بسنت حسين تكتب: الأغنية الوطنية ثروة غنائية

ركن القراء

الكاتبة بسنت حسين
الكاتبة بسنت حسين


إن كان للأغنية العاطفية الحظ الأوفر بين ألوان الغناء المصري نظرًا للطبيعة العاطفية التي يتمتع بها الشعب المصري، إلا أن للأغنية الوطنية مكانة خاصة لدى المصريين.


وتُعتبر الأغنية الوطنية من أقدم أشكال الغناء المصري، ويرجع تاريخها إلى القدماء المصريين، لنجد من أشهرها أغنية "وحوي يا وحوي إياحة" والتي تغنى بها الأجداد عقب انتصارهم على الهكسوس، تمجيدًا للملكة إياحة التى وحدت صفوف المصريين بعد وفاة الملك أحمس، وظلت تتنقل في الحقبات التاريخية المختلفة إلى أن تم تعديلها لتصبح أغنية "دينية" نستقبل بها شهر رمضان وذلك في عصر الدولة الفاطمية.


قد يحصر البعض الأغاني الوطنية في النشيد الوطني، لكن هل ينحصر تاريخ مصر في ثلاثة أناشيد فقط؟، لقد بدأت فكرة العزف للسلام الوطني في عهد الخديوي إسماعيل حيث أعهد إلى فيردي أن يضع السلام الوطني في عام 1869.


وفي عام 1923 تعظم دور الأغنية بجعل السلام الوطني هو نشيد "اسلمي يا مصر" وتم الإعمال به حتى 1936، ثم نشيد الحرية في الفترة من 1952 إلى 1960، ويليه "والله زمان يا سلاحي" حتى عام 1980 ومنذ ذلك التاريخ إلى الاّن "نشيد بلادي بلادي" من كلمات يونس القاضي المستوحاة من عبارات الزعيم مصطفى كامل وألحان سيد درويش والتي قام بتعديلها الموسيقار محمد عبد الوهاب.


فهل ينحصر دور الأغنية الوطنية التي عرفها الأجداد منذ اّلاف السنين قبل الميلاد  لثلاث أناشيد منذ أقل من قرنين من الزمان؟، في مطلع القرن العشرين ومع ثورة الألحان التي خاضها سيد درويش، استردت الأغنية الوطنية مكانتها لدى الشعب وأصبحت الأغنية الوطنية هى الأغنية الشعبية في تلك الحقبة، لعل الوعي السياسي لدى سيد درويش ويونس القاضي وبديع خيري وكذلك بيرم التونسي هو ما جعل الأغنية رنانة وسهلة الترديد لقُرب للغتها من اللغة الدارجة لعموم الشعب بعد أن كان الذوق الأميري قد فُرض على جموع الشعب في ألحان وأغاني عبده الحامولي.


واستطاعت الأغنية الوطنية أن تفتح سبيل للمقاومة ضد الاحتلال البريطاني ولكسر قيود الرقابة وحظر الحديث السياسي في الجموع، لنجد أغنية "يا بلح زغلول " تندد بنفي الزعيم سعد زغلول و تُعلي النداء للمقاومة الشعبية، أما في خمسينات القرن الماضي وبعد ثورة 1952، فكان دور الأغنية الوطنية جليًا في إعلاء القومية العربية ، فنشاهد لأول مرة "أوبريت " يجمع عدد من المطربين و المطربات من مختلف الدول العربية منادين بالفكرة بمنتهى مباشرة في أوبريت "الوطن الأكبر".


وكذلك كان دورها تأييدًا لقرارات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، فنجد أن أغنية "ناصر يا حرية" وحدت صفوف المصريين لزعيم بعينه وهو الأمر الذي  تم استبعاده لعهود طويلة أي منذ الملكة "إياحة" و لم يتم أيضا لأي رئيس مصري من بعده.


وظلت الأغنية الوطنية جنبًا إلى جنب في المشهد السياسي، ففي العدوان الثلاثي كانت "خلي السلاح صاحي"، ووقت النكسة نجد "عدى النهار" وعند بناء السد العالي نجد "صورة صورة"، وعند استرداد سيناء "يا حبيبتي يا مصر". 


لم تقتصر الأغنية الوطنية على الإذاعة في الراديو أو التلفاز بل كانت مفتتح لحفلات خاصة، ففي حفلات العندليب الأسمر، وكانت أغنية "أحلف بسماها وبترابها" شاهدا على الهزيمة والنصر.


وأحب المطربون العاطفيون الأغاني الوطنية، فتقول شادية في إحدى لقاءاتها: "ما أجمل أن يتغنى الفنان لوطنه، فلا حب أسمى من حب الوطن، فالأغنية الوطنية هى أيضا أغنية عاطفية"، ثم عادت الأغنية الوطنية إلى ثكناتها، ولا تطل إلا في المناسبات القومية، وعند اندلاع ثورة 25 يناير لم يكن الوضع مهيًأ لإنتاج أغنية وطنية تعبر عن المشهد، فارتجل بعض الشعراء كلمات جلبت لمغنيها السخرية وأخرج البعض أغان محجوبة من الرقابة وذهب البعض للأغاني القديمة يُجري لها بعض التعديلات.


بعد التغييرات السياسية أصبحت الأغنية الوطنية الأعلى مشاهدة عالميًا ومحليًا كما حال أغنيتي "بشرة خير" و"تسلم الأيادي"، ودون تقييم متخصص لتلك الأغاني أو مقاربة الألحان لاخرى، استطاعت الثورة أن تُعيد للأغنية الوطنية مكانتها وإثباتًا أن المصري يحب ويردد كل ما يخص وطنه.