"ملك ناصف".. وماذا عن مناهضتها لـ"الحركة" الغربية في مصر؟

الفجر الطبي

ملك حفني ناصف - صورة
ملك حفني ناصف - صورة ارشيفية


مولدها ونشأتها
ولدت في حي الجمالية، مدينة القاهرة وهي كبرى سبعة أبناء للشاعر المصري حفني ناصف القاضي. بدأت تعليمها في المدارس (المكاتب) الموجودة آنذاك وبعضها فرنسي، ثم التحقت بالمدرسة السنيّة، حيث حصلت منها على الشهادة الابتدائية عام 1900، وانتقلت إلى قسم المعلمات بالمدرسة نفسها، وكانت أولى الناجحات في عام 1903. وبعد تدريب عملي على التدريس مدة عامين تسلّمت الدبلوم عام 1905.

عملت مدرسة في القسم الذي تخرجت فيه بالمدرسة السنيّة مدة، تزوجت بعدها في عام 1907 بأحد أعيان الفيوم، وفي البيئة الجديدة «بادية الفيوم» التي أقامت فيها بعد الزواج اتخذت اسم «باحثة البادية»، وفي تلك البيئة عرفت عن قرب الحياة المتدنية التي تعيشها المرأة، ومن ثم أوقفت نشاطها على الدعوة إلى الإصلاح وتحرير المرأة بما لا يتعارض مع الدين أو التقاليد.

باحثة البادية
أصبحت أشهر فتاة في العقد الأول من القرن العشرين. شجعها أحمد لطفي السيد أن تكتب تحت عنوان "نسائيات" في جريدة "الجريدة" ، وقد سميت ملك بـ( باحثة البادية )؛ لأنها كانت توقع مقالاتها في الصحف بهذا الاسم . إشتهرت في كتاباتها وندواتها ومحاضراتها بالحس الديني والتوجه الوطني ، حصرها على مراعاة الظروف القومية والوطنية والإقتباس بحرص من الحضارة الغربية ، أصبحت شاعرة وأديبة وصحفية. لتكتب عنها الأديبة "مي" كتابا ، ونشرت عنها "الدكتورة بنت الشاطئ" دراسة. وعندما توفيت في أكتوبر 1918م رثاها ، أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران.

بعد تخرجها من المدرسة السنية عملت بالتدريس في المدرسة نفسها ، وكما ذكر أنها تزوجت من أحد سراة القوم بالفيوم ، هو "عبد الستار الباسل" شقيق "حمد الباسل". والمأساة هي أنها لم تنجب منذ زواجها إلى أن توفيت. وهي فترة وصلت إلى 15 عاما. وكان زوجها قد أنجب من زوجة سابقة له. وأخذ الجميع يتحدثون عن عدم إنجابها بأسلوب آذى مشاعرها. وفوجئت أخيرا أن زوجها بعد أن أنجب من زوجته السابقة أصيب بما أفقده الإنجاب. وجاءت فحوص الأطباء أن "ملك" سليمة تماما وليس بها ما يعوقها على الإنجاب ، وأن العيب في زوجها وليس فيها .. فأصيبت بإكتئاب إلى أن توفيت وهي في الثانية والثلاثين من عمرها وأصيب والدها لسبب ظلم المجتمع لكبرى بناته "ملك" أصيب بالشلل ، وقضي عليه الحزن فرحل بعد رحيلها بأربعة أشهر. نطلب لها الرحمة وتعود لسيرتنا الأولى.

روح الوطنية
لقد ساعد الحس الديني لدى "باحثة البادية" على أن تتجنب الإنزلاق في خصومة مع الرجل وتنادي بحرية المرأة، كذلك ساعدها التوجه الوطني على الإنجياز لقضايا الرجل وحرية الشعب، وقد ورثت هذا التوجه عن والدها "حفني ناصف" الذي كان مؤيدا لسعد زغلول ، فعندما إتهم الإحتلال "سعد زغلول" بتشكيل جمعية سرية تحت إسم "جمعية الإنتقام" وقاموا بحبسه وإضطهاده ، كان معه "حفني بك ناسف" ، وأحمد أفندي سمير ، وأحمد أفندي على الذي كان يعمل بالأوقاف وداسه الوابور بالقرب من خطة قليوب. 

