لعنة "مجزرة إعدامات 1988" تطارد النظام الإيراني

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


حبسوهم داخل الزنازين، وفصلوهم عن العالم الخارحي بمنع سماعهم للراديوهات والتلفزيونات، ومنعوهم من التحدث مع موظفي السجن، ومنعوا عنهم الأدوية، ليقتصر وجود السجناء على زنازينهم فقط، وبعد شهور من ذلك الوضع بدأت تحقيقات وهمية يسأل فيها كل مسجون عدة أسئلة، حال إجابته إجابة تردي اللجنة  المنوطة بالتحقيق معهم، يعود سالمًا إلى زنزانته، وغير ذلك يعدم...ذلك كان حال السجناء السياسيين الإيرانيين عام 1988.

 

1988 كام عامًا للإعدامات السياسية للسجناء الإيرانيين، بدأت من 19 يوليو 1988، واستمرت لخمسة أشهر لاحقة تم إعدام الآلاف من السجناء السياسيين في جميع أنحاء إيران وكان أغلب السجناء من مؤيدي وأنصار حركة مجاهدي خلق والتي كانت مصنفة ضمن المنظمات الإرهابية، على الرغم من أن أعدم أنصار الفصائل اليسارية الأخرى، بما في ذلك فدائيون وحزب توده الإيراني، وأدت هذه الإعدامات إلى اندلاع أعمال عنف سجلها التاريخ الإيراني.

 

سرية تامة للسلطات الإيرانية

حرصت السلطات على أن تتم عمليات الإعدام بتكتم وسرية تامة، وأن تنكر ذلك الحدث، ولكن لوسع نطاق العملية وبشاعتها تمكن الناجين ممن بقوا على قيد الحياة أن يدلوا بكلمتهم حول هذه الواقعة.

 

عدد المعودمين

 إن العدد الدقيق للسجناء المحكومين عليهم بالإعدام لا تزال نقطة خلاف. سجلت منظمة العفو الدولية أسماء أكثر من 4482 سجين اختفوا خلال ذلك الوقت، لكن جماعات المعارضة الإيرانية تشير إلى أن عدد السجناء الذين أعدموا كان أعلى من ذلك بكثير، وربما يكون قد أعدم ما بين 8.000 إلى 30.000 سجين سياسي.

 

ومن المقدر أن معظم الذين تم اعدامهم إما كانوا في المدرسة الثانوية وإما في الكلية أو من الخريجين الجدد، وأكثر من 10% منهم من النساء.

 

سبب الإعدامات

المبررات المقدمة لعمليات الإعدام المزعومة تختلف، ولكن واحدة من النظريات الأكثر شيوعا هي أنها كانت في جواب هجوم 1988 على الحدود الغربية لإيران من قبل لحركة مجاهدي خلق، ومع ذلك، فإن هذا لا يفسر تماما لاستهداف الجماعات اليسارية الأخرى التي عارضت غزو مجاهدي خلق.

 

فتوى الخميني

وقبل تنفيذ عمليات الاعدام بفترة قصيرة أصدر الخميني سراً فتوى لإعطاء الشرعية على عمليات الاعدام في رسالة جاء فيها إن أعضاء مجاهدي خلق يحاربون الله واليساريين مرتدين عن الإسلام، والرسالة كان مضمونها: "إن أعضاء منظمة مجاهدي خلق لا يعتقدون بالإسلام وإنما يتظاهرون به وبالتالي:

 

نظراً لشن منظمتهم الحرب العسكرية على الحدود الشمالية والغربية والجنوبية لإيران، ونظراً لتعاونهم مع صدام في الحرب، ونظراً للتجسس ضد إيران، ولصلتهم مع القوى الغربية للمطالبة بالاستقلال.

 

فإن جميع أعضاء منظمة مجاهدي خلق الذين ما زالوا يدعمون خلق ومواقفها فهم مشمولين باعتبارهم مقاتلين أعداء ونحتاج إلى تنفيذ أحكام الإعدام بشأنهم".

 

تفاصيل الخطوات التمهيدية قبل الإعدام

تفيد بعض التقارير أن الخطوات التمهيدية للحادثة تم التخطيط لها قبل عدة أشهر من بدء تنفيذ عمليات الإعدام فأحد التقارير يقول : إن المسؤولين على السجون قد قاموا بخطوة استجواب السجناء في نهاية 1987 وفي بداية 1988 تمت إعادة الاستجواب وتفريق جميع السجناء السياسيين حسب انتماءاتهم الحزبية ومدة عقوبتهم.

