من الرعاية إلى الاغتصاب.. دور الأيتام تُدمر مصر وتُخرج "مجرمين مبدعين" (تحقيق)

تقارير وحوارات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


 

بعد أن كانت دور "رعاية" تحولت إلى أوكار للتعذيب والتحرش والإغتصاب، هذا هو حال دور الأيتام في مصر، التي تعددت في الفترة الأخيرة الإنتهاكات داخلها مما أدى إلى غلق عدد منها، ولكن الغلق لم يمنع الدور الآخر من ممارسة العنف والتعذيب ضد الأطفال الأيتام.

 

سوء رعاية الأطفال الصحية

آخر مخالفات دور الأيتام كانت اليوم، حيث قررت وزارة التضامن الاجتماعى إغلاق دار الشيخ حسن لرعاية الأيتام بمدينة نصر، لوجود مخالفات فنية داخل الدار من سوء رعاية البنات من كل أوجه الرعاية الصحية والتعليمية، بالإضافة إلى عدم توافر جهاز وظيفى متخصص، حيث تبين عدم وجود صيدلية بالدار إلى جانب اكتشاف انتهاء صلاحية الأدوية الموجودة، وعدم توافر غرفة للعزل الطبى، كما تبين من خلال البحث استغلال البنات فى أعمال خارج الدار.

 

إغتصاب الأطفال بدار الأيتام

سوء رعاية الأطفال الصحية لم تكن هي المخالفة الوحيدة لدور الأيتام، فهناك مخالفة آخرى ظهرت بشدة خلال الفترة الأخيرة تمثلت في "الإغتصاب والتحرش بالأطفال"، فعلى سبيل المثال فبراير تقدّم برنامج "العاشرة مساء" ببلاغ ضد دار أيتام بعين شمس؛ بسبب تعرض 34 طفلًا داخل الدار للاغتصاب، وقد استجاب المستشار "أحمد العراقي" - مدير مركز المعلومات بهيئة النيابة الإدارية - للبلاغ.

 

وروت أخصائية نفسية تدعي "صفاء" بدار أيتام عين شمس، تفاصيل واقعة اغتصاب 34 طفلًا بالدار من قبل نازلين يكبرونهم سنًا، قائلة: "لقيت طفل عمره 9 سنوات بيعاني من الألم، رحت وديته لدكتور، فأكد لي أنه تم الاعتداء عليه جنسيًا من قبل شاب آخر نزيل بالدار" .

 

وأضافت "صفاء": "بمواجهة الطفل بالشاب، عرفت أن مش دي الواقعة الوحيدة، و في حالات تانية كتير تتعرض للاغتصاب من قبل بعضهم البعض، فسلمت مدير الدار تقرير بالحالات دي وقام بطردى من الدار".

 

تعذيب الأطفال بدور الأيتام

التعذيب أيضًا، أصبح موضة داخل "دور الأيتام"، وهناك عدة حالات تفيذ بتعذيب الأطفال داخل دور الأيتام، أشهر تلك الحالات عندما قامات إحدى العاملات بدار الأيتام التابعة لجمعية الأورمان فى التجمع الخامس، بتعذيب طفل بـ"المياة الساقعة" في الشتاء وظهر الطفل في الفيديو المتداول يصرخ قائلًا: "أنا مش عاوز استحمى بالميه الساقعة".

 

ويتخذ التعذيب في دور الأيتام أشكالًا كثيرة، عرض الإعلامي وائل الإبراشي تقريرًا مصورًا، لأطفال في دور التربية والرعاية في الجيزة يتعرضون لجميع أنواع التعذيب، ومن يعترض منهم يتم طرده إلى الشارع مثل ما عرف مع الطفل المشهور إعلاميا بـ"الراقص مع الكلاب".

 

وقال أحد الشباب خلال التقرير المعروض في برنامج "العاشرة مساء"، والذي يذاع على فضائية "دريم"، إنه يوجد العديد من الأهمال الواضح في حقوق الطفل، مشيرا إلى أنه وجد طفلا "تم فقع عينه وقطع يده"، وهو لا يتعدى سن الـ9 سنوات، مؤكدا أنه لا يوجد رقابة أو متاعبه صحية أو طبية.

 

كيف يؤثر التعذيب والتحرش والإغتصاب ع الطفل؟

الدكتورة هبة عيسوى، أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس، أكدت أن الطفل الذي يتعرض للتحرش أو الإغتصاب داخل دور الأيتام يمر بعدة مراحل الأولى هي "الإنكار" وفي تلك المرحلة يرفض الطفل فكرة تعرضه للتحرش أو الإغتصاب، ثم "الإزدواجية" ويعاني فيها الطفل من الإنفعالية والصريخ، ثم "المساومة" حيث يلجأ الطفل إلى شخص غير الذي إعتدى عليه ويساومه بالمعلومات ليحل له أزمته، ثم مرحلة "التقبل" وفيها يكون إرتضى الطفل بالوضع دون تعليق، ثم "التكيف" وفي تلك المرحلة  يمارس حياته بشكل طبيعي مرة آخرى.