وظهرت النمزعة الدينية والوطنية في القصائد التي نظمتها، كما أنها عندما عملت بالتدريس في مدرسة السنية كان العمل بالتدريس غالبا للفقراء والمحتاجين ، فكسرت "باحثة البادية" هذا العرف السائد لغالبية الشعب من الفقراء والمحتاجين، وقالت إن الوعي السياسي عند المرأة لا يقل عما عند الرجل، وهاجمت قانون المطبوعات بقصيدة ملتهبة، وكانت أولى المناضلات من أجل قضية المرأة. 

وتأثرت بالحركة الفكرية التي ظهرت في مطلع هذا القرن والتي قادها الشيخ محمد عبده وأحمد لطفي السيد وقاسم أمين وسعد زغلول. 

سلوك المرأة
بعد أن قدمت "باحثة البادية" برنامجها بمواده العشرة التي ذكرناها أنفا كانت الأسئلة التي تناثرت.. هل لها من مطالب أخرى؟ وماذا تقول من جانبها للمرأة المصرية التي تندي لها بالحقوق والحريات. 

نادت بتقييد تعدد الزوجات ، وفي نهاية حياتها رفضت تهدد الزوجات تماما وإنتقدت سلبية النساء وإستسلامهم للجهل والتخلف ، وقال إن إصلاح المجتمع يتأتي بإصلاح عيوب الرجال والنساء معا عن طريق التعليم، وطالبت بالنظر لفترة الحمل والولادة عند تلنساتء مثل النظر إلى فترة المرض عند الرجال.

وصاياها للمرأة
الإقتراح الأول: ضرورة أن تذهب النساء في المدن والقرى لحضور الصلاة وسماع الوعظ في دورالعبادة. وأن تتمسك المرأة بحرية التصرف في مالها ، وحرية الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان.
الإقتراح الثاني: التمسك بأن يكون التعليم الأولي إجباريا ، وعلى الجمعيات الخيرية وأغنياء الأمة تعليم الفقراء من بنات الامة والفقراء من أبنئاها.
الإقتراح الثالث: التمسك بتعليم الدين لما يغرسه في نفوسهن من الخلاقز 
الإقتراح الرابع: تعيين سيدة مصرية رشيدة في كل مدرسة للبنات لمراقبة الفتيات في أخلاقهن وسلوكهن. 

دورها في مناهضة الحركة الغربية في مصر
كانت تدور في مصر معركة قلمية بين دعاة التحرر الغربي وأنصار الحجاب، فدفعت ملك حفني اعتراضات دعاة التحرر الغربي بآيات من القرآن الكريم ونصوص من السنة، وفنّدت آراء الذين يُرجعون تأخر الشرق إلى التمسك بالحجاب ببراهين وأدلة عقلية، مثل قولها:"إن الأمم الأوروبية قد تساوت في السفور، ولم يكن تقدمها في مستوى واحد، فمنها الأمم القوية، ومنها الأمم الضعيفة، فلماذا لم يسوّ السفور بينها جميعا في مضمار التقدم، إذا كان هو الأساس للرقي الحضاري كما يزعم هؤلاء".

وفاتها
عاشت "ملك حفني ناصف" إثنين وثلاثين ربيعا من عام 1886م وتوفيت في عام 1918م. ونظلمها إذا قلنا حياتها إمتدت إثنين وثلاثين ربيعا. في الحقيقة النصف الثاني من هذا الرقم كان حوالي 15 خريفا ، وكانت الكاتبة الإنجليزية التي كتبت عنها كتاب "شتاء إمرأة في إفريقيا" على حق.. فالمدة الأخيرة من عمرها كانت أقرب إلى الشتاء أو الخريف.. واشعارها التي نظمتها ومقالاتها التي كتبتها وندواتها التي عقدتها محاضرتها التي ألقتها لم تهتم الإتحادات النسائية التي جاءت بعد إتحادها ، والكتب التي صدرت بعد كتابها والأصوات التي إرتفعت بعد رحيلها لم تسجل شيئا يذكر من تراثها.