 

وبدأ التنفيذ الفعلي لعمليات الإعدام في الساعات الأولى من 19/7/1988 مع عزل السجناء عن العالم الخارجي فقد اغلقت أبواب السجون وألغيت الزيارات والاتصالات الهاتفية وتلقي الرسائل والطرود البريدية وحتى الأدوية الحيوية إلى غير ذلك من الأمور، وفي المقابل تم حتى منع أقارب السجناء من التجمهر في الخارج عند بوابات السجن.

 

أُقفلت زنزانات السجون وتم إفراغها من الراديوات والتلفزيونات وأغلقت الأماكن التي لها علاقة بالسجناء كصالات المحاضرات وورش العمل وعيادات العلاج ليقتصر وجود السجناء على زنازينهم فقط وطلب من الحراس وموظفي السجن عدم التحدث مع السجناء.

 

وتمت إدارة عمليات الاعدام بإشراف لجنة مكونة من 16 عضواً يمثلون مختلف سلطات الحكومة كان من ضمنهم الخميني بنفسه والرئيس علي خامنئي ورئيس النيابة والمحاكم الثورية ووزارة العدل ووزارة الاستخبارات وإدارة سجن جوهر دشت وإدارة سجن إيفينالواقعين في طهران المنطقة التي تم فيها إبادة السجناء.

 

تحركت اللجنة ذهاباً وإياباً بين سجني إيفين وجوهر دشت بالطائرة المروحية، وقد كانت هنالك لجان مماثلة للأقاليم الأخرى في غير العاصمة ولكن لم يعرف عنها إلا القليل.

 

كان السجناء لم يعدمون دون جلسات قضائية ولكنهم ربطوا بتهم لا علاقة لها بالتهم التي قادتهم إلى السجن، فقد كانت تجري لهم مقابلات مع لجان خاصة للإجابة على قائمة من الأسئلة ليعرفون هل إنهم محاربين أم مرتدين وتكون النتيجة باقتناع وارتياح تلك اللجان.

 

التعامل مع مجاهدي خلق

السجناء من مجاهدي خلق الذين تم تقديمهم أولاً للمقابلات كانوا الذكور وقد اشتملوا حتى على من أظهروا التوبة وتخليهم عن مصادقة من كانوا معهم في المجموعة، استهلت اللجنة محضر الجلسات معهم بوعد زائف بالأمان وأخبارهم بأنها ليست المحاكمة بل إنها عملية لفصل المسلمين عن غير المسلمين وإصدار عفو عام، في البداية سئل السجناء من مجاهدي خلق عن نوعية انتماءاتهم العضوية للمنظمة فإذا أجابوهم بأنهم محاربين فإن الأسئلة تتوقف عند هذا السؤال، وإذا أجابوا بغير ذلك فإن اللجنة تواصل عليهم طرح بعض الأسئلة مثل: "هل أنت مستعد أن تستنكر زملائك السابقون؟، هل مستعد أن تستنكر زملائك أمام الكاميرات؟، هل مستعد للمساعدة في القبض عليهم؟، هل ستذكر أسماء المتعاطفون معكم سراً؟، هل أنت مستعد للتعرف على من يتحايلون بالتوبة؟، هل ستذهب إلى جبهة القتال وتمشي خلال حقول الألغام؟".

 

وكان من يجيب إجابة لا ترضي السلطة الإيرانية الممثلة في الحكومة، يأخذون إلى غرفة أخرى، وفيها يطلبون منهم أن يكتبوا وصاياهم الأخيرة ويسلموا ممتلكاتهم الخاصة كالخواتم والساعات والنظارات، ليأخذون بعدها معصوبي الأعين ويقتادون إلى المشنقة التي أعدموا عليها على ستة دفعات.

 

التعامل مع اليساريين

بعد 27 أغسطس ، حوّلت اللجنة اهتمامها للسجناء اليساريين، وكانوا يوجهون لهم عدد من الأسئلة، من يجيب إجابة يريدونها يعود لزنزانته، وغير ذلك يعدم، وكانت الاسئلة: " هل أنت مسلم؟ - هل تعتقد بالله؟ - هل القرآن كلام الله؟ -هل تعتقد بالجنة والنار؟ - هل تقبل بمحمد ليكون خاتم الرسل؟ - هل ستعلن إنكارك للمادية التاريخية؟ -هل ستستنكر معتقداتك السابقة أمام الكاميرات ؟ - هل تصوم في شهر رمضان؟ - هل تصلي وتقرأ القرآن؟ - هل ترغب بأن تتشاركك في الزنزانة مع مسلم أو غير مسلم؟ - هل أنت مستعد بأن تقوم بالتوقيع على إفادة خطية بالقسم بأنك تعتقد بالله والرسول والقرآن ويوم القيامة؟ - عندما كنت في طور النمو هل كان والدك يصلي ويصوم ويقرئ القرآن؟".