 

وعن ضرورة معرفة تلك المراحل، تقول "عيسوي"، في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، أن كل من يتعامل مع طفل تم التحرش به لابد أن يكون على علم بتلك المراحل حتى يستطع أن يتعامل مع الطفل ويصل به إلى مرحلة "التكيف" فيحدث إتزان نفسي داخل الطفل.

 

أما عن الأعراض التي يتعرض لها الطفل المُغتصب، فتشير أستاذ الطب النفسي إلى أن الطفل يشعر بألم جسدي نتيجة التحرش وكذلك ألم نفسي وهو أقوي من الالم الجسدي لأنه يستمر لسنوات طويلة، حيث أن الإغتصاب أو التحرش يعد إنتهاك لحرمة الجسد، متابعة: "كل إنسان لديه حاجز مينفعش حد ينتهكه اذا انتهك يعتبر إنتهاك لكرامة الشخص وبيحس انه ولا حاجة".

 

دور الأيتام تحول الطفل لـ"متحرش صغير"

وتضيف: "التحرش بالطفل أو إغتصابه يعرض الطفل لاضطراب نفسي يسمى كرب ما بعد الصدمة، يجعل الطفل يسترجع الذكريات كأنها فيلم رعب فتطاره الكوابيس والذهول"، متابعة: "بيحس إنه بره الدنيا والمجتمع"، مؤكدة أن التحرش بالطفل يحوله إلى "متحرش صغير" لذلك يجب على دور الأيتام أن تتعامل مع الطفل المتعرض للتحرش على ذلك النهج بأن ينام بجواره شخص أكبر منه لأنه إذا نام بجواره شخص أصغر سيتحرش به، بالإضافة إلى أعراض آخرى مثل العنف ضد الذات والتبول اللارادي وقلة النوم.

 

دور الأيتام تحول الطفل إلى "مجرم مبدع"

وأوضحت استشاري الطب النفسي أن تعذيب الأطفال داخل دور الأيتام يحولهم إلى "مجرم مبدع"، حيث أن الطفل المتعرض للتعذيب سيفعل نفس السلوك فسيبدأ الموضوع عنده في بادئ الأمر بتعذيب الحيوانات مثل القطط والكلاب، ثميمر بمرحلة العنف ضد البشر سواء بضرب زمايله وهو ما يسمى بـ"العنف الإيجابي" أو "التوقيع بين الناس وبعضها البعض" وهو ما يسمى العنف السلبي.

 

وتتابع: " بعد مرحلة ممارسة العنف مع البشر يبدأ الطفل في الدخول إلى مرحلة جديدة وهي التحول إلى مجرم مبدع يمارس النصب على الناس برضاهم كما أن يمارس النصب بطريقة طريفة حتى يشعر بالاستلذاذ".

 

حل أزمات مخالفات دور الأيتام

الدكتور طه أبو حسين، أستاذ علم الاجتماع والتربية، قدم مقترحًا للخروج من مأزق تحرش وتعذيب العاملين بدور الأيتام للأطفال، بأن يكون العمل في تلك الدور "تطوعي" وهو ما يؤدي إلى أن العاملين سيكون لديهم "ضمير" وسيعملون على تعليم الأطفال الفضيلة ويبتعدون عن الرزيلة.

 

وأضاف أستاذ علم الاجتماع والتربية، في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، أن هناك مسئولة مجتمعية تقع على دور الأيتام ويجب أن تقوم به بمساعدة المسئولين وكافة أطراف المجتمع، ويجب أن تكون محددة بزمن، فمن المفترض أن يظل اليتيم بها حتى سن الرشد فقط لأنه بعد ذلك سيكون هناك تطور غريزي خاصة فيجب أن يبتعد عن الدار خاصة لو كان هناك اختلاط بين الشباب والفتيات.

 

دور مجلس النواب في حل الأزمة

النائب محمد أبو حامد، وكيل لجنة التضامن الاجتماعى والأسرة بمجلس النواب، أوضح أن تكرار المخالفات يؤكد أن هناك أزمة في دور الرعاية بشكل عام، متابعًا: "اتكلمنا مع وزير التضامن في الجلسات الأخيرة على ضرورة أن يكون هناك إجراءات لوقف الإنتهاكات بدور الأيتام".

 

وأضاف "أبو حامد"، في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، أن الوزارة طرحت أفكار لمواجهة تلك الإنتهاكات ولكن معظمها تأخذ وقت للتنفيذ فطالبنا بوجود إجراءات عاجلة لوقف تلك الإنتهاكات ثم العمل على تنفيذ خطة شاملة، موضحًا أن من بين أفكار الوزارة دمج دور الرعاية للقدرة على متابعتها بالإضافة إلى ترتيبها حسب الخطورة".

 

وعن العقوبات التي ستطارد المخالفين في الفترة المقبلة، قال وكيل لجنة التضامن الاجتماعى والأسرة، إن هناك نية لتغليئ العقوبات وقانون الجمعيات الجديد يتيح ذلك، ولكن إذا كانت العقوبات الموجوه به لن تحقق الهدف المنشود سنضع عقوبات تتمثل في سلب الحريات خاصة وأن معظ  المخالفات تتمثل في التحرش والاغتصاب.