ما هي زينب بنت جعفر؟

الفجر الطبي

بوابة الفجر


هي زوجة مجهولة لـ"هارون الرشيد"، أول من تزوج، وولدت له أول ولد له، أحمد بن هارون الرشيد؛ الذي أورد ابن الجوزى ترجمته في تاريخ "المنتظم" وذكره ابن كثير"في "البداية والنهاية".

وكلاهما منحها سطورا في التاريخ ولكننا نرى أنها تستحق إشادة أعظم وجهدا أكبر في رسم ملامحها من بين سطور التاريخ.

كان هارون في ريعان الصبا والشباب في ذلك الوقت في خلافه أبيه المهدي، وكان أبوه يدخره لولاية العهد- بعد أخيه الأكبر موسى الهادي وكانت أمهما الخيزران تتمنى أن يسبق الرشيد أخˆاه الأكبر في ولاية العهد.

ولذلك أوعزت لزوجها المهدي أن يزوج الرشيد ابنة عمه زبيدة بنت جعفر ليزداد شرفا بأن يكون أول ولى عهد يتزوج أميره عباسية هاشمية.

وفوجئ الشاب هارون الرشيد بذلك المشروع السياسي للزواج حين استدعاه أبوه الخليفة المهدي وعرضه عليه، ولم يستطع الرفض وكتم مشاعره، وكان معنى ذلك أن يضحى ببطلة قصتنا زوجته السرية التي عقد عليها خفيه عن أبيه والتي ولدت له أول ابن له وهو أحمد بن الرشيد

وفى حاله مثل هارون الرشيد فان المنتظر أن تستهويه الفتاة التي ترفضه ولا تترامى على قدميه، والمنتظر أن يبحث عن فتاة ترغبه هو لذاته وليس لمنصبه، لشخصه وليس لكونه أميرا ووليا للعهد.

لم يكن مشروع زواجه من ابنه عمه زبيدة مطروحا بعد، وكان حرا في الاختيار، وقد كان يختار من الجواري في القصر ما يحلو له، ولكن أتضح له أنه "المختار"وأنهن اللاتي يتصارعن من أجل الوصول إليه، وأنه الفريسة وليس الصياد.

ولذلك تجول في شوارع بغداد وأزقتها وحواريها، سار فيها متنكرا بدون رفيق أو صاحب يتصرف كما يحلو له بعيدا عن البروتوكول العباسي وطقوسه؛ باحثا بعينيه عن نوع آخر من النساء غير اللواتي يعج بهن قصره.

ورآها فتاة حسناء رقيقة الحال اضطرتها ظروف الفقر لان تعمل مع باقي أهلها الذين ينتمون للطبقة الدنيا من عوام بغداد.

وقرر أن يجرب حظه مع تلك الفريسة التي تؤهلها كل ظروفها للوقوع بسهولة في حبائله، فهو يبدو شابا يافعا وسيما قويا، ورغم تنكره فإن مخايل النعمة والعز بادية عليه، أي أن النتيجة محسومة لصالحه مقدما.
ولكن كانت مفاجأته قاسيه، فقد رفضته الفتاة الفقيرة العاملة.

اقترب منها فأعرضت عنه، تودد إليها فلم تبال به، ألقى على مامعها عبارات الإعجاب فلم ير منها إلا الصد والجفاء. 

جمع عنها المعلومات والأخبار فأدهشه أنها فقيرة وأنها ليست متعلقة بأحد، إذ لا وقت لقلبها المهموم أن ينشغل بالحب، لأنه لا وقت للحب عند خلو المعدة وامتلاء الفؤاد بالهموم والأحزان.

فكر الرشيد في أن تكون فتاته قد تغير رأيها فيه إذا شخشخ لها بالدنانير وغمرها بالذهب، وكانت مفاجأة أخرى أقسى وأشد. 

فالفتاة ازدادت له جفاء وازدادت عنه إعراضا، وأفهمته أنها قد تكون فقيرة ولكنها حرة من الحرائر وليست معروضة للبيع ولا بكل الذهب الذي تحويه الدنيا.

عندها أقر لها الرشيد بالهزيمة واعترف لها بالحقيقة،وأنه أخطأ حين تعامل معها كما تعود أن يتعامل مع الجواري، وأنه عرف الآن- وأخيرا- أنه ليس كل النساء من الجواري والإماء.

وليس كل الحرائر العفيفات من بنات البيوتات العريقة، وأن الشرف والعفة قد يوجدان في الكوخ قبل القصر، وقد تتحلى بهما الفقيرة، قبل الأميرة.

عرض عليها الزواج بصفته هارون ابن أمير المؤمنين المهدي بن أبى جعفر المنصور..ألقى بكل أوراقه على أرضية كوخها الفقير أمامها راجيا أن تقبله زوجا.

مع رجاء آخر بان يبقى الزواج في السر مراعاة للظروف وأملا في وضع أحسن؛ ومع وعود كثيرة لم تستطع الفتاة الفدائية الصمود أمامها.

وكالعادة أنشغل عنها الأمير بعد أن نال منها غرضه، كانت مجرد نزوة.ثم عاد إلى بيئته سريعا، ولكن كان قد أدمن ذلك اللون البلدي الطبيعي الخالي من الأصباغ والتصنع؛ لذلك كان يأتي ويعود. حتى ولدت له أول ولده أحمد.

وجاء اقتراح زواجه من ابنة عمه "زبيدة بنت جعفر بن أبى المنصور" ناية لتلك العلاقة السرية الشرعية مع زوجته الأولى.

إذ لم يعد بإمكانه أن يتمتع بسرقة اللذة واقتطاف المتعة السرية من زوجته التي لا يعرف عنها أهل القصر شيئا.

ومن الطبيعي أن العروس الأميرة الفاتنة لن تتركه يفلت منها، ولو حدث واكتشف أمره ففي ذلك القضاء عليه وعلى زوجته وعلى ابنه الوليد

ثم يضاف إلى ذلك مكائد أخيه الشقيق الأكبر موسى الهادي المعروف بقسوته وجبروته، والذي أغاظه مشروع الزواج بين هارون وزبيدة. 

وتخوف منه، ورأى الرشيد أنه الأسلم له ولزوجته السرية وابنهما أن يختفيا من حياته لمده محدودة، ثم يعودا إليه بعد أن يتولى الخلافة ويصبح هو الحاكم بأمره في الدولة.

ويذكر المؤرخون أن الرشيد أرسل تلك الزوجة إلى البصرة سرا مع وليدها وأعطاها الأموال وأعطاها خاتما للمولود وقال لها "اكتمي نفسك، فإذا بلغك أنى قعدت للخلافة فأتينى".

ولم يطل الأمر، إذ مات الخليفة المهدي، وسرعان ما مات الخليفة موسى الهادي بمؤامرة أمه الخيزران، وتولى الرشيد الخلافة.