 

قيل للسجناء بأن السلطات تسأل هذه الأسئلة لأنها تخطط لفصل المسلمين المرتبطين بالإسلام عمـّن لا صلة لهم به.

 

التعامل مع النساء

لم تعط النساء من مجاهدي خلق أي مميزات بل تم التعامل معهم بمثل التعامل مع الرجال وتقريباً أرسلن جميعهن للشنق على أساس أنهن أعداء الله، أما من صنفوهن مرتدات غير محاربات فالعقوبة كانت أخف من الرجال باعتبارهن غير مسؤولات بشكل كامل عن أعمالهن فتـُرك تصنيف العقوبة على تقدير اللجنة.

 

النساء اليساريات أعطين فرصة لإعادة الاعتبار في عقيدتهن، وبعد التحقيق تعرضت النساء على كل صلاة يقمن بتفويتها لخمس جلدات، وهو نصف عدد الجلدات بالسوط التي كان يتلقاها الرجال لتفويت أيٌ منهم الصلاة، وعلى هذا وافق الكثيرون على أداء الصلاة أما البعض فقد قمن بإضراب عن الطعام وحتى الماء فماتت إحداهن بعد 22 يوماً تلقت خلالهم 550 جلدة، والسلطات صنفت وفاتها على إنها انتحار لأنها هي التي اتخذت القرار بأن لا تصلي.

 

التعامل مع عوائل السجناء المعدومين

وفقاً لما تقوله المحامية الإيرانية لحقوق الإنسان شرين عبادي، قيل لعائلات السجناء المعدومين عليكم ألا تطالبوا بتسلم الجثة وأن لا تقيموا الحداد بأي طريقة على روح فقيدكم فإذا التزمتم بهذا لمدة سنة فسوف نكشف لكم عن مكان قبر فقيدكم.

 

وبرروا ذلك لهذه العوائل بأن أسماء سجنائهم عليها ملاحظات وذلك لتعلقهم بأعضاء من مجاهدي خلق شـنـّوا هجوماً في مرساد لذا فإن السلطات تحتاج إلى الجثث، لأن الملاحظات هي تورط مؤيدين لمنظمة مجاهدي خلق في داخل السجن بالمساعدة في ذلك الهجوم. وأضافت شرين عبادي لو تركنا جانباً بأن حصول هذا بعيد عن الاحتمال، فليس هناك تفسير لعدم تلقي السجناء محاكمات لمساعدتهم العدو وهم في داخل السجن كما تزعم الحكومة.

 

ردود الفعل على الإعدامات

واحدة من نتائج هذه الإعدامات العشوائية كانت استقالة نائب الخميني حسين علي المنتظري ولـيّ العهد والقائد الأعلى، حين سمع المنتظري عن الاعدامات أصدر ثلاثة رسائل عامة أرسل أثنين منها إلى الخميني وواحدة إلى اللجنة الخاصة استنكر وشجب فيها الاعدامات وحمـّل اللجنة الخاصة مسؤولية انتهاك حرمة الإسلام بإعدامهم التائبين والمذنبين القاصرين أيضاً.

 

لعنة المجزرة تطارد مرتكبيها

وبعد أعوام من المجزرة نشر آية الله منتظري نائب خميني السابق في عام 1988، تسجيل صوتي يكشف عن أدلة جديدة بشأن المجزرة وفي مارس 2017، سجل 80 عضوا في البرلمان البريطاني من جميع الأحزاب الرئيسية البريطانية مشروع قرار برلماني رقم 448 بشأن مجزرة 30 ألف سجين سياسي في عام 1988 على يد جلادي نظام الملالي داعين الحكومة البريطانية الى استنكار هذه المجزرة باعتبارها "جريمة ضد الانسانية" مطالبين الأمم المتحدة باجراء تحقيقات بشأن هذه الجريمة القاسية واحالة منفذيها الى العدالة.

 

ويواجه عدد من مسئولي الدولة تهمًا مختلفة تحملهم مسئولية المجزرة منهم، خامنئي ولي الفقيه الحالي، رئيس الجمهورية آنذاك، حسن روحاني رئيس الجمهورية الحالي.