرها من جديد فى كتاب رونين بيرجمان «انهض واقتل» بعد مرور نحو 55 سنة عليها؟ ما هى الرسالة التى يريد أن تصل إلينا الآن؟

إن إسرائيل تشعر بالقلق الشديد من بناء المحطات النووية فى الضبعة ولا تثق فى أنها يمكن أن تتوقف عند إنتاج الكهرباء، رغم تعهد مصر بذلك وتوقيعها على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية فكثير من علماء إسرائيل يخشون أن يتحول الاستخدام السلمى للذرة إلى استخدام عسكرى ويرون أن المسافة بين الاستخدامين ليست بعيدة.

هنا بدأت ماكينة دعاية الموساد فى ذكر وقائع التخلص من علماء الذرة المصريين بالقتل (مثل الدكتور يحيى المشد) أو التخلص من علماء الصواريخ الألمان بالتشويه والمطاردة وتهديد عائلاتهم وتفجير طائراتهم.

وما دامت المخاوف الإسرائيلية قد طفت على السطح فإن ذلك يعنى أن مخابراتها تتابع برنامج مصر النووى فى القاهرة وموسكو ساعة بساعة ولن تتردد فى تجنيد عملاء لها يقدمون لها المعلومات أولاً بأول وهو أمر يجب الانتباه إليه بفحص أمنى متكرر كل عدة شهور وتعاون لا يتوقف مع الجانب الروسى لضمان نظافة جميع مواقع المحطات النووية (التصميم والتصنيع والتعديل والشحن والنقل والتركيب والمتابعة) من العملاء الذين يمكنهم عند حد معين التخريب والتدمير.

لا يجب تكرار خطأ العراق الذى ترك مفاعلاته وشخصياته النووية مكشوفة للموساد فكان التفجير والاغتيال دون توقف حتى انتهى الحلم.

لن نخسر شيئا إذا ما ضاعفنا الرقابة على كل صغيرة وكبيرة فى محطات الضبعة من اليوم وبلا توقف وإلا ما فائدة الخبرة فى متابعة ما يصدر عن إسرائيل وما يحتوى من رسائل مباشرة أو غير مباشرة.